كمال مغيث يكتب: التعليم ومجانيته
من زمن محمد على إلى زمن السيسى:
على الرغم من أن محمد على (1805-1848) لم يكن يملك مشروعا شعبيا، إلا أنه كان يهدف إلى بناء دولة حديثة قوية تناوئ الدولة العثمانية وتقف فى مواجهة أطماع دول أوروبا القوية، ولذلك فقد أقام نظام تعليم عصرى حديث بدأه بإرسال البعثات إلى أوربا لقطف ثمار العلوم والفنون، وراح ينشئ المدارس العالية المخصوصة والتجهيزية والابتدائية، يرسل أعوانه لاختيار أمهر الصبيان، ليدخلوا مدارس داخلية مجهزة ويتعلموا بالمجان تماما، وينفق عن سعة على إطعامهم وكسوتهم وأدواتهم ومعلميهم، ومصروفهم الشهرى.
وفى غضون خمس وعشرين عاما من بداية مشروع محمد على كانت جيوشه من الفلاحين المصريين الذين تعلموا فى مدارسه تدق أبواب الآستانة، وخلفها كل الخبرات العلمية والفنية التى انتجتها مدارسه
وشهد التعليم نكسة قصيرة فى زمن عباس الأول (1848-1854)
حيث أغلق جميع مدارس جده الكبير، ولكن سرعان ما شهد التعليم انتعاشا كبيرا زمن الخديو اسماعيل(1863-1879) فعادت البعثات للخارج وافتتحت مدرسة لتعليم البنات، وإنشئت مدرسة دار العلوم ومدرسة اللسان المصرى القديم، وأعد على مبارك بتعليمات منه لائحة لتعميم التعليم فى مختلف أنحاء البلاد سميت "لائحة رجب" 1868، استهدفت بناء مدرسة ابتدائية فى كل قرية يصل عدد سكانها لخمسة آلاف نسمة ووضع فيها نظام لتعليم الفقراء مجانا، ولكن هذه النهضة توقفت بسبب الاحتلال البريطانى 1882، الذى سعى لجعل التعليم كله بمصروفات ينوء بها غالبية الناس، كما اكتفى بتخريج موظفى الدولة كهدف وحيد للتعليم، وكانت اتاحة التعليم وفتح المدارس الليلية واحدا من اهم محاور الصراع بين الاحتلال والحركة الوطنية التى توجت جهودها بفتح الجامعة المصرية 1908.
التعليم وثورة 1919،
عاد مطلب تعميم التعليم ومجانيته ليكون على رأس مطالب الحركة الوطنية، ونص دستور 1923فى مادته 19 على مجانية التعليم الأولىً، وراح المفكر الفذ طه حسين يتخذ من جعل التعليم متاحا للناس جميعا "كالماء والهواء" شعارا له، وبالفعل تحققت مجانية التعليم الابتدائى 1944، ثم مجانية التعليم الثانوى فى ظل وزارة الوفد الأخيرة 1950.
وبعد ثورة يوليو 1952، ومع إعلان قوانين يوليو الاشتراكية 1961، تحققت مجانية التعليم الجامعى والعالى، وهكذا أصبح التعليم كله بالمجان منذ المرحلة الابتدائية حتى نهاية مرحلة الدكتوراة، وكانت مجانية التعليم هى الظهير العلمى والتقنى لآخر مشروع وطنى شهدته البلاد،
التعليم في عهد السادات ومبارك
لم يعد هناك مشروعا وطنيا ولا خطط تنموية فراح التعليم الحكومى يتدهور وتنهار جودته وتصبح الدروس الخصوصية هى الملاذ لمن يريد الالتحاق بالجامعة، ومن هنا راح الإثرياء يقيمون مدارسهم الخاصة والمميزة بمصروفات، ثم جامعاتهم الخاصة 1992 زمن مبارك، واستمر تدهور التعليم حتى ثورة يناير 2011 والذى كان تدهور التعليم واحدا من أهم أسبابها.
وجاء السيسى 2014، وبدلا من أن يجمع خبراء التعليم تعد خطة علمية للنهوض بالتعليم المنهك، راح يعلن أنه"مافيش حاجة ببلاش"، وأنه بدلا من تعليم الناس فإنه سيعلم جزء قليل فقط ولن يهمه مستوى تعليم الناس، وأعلن أنه لن يتم تعيين أى معلمين جدد تحت تأثير ضغوط صندوق النقد الدولى، حتى بلغ العجز فى عدد المعلمين مايزيد على ثلاثمئة وخمسين ألف معلم، وراحت الوزارة تضع حلولا عبثية تثير السخرية لسد عجز المعلمين كالتعليم بالحصة أو التعليم بالتطوع، أو بالتعاقد شهور معدودة،
التعليم والسيسي
وأوقف السيسى أساس مرتبات المعلمين على سنة 2014- نفس سنة وصوله للحكم- وأصبح معلمينا بالفعل هم أفقر معلمى الأرض، وتوقف بناء المدارس، وكلما جاءت سيرة كثافة الفصول وتدهور أوضاع المعلمين: يتساءل: أجيب منين؟ وبتعيينه لوزير التعليم الفاسد السابق زعم العمل وفق خطة تطوير لوجود لها، واتخذ من التعليم مجرد سبوبة للتربح والسمسرة من خلال صفقات التابلت والتعاقد مع شركات ديسكفرى والمناهج والامتحانات، واليوم ليس لدينا ورقة واحدة نعرف من خلالها ماتم فى تلك الصفقات المريبة، وفى غفلة من المجالس التشريعية أعاد السيسى المصروفات إلى المدارس والجامعات بعد ستين عاما من إقرارها وكما تنص المادة 19 من الدستور والمادة 3 من قانون التعليم، وبدلا من الاهتمام بالتعليم الحكومى "تعليم الناس" راح يهتم بإنشاء المدارس الدولية والجامعات الخاصة
هذا باختصار: تعليم السيسى
إرسال تعليق