قراءة فى فنجان قهوة ب 7 جنيه (مجموعة قصصية)
للكاتبة صفاء عبد المنعم
بقلم مصطفى فودة
صفاء عبد المنعم كاتبة متعددة المواهب فهى قاصة وروائية وباحثة فى الأدب الشعبى وكاتبة قصص للأطفال ، أصدرت أكثر من أربعين كتابا بين القصة والرواية والبحوث فى الأدب الشعبى ، والمجموعة القصصية فنجان قهوة 7ج من آخر تلك الإصدارات .
يسيطر على المجموعة شعور بالإغتراب والشجن والفقد فهوالصوت الخفى المسيطر على أكثر نصوص المجموعة ، والإغتراب شعور نفسى بعدم التكيف مع الحاضر والبيئة المحيطة به وما يصاحبه من قلق وانعزال اجتماعى وشعور بفقدان المعنى ، وتذكرنا المجموعة بالرسام الأمريكى إدوارد هوبر وهو من أفضل من جسد الإغتراب والوحدة والعزلة فى لوحاته فى المجتمع الأمريكى فى القرن العشرين ، ويتجسد الإغتراب فى سمات منها الشغف بالغناء القديم والشغف بأماكن مثل القاهرة الخديوية وكذلك الشغف بالعودة للطفولة وغيرها .
ساد الشغف بالغناء القديم وما يسمى بالزمن الجميل مواضع كثيرة بالمجموعة ، فهى سمة فنية واضحة بالمجموعة فنجد الساردة تهيم حبا بالمطربين القدامى وتتفنن فى وصف أصواتهم وإحساسها نحوهم ، فمحمد عبد المطلب " يصنع عندى حالة من الوجد والشجن صوت يذكرنى بأبناء البلد الجدعان " ، وفريد الأطرش " صوت يشدو بعاطفة وحنان طاغ "، ونجاة صوت هادى يزيح عن قلبى كثيرا من الهموم " ، بل نسبت الغناء إلى النمل أيضا فى القصة الأولى حيث تغنى أسراب النمل وكان غنائه فى تصورها مصدرا للحنان عليه وعتقه من الموت بالمبيد الحشرى أوالسحق ، كما كان عناوين بعض القصص بأسماء أغانى قديمة مثل القصة الثانية فى قلبى غرام ة مصبرنى للمطرب محمد عبد المطلب والقصة الثامنة "ساعة فى قرب الحبيب " للمطرب فريد الأطرش ، وقصة "ليلة حب " لأم كلثوم ، بل حملت بعض أعمال الكاتبة عنوانا باسم أغنية مثل روايتها " فى الليل لمّا خلى " ، ولها كتاب أغانى وألعاب شعبية للأطفال ، كما شغفت الساردة بالموسيقى فى قصة صوت الموسيقى "كنت أراها تسمع الموسيقى آتيا من بعيد فتترنح وتتموج بجسدها الفارع النحيل ، وتتمايل رأسها مثل شجرة التوت فى فصل الربيع المزهر" ، إذا كان الغناء والموسيقى للساردة مصدرراحة وسلوى ومقاومة للإغتراب والفقد والحزن .
كان المكان من أهم عناصر المجموعة القصصية فقد شغفت الساردة بوسط البلد وبالقاهرة الخديوية حيث الجمال الأوربى ، ففى قصة فنجان قهوة 7ج وهو العنوان الذى سميت به المجموعة تذكر حديقة الأزبكية وجامع الكيخيا وتصف مكانه من ميدان الأوبرا بالتفصيل ومتى أنشئ وما دلالة اسمه وما طرأ على إسمه من تحريف العامة حيث بناه الامير عثمان كتخدا وكيل الوالى عام 1874 وحرف العامة كلمة كتخدا وهولقب يعنى وكيل الوالى أو الأمير إلى كلمة كيخيا ، كما توقفت الساردة أمام تمثال إبراهيم باشا صاحب الفتوحات العظيمة أبو الخديوى اسماعيل صاحب هذا الجمال الأوربى وهو يمتطى حصانه ، مازال يقف شامخا ، "ظلت تسير بخطى بطيئة حتى وصلت إلى ميدان الأوبرا ، الباعة الجائلين يفرشون بضائعهم الرخيصة على الأرصفة ، وقفت قليلا أمام تمثال إبراهيم باشا نظرت نحوه كادت أن تحدثه بكلام لم يكتمل ، تود أن تقول له (أنا آسفة) منذ أن قرأت عن فتوحاته العظيمة حتى منابع النيل وهى تحترم عبقريته العسكرية ... أنا آسفة عن كل ماحدث لك ولأبيك وابنك وأحفاده من بعده " فكان المكان فى القصة موضع مقارنة ورثاء للماضى الشامخ على حساب الحاضر الضامر العشوائى ، بالقصة إسقاط سياسى غير مباشر على أنظمة الحكم بعد ثورة يوليو وخلع أسرة محمد على .
كان المقهى أحد عناصر المكان التى شاعت بقصص المجموعة وشغفت به الساردة وكانت مصدرا للإسترخاء و للراحة وتفريغ الضغوط النفسية للساردة والإستمتاع بإحتساء القهوة وسماع الأغانى القديمة "كنت عندما تضيق بى الدنيا آتى إلى هذا المقهى المنزوى قليلا فى شارع جانبى بوسط البلد بعيدا عن الصخب وأطلب فنجانا من القهوة واجلس فى استرخاء استمتع بصوت نجاة الهادى الذى يذيح عن قلبى كثيرا من الهموم والأتربة والأصوات الصاخبة " ، وقد ورد المقهى فى قصص كثيرة مثل قصة مقاطع صغيرة من يوم جميل استخدمت الساردة وهى فى مقهى بباب اللوق تقنية الاسترجاع إلى الطفولة عندما كانت تأتى مع أمها وهى طفلة عند الطبيب فى باب اللوق ، كما استخدمت بنفس القصة تقنية المشاهد السينمائية ، مشهد خارجى ومشهد داخلى كما كان بذات القصة إسقاط سياسى غير مباشر من خلال الحوار بين الساردة وعامل المقهى " أصلهم ناويين يبيعوا المقهىى زى حاجات كتير اتباعت " .
الحنين للطفولة كانت سمة فنية شاعت فى قصص المجموعة ففى قصة روح عبارة دالة على الحنين للطفولة " كنت أريد أن أظل طفلة دائما " وذكرت الطفولة فى أكثر من قصة منها ماذكر سابقا فى قصة مقاطع صغيرة فى يوم جميل ، وقصة خوف وفيها تقص الجدة للطفل الحكايات الشعبية مثل أمنا الغولة والجنيات .
تأثرت الساردة بالحكاية الشعبية واقترنت الحكاية الشعبي بالطفولة فى كثير من القصص ، واستخدمت الساردة عبارات شفهية تُستخدم فى قص الحكاية الشعبية ، ونراها تقطع السرد فى بعض الموضع وتخاطب القارئ مباشرة مثل ( المهم يا أعزائى – وسوف أحكى لكم ما حدث بالضبط – والحقيقة التى لا تعرفونها ...) ، كما جاء ببعض القصص حكايات عن الجن والعفاريت وأمنا الغولة والشيطان كما فى قصة ( الشيطان الذى شرب الشاى معى ) وست الحسن والجمال وسندريللا وفى قصة ليلة حب تشبيهات كثيرة مستمدة من المأثور الشعبى حيث تشبه أم السارد المرأة بالأفعى التى تلف جسدها حول جسد من تريد أن تعصره ، وتسمى ابنة عمه بالدحلابة وابنة خاله بالمسهوكة وتسأله بخبث شديد (هتاخد الدحلابة ولا المسهوكة ) وهى تشبيهات وعبارات من الماثور الشعبى ، وللكاتبة دراسات شعبية كثيرة مثل كتاب داية ومشطة وصورة المرأة فى الأمثال الشعبية وكتاب أغانى أفراح (جمع ميدانى) وروايات وقصص للأطفال مستمد من الحكايات الشعبية .
كان الفقد والانتظار والموت عماد قصة اللون الرمادى الأخضر حيث تحكى الساردة عن فقد حبيبها الجندى فى حرب 67 وظلت فى انتظاره حتى ماتت وحيدة فى حجرتها منذ ثلاثة أيام لم يسأل عنها أحد سوى أبنة أخيها الطفلة ، كما تحكى عن التغيرات التى حدثت بالأسرة بعد نصر أكتوبر حيث "هاجرالرجال إلى البلاد البعيدة بعد النصر" تاركين زوجاتهم وأبنائهم وبناتهم .
وكانت قصة علبة مارلبورو من أشد القصص تعبيرا عن الإغتراب والموقف الوجودى تجاه الحياة ، حيث يزور رجل سيدة بإحدى الضواحى ونعلم من خلال السرد أن والديها قد ماتا وتعيش وحيدة فى بيت فى إحدى الضواحى ، وكذلك نعلم أن زوجته ووالديه قد ماتا أيضا وأنه وحيد ويأتى لزيارة السيدة من وقت لآخر، كما نفهم من السرد بطريقة غامضة أن بينهما قصة حب قديمة ونشعرأن بينهما حاجزا لا شعوريا من الإغتراب " كان بداخل رأس كل منهما عشرات الأسئلة التى بلا إجابة ومئات الإستفسارات عن ماهية الوجود وما فائدتهما طالما الإنسان يفقد أحباءه يوما بعد يوم " وتنتهى زيارته وهى تودعه عند الباب ، كانت الدمعة المعلقة قد نزلت على خدها ، وبالقصة إحساس وأسئلة وجودية تجاه الحياة وشعور بالإغتراب والفقد كما تركت الكاتبة مساحات فارغة وكذلك نهاية مفتوحة بالقصة يملؤها القارئ بخياله حسب ثقافته مشاركا الكاتبة فى ملئ ماتركته فارغا ، كذلك هناك استهلال وأسئلة وجودية بقصة رد الروح
"بعض الأسئلة وجدت لتبقى دون إجابة
تظل معلقة بين الاحتمال وتعدد الإجابات
وغير مشغولة بالإجابات السهلة أو الجاهزة ، أسئلة دائما مفتوحة
لماذا خلقتنى يا الله ؟
لماذا أنا متعبة طول الوقت ؟
هل تسمعنى ؟
إنى آنست نارا
تنتمى قصص المجموعة إلى الواقعية إلا أنها فى بعض القصص أتجهت إلى الفانتازيا منها قصة رأيت دويستوفسكى حيث استدعت الساردة الروائى الروسى ديستويفسكى حيث شاهدت شخصا يشبهه أثناء تواجدها بأحد البنوك معتقدة أنه يريد صرف بعض المال من الماكينة وأقامت معه حوارا
- لولا الحظ ما نجوت من الموت ، كنت سأعدم
- الهذا صرت كاتبا ؟
- ربما ، وربما عرفت قيمة الحياة فكتبت عن الضعفاء
- مالذى يعجبك يا بنيتى فيما أكتب ؟
- يعجبنى العمق
- وماذا أيضا ؟
- الغوص فى داخل النفس البشرية تكتب وكأنك محلل نفسى بارع .
اتسم السرد بالبساطة الفنية والجاذبية والعمق ، استخدمت الساردة تقنية الإسترجاع للتعبيرعن طفولتها مثل ما جاء بقصة مقاطع صغيرة من يوم جميل ، أما اللغة فكانت باللغة العربية الفصيحة البسيطة المطعمة بالعامية فى بعض المواضع ، وقد تصل فى بعض المواضع إلى الشعرية " كان الفجر قد بدأ يصنع بعض الخطوط البيضاء التى كان تأكل على مهل الخطوط السوداء ، فيظهر اللون الرمادى متفتحا فى الأفق مثل زهرة ندية " ، أما الحوار فكان باللهجة العامية فكانت أصدق تعبيرا عن الشخصية العامية مثلا الحوار بين الأم وابتنها فى قصة حين تغنى أسراب النمل
- وحياة النبى ياهدى أوعى تنسى ، أنا مش بنام يا بنتى من صوتهم المزعج
- صوت مين يا ماما ؟ ...
- هل للنمل صوت يا أمى ؟
- صوت غناء
- أسمعهم كل ليلة يغنون فرحين بانتصاراتهم على
- ولا يهمك يا قمر
أما الحوار الأسبق والذى جاء مع ديستويفسكى فكان باللغة العربية الفصىحى لأنه كان أجنبيا .
وهكذا قدمت الكاتبة صفاء عبد المنعم مجموعة قصصية تميزت بالبساطة والعمق عبرت فيها عن تجربتها فى الحياة ومحاولتها التغلب على أزماتها بالفن وعلى ضرورة الفن فى الحياة ، من خلال قصص ذات ملامح خاصة ولغة تخص الكاتبة ومستوى فنى راق وعميق وجميل .
مصطفى فودة .
إرسال تعليق