يوسف وهيب يكتب: لماذا نحارب نيابة عن الموتى؟!
تغبطنا دائمًا عبارات من عينة "الزمالك يثأر من الأهلي"، وهذا ما يتمناه مغلوبون على أمرهم مثلي، وكثيرون أيضًا من أصدقائي، "نحن نثأر لقتلانا أوشهدائنا"، "من يثأر لضحايا الإهمال؟!".
معظمنا يردد مثل هذا السؤال وتلك العبارات، بل ويستحسنها، وفي الوقت ذاته، نردد ناصحين: يجب أن يكف البعض عن فكرة الثأر!
ربما تظنني أرصد تناقضًا ما بين حالتين من التفكير، وليكن لك ذلك، لكن ما أرمي إليه هو التفريق بين أمرين، أن تكون هناك وسائل قانونية لتأخذ حقك إذا ما أوذيت في حالك أو في شخص عزيز عليك، وبين أن تكون المعركة دفاعًا عن وطن ضد أوغاد أومحتلين، فالأمر القانوني والمشروع هنا هو أن الأمة تحارب هؤلاء بكل ما تملكه من وسائل، ما أعنيه هنا هو اللحظي وما يشكل حياتنا الآن، وطبقًا لمعطيات اللحظة الحاضرة.
غير أن ما نعيشه منذ لحظات ميلادنا الأولى، ودون إرادة من طفولتنا، يتم إرضاعنا ثارات قديمة تسبّب فيها أجدادنا، سواء بالحق أو بالباطل، لا نتخلص منها بسهولة، وكثيرون دفعوا حياتهم ثمنا لمحاولات الخروج أوالتنكر لهذا الإرث الثقيل، أوحتى مجرد مساءلته، ونظل هكذا- حتى نهاياتنا- محملين بما يفوق طاقاتنا ومقدراتنا التي نستهلكها في حروب لا تخصنا الآن، والأهم أنها لا تختص بتحركنا خطوة للأمام، ولعل أعداء أي أمة لا يريدون لها فخًا أحكم من ذلك يسقطونها فيه وبةه، لتظل دومًا في حالة "للخلف دُرْ" ولعلك حين تقلب أي مكتبة في بلد عربي، ستجد أطنانًا من أوراق مكتوبة حول أكذوبة الأصالة والمعاصرة، وطوال عقود فاقت على القرن، ها نحن لا أدركنا أصالة، ولا بلغنا معاصرة، وبقينا كمن رقصت على السلالم!
ولا تندهش حين أقول لك؛ إن العنصرية قد يكون منشأها الأساسي هو المحبة المطلقة التي تستحيل إلى تعصبٍ مقيت، وهي وإن كانت في حال الرياضة (مثال الأهلي والزمالك وغيرهما) تخضع للهواية والمزاج الشخصي، وتتأسس المحبة فيها بناءً على نتائج آنية ملموسة، يراها هذا الجانب أو ذاك في أي من الفريقين. غير أنه بالنظر في الجانب الديني ستجد أساسًا غير ذلك، فلا هذا الأرثوذكسي يقبل الكاثوليكي والبروتستانتي أويرفضهما، ولا هذا السُّنيُّ يتآخى مع الشيعي أويعاديه؛ بناءً على موقف حياتي حدث بينهما الآن وتوًّا، بل كل ما في الأمر؛ أن هناك، وفي أزمنة غابرة، من أوعز إلى جدِّ هذا أوذاك، أنه هو الصحيح وما عداه باطل!
ومن هنا تقاتل الأحفاد دونما سؤال عما يتقاتلون!
ربما تنكر، وهذا حقك بالطبع، وتقول لي: إن الأمر غير ذلك، بل وتصدّر لي يقينًا وحدك تزعم امتلاكه، أن أولئك أوهؤلاء، هم الحق بعينه!
أرأيت؟!
لم تقل لي أين أنت بالضبط من الفريقين؟!
ولِمَ تستسهل الارتكان إلى الدعة والسكون فكريًا، بتبني أي من الموقفين؟!
ولماذا لا تسبح في المسافة الفاصلة بينهما؟!، ولا تريد التزحزح قيد خطوة، لا لشيء سوى أنك توارثت ذلك، وتظن أن مساءلة هذا التراث أو الإرث هو خيانة للجدود، وإهدار لحقهم الذي تظنه تاريخيًا في هذه الفكرة أو تلك البقعة من الزمان.
إن أردنا خطوة للأمام في مسيرة البشرية، فلنحارب حروبنا التي تخص لحظتنا، وأولها محاربة أنفسنا وما ورثته من جهالةٍ وركون إلى الماضي من باب الاستسهال، وبمنطق فاسد تؤسسه جملة نكوصية "ليس في الإمكان أبدع مما كان". ولا يتوقف الأمر عند حروبنا نيابة عن موتى، بل يتجاوز الأمر إلى الانهزامية التي تستر عوراتها بملابس قديمة؛ فنجد معظمنا يتباهى بذلك الماضي دون أن يصنع شيئًا؛ بل نعيش كأبناء باشوات أضاعوا ثرواتهم. وترى أحدهم يجلس على المقهي يضع ساقًا فوق ساق، وينظر إلى الجميع بتأففٍ، لكنك تشفق عليه، حين تنظر إلى ملابسه الرثة الممزقة، وأصبع قدمه الذي يبين من حذائه المتهالك، لكنه لا يكف عن الصياح أنا ابن باشا!
لندرك لحظتنا يا سادة، ونعرف أين نحن ممن حولنا، هذه هي الحرب الحقيقية، لا الحروب نيابة عن موتى وبأسمائهم، وتبعًا لأفكار لا تُقدِّم، بل صارت في ذمة التاريخ!
شكرا للصديق القاص هاني منسي وموقع بانوراما أدبية
ردحذفدام العطاؤ والتألق والإبداع يا صديقي
حذفنورت الدنيا كلها الصديق الجميل والمبدع الراقي يوسف وهيب
تحياتي وتقديري
نورت الدنيا كلها الصديق الجميل والمبدع الراقي يوسف وهيب
ردحذفإرسال تعليق