عبد الرحيم طايع يكتب: سيد إمام والمركز القومي للترجمة
عبد الرحيم طايع يكتب: سيد إمام والمركز القومي للترجمة |
أحزنني للغاية ما كتبه المترجم الرمز والناقد القدير والتنويري الرائد سيد إمام على صفحته بالفيسبوك منذ أيام قلائل؛ قال بالنص والحرف: لي كتابان في منتهى الأهمية مركونان في أدراج المركز القومي للترجمة منذ خمس سنوات، أحدهما هو "شعرية ما بعد الحداثة: الميتا رواية التأريخية" لليندا هاتشون، والآخر هو "براءة جذرية" حول الرواية الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، وهو أول كتاب يستهل به إيهاب حسن عمله النقدي بعد هجرته إلى أمريكا عام 46.
ثم ذيَّل الأستاذ الكبير ما كتبه عن كتابيه المتأخرين بسطر صغير، اختار له عاميتنا المصرية الحميمة، ذلك هو: يا رب يطلعوا قبل ما اموت... (انتهى)
لم أنم ليلتين كاملتين، بعد قراءة هذا البوست، اندهاشا مما يجري بساحتي الأدب والثقافة ببلادنا، وضمنه موضوع النشر طبعا، النشر الحكومي بالذات، وانشغالا على الصديق الكبير الذي بدا متألما بصورة واضحة وغاضبا بصورة مكتومة، ولا خير فينا إن لم نكن عند ألمه وإن لم نغضب لغضبه وإن لم نسأل المقصر في حقه، وهو من هو علما وعقلا ورفعة مكان وبساطة حال،
لماذا أنت مقصر في حق السيد الجليل المتواضع؟!
لا أعيد التعريف بالرجل لأنه غني عن التعريف، وقد كنت أحد الذين كتبوا عنه مرات عديدة من قبل، في صحف ومجلات ومواقع كبرى معتبرة، ومعلوماته وحواراته وكتبه متوفرة في الشبكة العنكبوتية على كل حال لمن أرادها كلها أو أراد بعضها، لكنني أشير إلى مبادرة تكريمه في الشهر الفائت كتكملة لصفحته الناصعة أو كتابه العبقري عندي؛ فقد اختاره "ملتقى الشارقة للتكريم الثقافي" في الرابع من أبريل للتكريم، الملتقى عبارة عن مبادرة أطلقها الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة لتكريم القمم الثقافية المؤثرة في عالمنا العربي، وقد كان الرجل ثري المعنى أول من بدأ بهم هذا التكريم الشاهق المشكور، حدث في حضور السيد محافظ البحيرة التي ينتمي إليها سيد إمام، ونخبة متميزة من مثقفي المحافظة الذين يدينون له بالفضل والمثقفين المصريين المحبين من شمال الوطن وجنوبه، معهم الدكاترة هيثم الحاج علي وعادل ضرغام ومحمد الضبع، ووسطهم النجم السينمائي البديع محمود حميدة الذي أصر على حضور التكريم, إذ علم به, وجمعته بسيد إمام مشاهدُ وصورٌ للتاريخ..
عبد الرحيم طايع يكتب: سيد إمام والمركز القومي للترجمة |
في أثناء هذا التكريم العربي الفخم ذائع الصيت؛ كان يمكن أن يستثمر الرجل الموقف، وينوه تنويها واضحا عن تقصير المركز في أمره، وتنتهي المشكلة في ساعتها، لكنه لم يفعل لترفعه عن الصغائر، وكان يمكن أن يقرر، ولو بينه وبين نفسه، أن يسحب العملين لاحقا لإخراجهما من دار نشر خاصة، لا سيما والدور تطلب اسمه وتتمناه، والتكريم الحاصل يعزز سيرته، لكنه لم يتخذ قرارا كهذا وفاء منه للمركز الذي تقدم له بالطرحين المهمين من البداية..
بعد هذا التكريم، كنا طيبين بشكل مبالغ فيه، وقلنا لعل من تجاهلوه، قبل سعي الآخرين إليه، سيندمون لأنهم أفلتوا فرصة تكريمه بواسطة بلده
أولا، وقد كنا نحب أن تكرمه مصر فعليا قبل غيرها، بغير تقليل من جهود إخوتنا العرب المحمودة، لكن برغبتنا في أن نجد بين مواطنينا من يثمِّنون قيمة الإبداع العبقري ويقدِّرون معاناة المبدعين الراسخين، وبدون تعصب أعمى للبلاد التي أنجبتنا ورعتنا، لكن بعشم الإنسان في جدران بيته وأهله الأقربين، والأكيد أنه كان يحب لنفسه ذلك طبعا منذ سنوات طوال، ولو كان جرى مثله فلم يكن موقع حينها أولى بهذا التكريم من المركز القومي للترجمة! نعم المركز نفسه الذي يعطل كتابي سيد إمام، منذ ثلاث سنوات ويزيد، ويضعه، بلا مبالاة، في خانتي الألم والغضب، ويدفع قلما جادا راصدا كقلمي دفعا،
باسم الانحياز إلى الإنصاف الغائب ومحو الظلم الحاضر، إلى الألم والغضب أنفسهما، مشاركا صديقي الكبير أساه، ومتمنيا أن يصوب المركز خطأه فورا، وقد لا يكون مقصودا، ويفرج عن الكتابين (المجازين بالمناسبة)، ويسارع بطبعهما ليوقعهما راضيا محتفلا، ونلتف حوله في الموعد سعداء مهنئين، وتستفيد بهما مكتباتنا المصرية التي تفتقر إلى مثلهما في مجالهما. لو كنا في دوائر واعية نبيهة لما كنا في حاجة إلى كل هذا الكلام مهلك الأعصاب، لكننا في دوائر أخرى، يجب محوها وتثبيت الأليق!
إرسال تعليق