الدرس الذى يجب أن نتعلمه من الشيخ سيد درويش
حسين عبد العزيزيكتب: الدرس الذى يجب أن نتعلمه من الشيخ سيد درويش |
كتب / حسين عبد العزيز
كان تمثال " نهضة مصر " لمحمود مختار قطعت صخر صماء .
نجح الفنان فى تحويلها
إلى عمل فنى متكلم ..فقد نجح الفن فى تحويل قطعة الصخر التى لا معنى لها أو قيمة إلى تحفة لا تقدر بمال ؟!
وأى قصيدة من تلك القصائد التى تدهش القارئ والمستمع لها .
ما هى إلا مجموعة كلمات يتعامل معها الإنسان الموهوب بفن فيحولها إلى كلمات مدهشة ، حيث يجد الكلمات تمر أمامه كما يمر سرب الحمام أو اليمام أو العصافير . وما عليه إلا ان يتعمل معها بفن وينظمها فى شكلا معين لتريح العين والاذن والفم كما المدرس فى طابور الصباح فى اى مدرسة او فى طابور الوحده العسكرية حيث يتم تنظم الجنود لتعطى الشكل الحسن والمطلوب . وايضا يجب أن نقول ولا ننسى أن الفتاة أو السيدة تذهب إلى الكوافير من اجل تحسين الشكل والصورة لكى تكون ما يرضى الذات أولا .
أنا أتحدث هنا عن الشعر بكل اشكاله ومعانيه.
وكذلك. الرواية والقصة القصيرة وكذلك الحان الشيخ سيد درويش الذى أخذ وجمع ألحانه من احتكاكه بالناس البسيطه قبل المرفهه .
ومن يتتبع عبقرية سيد درويش الذى نحتفل الآن بمرور مائة عام على مولده فيجد أنه إبن البيئة التى خرج منها فأنتج منها تلك الأعمال التى خلدت إسمه وجعلت منه نموذجا يتعلم منه . ويقاس علية كما ام كلثوم فى الغناء ونجيب محفوظ فى الرواية وتوفيق الحكيم فى المسرح .
والجميل والعظيم فى سيرة سيد درويش أنه لا ينتمى إلى أى مدرسة من المدارس أو أى كلية من الكليات أو أى حزب من الأحزاب ، غير مدرسة وكلية وحزب مصر هذا الوطن الذى يحتوينا جميعا ولا يفرق بيننا .
وأول درس فى منتج سيد درويش الذى يجب أن نتعلمه ، وهذا الدرس سوف نجده عند نجيب محفوظ وعند ام كلثوم وعند اى عظيم فى مجاله ،وهو أنه كان إبن اللحظه التى كان يبدع فيها وكان مخلصا لهذا الإبداع إذن الإخلاص هو ما يمنح للعمل الخلود من النحت إلى الكتابة إلى حتى العلاقات الإجتماعيه التى بين الناس .. الإخلاص هو الذى يطول فى عمرها ويجعلها تتحدى الأيام بكل ما فيها ، ومن هنا علاقات الزملاء فى الجيش حيث انها علاقات قائمه على الحب والاخلاص فعمرها طويل جدا
مداخلة ( أنا مازالت علاقتى بزملاء الجيش مستمره الى تلك اللحظه رغم أن خدمتى انتهيت فى اواخر عام ١٩٩٢ ، لكن الحب والاخلاص هو الذى يجمعنا الى تلك اللحظة نتواصل بالهاتف و الزيارات . وقد وضعت رواية عن تلك الفترة )
وإذا كان التفاعل بين اللغة والموسيقى محدودا أو غير واضح عند بعض الملحنين فقد كان قويا جدا عند سيد درويش الذى كان يريد أن تقول الموسيقى ما يقوله الكلام . أو أن ينطق الاثنان بمعنى واحد "١" و نلاحظ أولا أن الموضوع السياسى والاجتماعى يثأثر بمعظم ألحان سيد درويش ، وخاصة فى أعماله المسرحية التى تتمثل فيها أكبر نسبة من ألحانه وقد قمت اختبار للموضاعات فى ألحان سيد درويش المسرحية فوجدت أن مسرحياته واستعراضاته تحتوى على ٢٥٦ لحنا ، منها ١٦٨ لحنا تدور حول القضية الوطنية وحول قضايا المجتمع و الطوائف و الطبقات وتصوير حياتها والدفاع عن حقوقها . أى آن هذه الألحان الوطنية والإجتماعية تمثل حوالى ٦٤ من الحانه المسرحية كلها . هذة النسبة ترتفع جدا فى بعض أعماله ، ففى ١٢ مسرحية ، واستعراضا ، من بينها : ولو ، أش ، قولوا له ، كله من ده ، كلها يومين ، رن ، ولسه ، أم أرعبة و اربعين ، أحلاهم .
وو جدت ٦٣ لحنا منها ٥٣ لحنا تدور حول الموضوعات الوطنية والإجتماعية والنسبة هنا تبلغ حوالى ٨٠ / " ٢ "
ويبقى السؤال المهم لنا نحن الكتاب كيف عبرت موسيقى سيد درويش عن هذة الموضوعات . فنجد الدكتورة سهير عبد الفتاح تقول عن ذلك ( إن أول وسيلة استخدمها سيد درويش فى التعبير عن الموضوعات أنه نقل موسيقاه من المقهى إلى المسرح، وبالتالى تغيرت أشكال موسيقاه ، فبدلا من الدور و الموشح أصبح يلحن الاستعراضات والحوار والمواقف ويصور الشخصيات ، واصبحت الفرقة الموسيقية تؤدى ألحانه بدلا من التخت وزادت أهمية الكورس الذى أصبح يشارك المغنى الفرد مشاركة فعاله ، ولهذا تتميز ألحان سيد درويش عامة و منها الطقاطيق بأمكان أدائها عن طريق المجموعة ، أو عن طريق المغنى الفرد سواء بسواء ، كما نجد فى أداء فيروز مثلا الحلوه دى قامت تعجن و " زروني كل سنه مرة "
هذا الإنتقال من التخت الى المسرح ومن الاعتماد التام على المعنى الفرد إلى توزيع الاداء بينه وبين الكورس _ أدى من الناحية الفنية الى خروج سيد درويش على القواعد الضيقة الموروثة فى تركيب اللحن . هذه القواعد التى كانت تفرض على الملحن أن يبدأ اللحن بداية معينة وأن يسير فيه ويتنقل من مقام إلى مقام بحسب قانون ثابت إلى أن يصل إلى الختام ، ومن ذلك تلعب آلات التخت على اختلافها و المغنى و البطانة ، أدوارا محددة من قبل . لكن سيد درويش أعطى لنفسه الحرية فى التنقل القفز والتدفق مع احترام المقامات العربية ، وابتعد عن الزخرفة والبطء والرتابة، مما حقق للألحان التنوع والحركة ، ومكنه من تصوير الانفعالات والمواقف "٣"
هوامش
١ مقال التصوير والتعبير فى ألحان سيد درويش للدكتورة .
الهوامش /
"١" دكتورة سهير عبد الفتاح ، مجلة العربى العدد ٢٨٣ ديسمبر ١٩٨٢
٢/ المصدر السابق
٣ / المصدر السابق
إرسال تعليق