أحمد صبري أبو الفتوح يكتب: شاهدت فيلم أصحاب ولا أعز
شاهدت فيلم أصحاب ولا أعز وروعنى كل هذا الجهل والكيد والبجاحة التى يدار بها النقاش المجنون حول فيلم عادى جدا، بل وأقل من العادى إن شئنا الحقيقة، وحتى لا أستبق العرض بأحكام أحب أن أسرد عليكم قصة الفيلم:
منى زكى وإياد نصار زوجان يعيشان فى بلد آخر غير مصر، ربما تكون لبنان، من أول وهلة يبدو للمشاهد أن العلاقة بينهما ليست على ما يرام، وسنكتشف مع الوقت أن الزوجة ارتكبت حادثا وهى تقود السيارة فقتلت أحدا، وخشية على أبنائهما تطوع الزوج لأن يسلم نفسه للشرطة مدعيا أنه هو من كان يقود السيارة، ومن لحظة أن خرج الزوج من السجن لم يعودا إلى الحديث عن الأمر وجفت منابع الرغبة بينهما فلم يعد يقربها، ومن البداية نراها وهى تطهو ملوخية بالأرانب لتأخذها إلى مستضيفيهما، طبيب التجميل وزوجته الطبيبة النفسية، وإن كنا نراها تختلس بعضا من الويسكى من وراء زوجها فهذا لأننا نعلم أن ابتعاد زوجها عنها أصابها بألم نفسى كبير هى تسرف فى الشراب لتجتازه.
على الجانب الآخر نرى طبيب التجميل وزوجته وهما يعدان العشاء لضيوفهم القادمين، ونرى الزوجة وهى طبيبة نفسية وقد عثرت على واقى ذكرى فى حقيبة ابنتها فتأخذه لزوجها ليتصرف مع ابنته ويمنعها من هذا المسلك المشين، فيما الأب يستهجن أن تقوم الطبيبة بالتفتيش فى حقيبة ابنتها بدون علمها.
مع تقاطر الأصحاب نتعرف على زوجين شابين متحابين وعلى شاب جاء بمفرده وكان قد وعد أن تجىء معه صديقته ليتعرف أصدقاؤه عليها، ثم بدأ الأمر فى صورة مزحة: ماذا لو ترك الجميع هواتفهم على المنضدة وكلما جاء اتصال أو رسالة يفتحها صاحب الموبايل أمام الجميع، وهنا تبدأ الورطة.
سنعرف أن إياد نصار ستأتيه فى العاشرة مساء صورا عارية، وليس أمامه إنقاذا لنفسه أمام زوجته منى زكى إلا أن يبدل هاتفه مع هاتف الشاب الذى جاء بمفرده لأنها متماثلان، وبرغم عدم رضاء الشاب إلا أن إياد يستولى على هاتفه بالفعل فتجىء الصور وكأنها للشاب ويضحك الجميع، باعتبار أن الشاب بدأ الخلبصة مبكرا حتى من قبل أن تتمتن العلاقة بينه وبين صديقته التى لم تأت معه.
ثم تحدث الكارثة عندما يرن هاتف الشاب من رجل يسأل أين هو، وتسأل منى إياد عن الاسم فهى لا تعرفه، ويضطر للكذب، حتى نفاجأ بأن هذا المتصل هو رفيق الشاب الذى يمارس معه الشذوذ الجنسى فتصدم منى زكى فى زوجها، وعبثا يحاول إياد أن ينفى الأمر ولكنه لم يفلح.
ثم تتوالى الأحداث لنعرف أن الزوج المحب لزوجته تأتيه رسالة من جواهرجى عن قرط ثمين طلبه الزوج المحب فتتساءل زوجته عن سبب شرائه له، وهنا نكتشف أن هذا الزوج المحب هو عشيق الطبيبة النفسية المضيفة.
وتتعقد الأمور إلى أن تنفرج باعتراف الشاب الذى جاء بمفرده بأنه هو الشاذ، وتعرف منى زكى أن زوجها يخونها، وكذلك يعرف الطبيب أن زوجته الطبيبة تخونه، وعندما يصل الفيلم إلى هذه الذروة تبدأ الأمور فى الوضوح.
فالفيلم لا يدعو أبدا إلى أى نوع من أنواع الرذيلة، ولا يناقش أى مسألة أخلاقية، إنه ببساطة فيلم عن معنى الحياة المعاصرة، وكيف أنها تحت مجرى تيارها الهادر تخفى كما من الكذب والادعاء والزيف والأسرار وكلها كفيلة بأن تفسد تيار الحياة بأسرها، وكأن الفيلم يقول إن كثيرا من الأمور المخفية هذه لا يجب أن توقف تيار الحياة عن المضى فى طريقه، فينتهى الفيلم بمنى وهى تصاحب زوجها فى رحلة العودة إلى بيتهما، وكذلك الزوجين المحبين، والرجل الذى ينصح باصطحاب صديقته فى المرة المقبلة إكمالا للشكل الاجتماعى للذكورة، فيما يسأل الطبيب زوجته عما إذا كانت قد اشترت لنفسها قرطا جديد.
هذا هو الفيلم برمته، يدور فى قالب من الحوار لا ينتهى، وزمنه هو زمن الأحداث نفسها، وهو مسرحية أكثر منها فيلم، فالحدث يدور كله فى مكان واحد، وهو بيت صغير، والفيلم فقير جدا فى جمالياته، فليس فيه من جماليات السينما إلا النزر اليسير، وكذلك هو فيلم من الأفلام قليلة التكلفة، وهو مقتبس من فيلم إيطالى، وهذه النسخة العربية لم تناقش الشذوذ أو التهتك أو حتى السكر من قريب أو بعيد، كما لم تناقش أبدا مسألة الشذوذ الأنثوى التى يلهب بها المرضى أعصابهم بغير طائل.
إن أخطر ما تكشف عنه أزمة فيلم أصحاب ولا أعز هو أن مظاهر التسلف والتدين الكاذب تسيطر بشكل عجيب على الفضاء العام فى السوشيال ميديا بصورة تهدد بعودة مصر إلى ماقبل عصر التنوير، وأن البرلمان المصرى بغرفتيه فيه من الأعضاء من لا يرقى أبدا إلى حجم مسؤولية الجلوس تحت قبته، وهذه مصيبة أخرى تستحق أن نوليها عنايتنا.
إرسال تعليق