نقطة النور، بهاء طاهر، بقلم: سيد الوكيل




 نقطة النور، بهاء طاهر، بقلم: سيد الوكيل- بانوراما أدبية، فن كتابة القصة- فنون الكتابة- قصة قصيرة، شعر، رواية، مسرح، سينما، دراما، أفلام، أغاني، فنون، مقالات، دراسات، أقلام، كتب، كتاب.




سألني صديق، لماذا اخترت (الملتزم برفق) عنوانا لكتاب موقع صدى عن بهاء طاهر؟

قلت: كان بهاء طاهر شأن كل كتاب جيله، ملتزماً بقضايا واقعه، وهو التزام مؤسس على مفهوم ماركسي للواقعية بوصفها موقفاً أيديولوجياً ومسيساً، ومع ذلك فهذا الصوت السياسي الذي بدأ به، كان يخفت تدريجياً حتى وصل إلى نقطة النور التي طالما بحث عنها، وعلى نحو خاص في مجموعة قصص (أنا الملك جئت) عندما وصل بطلها إلى نهاية عدمية، لولا ظهور راعي الغنم الذي أنقذ حياته بجرعة من لبن الماعز ليبدو رمزاً معادلاً لليسوع المخلِص.






 بقلم: سيد الوكيل


بهاء طاهر الإنسان

  عند بهاء طاهر، الصوت الإنساني هو الصوت الأكثر حضوراً،برغم طغيان الهم السياسي على الوعي الذي يتحرك وراء أعماله، ولقد زاد الهم السياسي في مرحلة متوسطة من إنتاجه ،تبدأ بـ (شرق النخيل )،وتصل ذروتها في ( الحب في المنفى )،وبعد هذه الرواية يبدأ بهاء مرحلة جديدة ، فيها من الزهد والعزوف عن الحلم باليوتوبيات المصنوعة سياسياً،التي لم تتحقق يوماً على أرض الواقع،وربما هذه المفارقة بين الحلم والواقع،هي ما دفعت بهاء في إنتاجه التالي للحب في المنفى إلى البحث عن تصور مختلف للواقع،دون أن يتخلى عن تلك الروح الإنسانية التي كانت قد توارت قليلاً تحت واقع سياسي مخيب للآمال ومحبط..

 ثنائية الحلم والواقع عند بهاء طاهر


يضيف بهاء إلى ثنائية الحلم والواقع بعداً ثالثاً هو الإيمان ،ليؤكد على النزعة الدينية التي تشرب بها الوعي القومي العربي بدءاً من السبعينات، وتجلت بظهور أجيال من الشباب المثقفين تستبدل الحلم السياسي بالحلم الديني، وتعول عليه كباعث للقومية العربية التي فشل السياسيون في تحقيقها ،فالشخصيات اليسارية والعلمانية التي رأيناها في شرق النخيل مثلاً لا نجد ظلاً لها في روايته الأخيرة (نقطة النور ) صحيح أن شخصياته الأولى تنتمي اجتماعياُ إلى نفس الطبقة الوسطى والمهمشة التي تنتمي إليها شخصيات (نقطة النور) وكلاهما يحمل داخلة نبوءة بالخلاص،ورغبة ملحة في البحث عن عالم أفضل،غير أن وسائلهما في ذلك تختلف، فالشخصيات الأولى كانت دائماً تعتمد على الإرادة الإنسانية الحرة المستقلة عن أي بعد (ميتافيزيقي) أما في رواية نقطة النور فنحن أمام شخصيات مشغولة طوال الوقت بسؤالها الخاص، النفسي والروحي، تذكرنا بشخصيات نجيب محفوظ في ( الشحاذ) مثلاً،ولا يمكنها تحقيق خلاصها بدون المدد الإلهي.

بهاء طاهر، نقطة النور


إن الحتمية التاريخية والاجتماعية التي رأيناها تلوح من قبل في أعمال مثل (قالت ضحا) أو (شرق النخيل) أو (أنا الملك جئت) لم تخل أبداً من أسئلة مصيرية تتعلق بالجانب (الميتافيزيقى)، ولكنها الآن ، في نقطة النور يصبح الجانب الديني هو الشاغل الأكثر حضوراً لكل الشخصيات, وكأنه الجوهر الذي علينا الإمساك به إذا أردنا إدراكا ًحقيقياً وبصيرة ثاقبة،أو هو نقطة النور وسط ظلام دامس، نقطة نور جزئية وصغيرة، ولكنها كافية لتحدد موقعنا وتكشف عن حقيقة ذواتنا.

وفى هذه الرواية (نقطة النور) يبدو الحب هو الغاية التي تتحرك إليها جميع الشخصيات،إنه حب منزه وصاف، حب يشبه الزهد والفناء في ذات المحبوب، ويظهر هذا الملمح بقوة لدى شخصية الجد الأكبر (الباش كاتب).

يقول أبو خطوة أحد الصالحين معلماً الجد الذي هو رمز للأصالة والحكمة (الحب هو أن تريد ألا تريد) وبهذا المعنى يحتاج الحب لمجاهدة النفس، مع يقين تام أن النور الذي نتوق إليه لن يكون إلا بجهاد قاس، وإيمان راسخ، ومن ثم تتحقق المعادلة الصعبة بين الإرادة الإنسانية وإرادة الله.

التصالح مع النفس عند بهاء طاهر

سنجد في الرواية دعوة للتصالح مع أنفسنا، ومع قيم أنكرناها وهجرناها طويلاً في غمار يقيننا المطلق في الحل الأيديولوجي، قيم دينية وروحية وأخلاقية هي نقطة النور الباقية، وهى قيمة الأمل الحقيقي في إعادة بناء الذات.

اللايقين وعبثية الواقع عند بهاء طاهر

سنجد دعوة مضادة لما هو سائد من كتابات تصدر عن اللا يقين، وتروج لعبثية الواقع ولا جدوى المقاومة، ومن ثم فإن رواية نقطة النور هي رواية مقاومة بالدرجة الأول ،وهذا هو الخيط الذي يمتد في كل أعمال بهاء مشدوداً بقوة،سنجد ـ مثلاً ـ أن سالم الحفيد يقاوم شرك الجسدانية الشهوانية، ويعبر محنته إلى يقين الحب مدعوماً بتوجيهات ورعاية الجد،كما أن الجد نفسه وهو الشخصية المحورية التي تنمو ويتطور وعيها بالعالم عبر رحلة مجهدة،تصفو روحه وتتخلص من مؤرقات الدنيا لتصل إلى نوع من السلام النفسي النادر، لا يتحقق إلا لأولياء الله الصالحين من أمثال مرشدة (أبو خطوة )ولكنها رغم ذلك لم تتخل عن بشريتها،ولم تكف عن ممارسه حياتها اليومية كأي من البشر العاديين،وكأنه يقدمً دليلاً على عدم وجود تناقض بين طلب الدين وطلب الدنيا، وإمكانية وجود الإنسان المتعادل والمتصالح مع ذاته.

رواية نقطة النور


إن رواية نقطة النور ن تتحرك ضد المفاهيم النفعية والمادية التي سادت الوعي المعاصر وأرقت الإنسان الحديث وزعزعت يقينه في القيم الروحية والدينية،لتبدو لنا رواية نبوءة وبشارة ، تتجاوز الروح الانهزامية التي سادت الرواية العربية لدى أجيال كاملة أدخلتها نكسة 67 في نفق مظلم ولم تخرج منه.

هكذا بدأت رحلة بهاء الأدبية بالتزام مؤدلج حتى انتهى إلى وعي وجودي، يضع الإنسان في أبعاده المركبة في بؤرة السرد بدلا من الواقع.

Post a Comment

أحدث أقدم