إشارة مرور حمراء 

قصة: سمير لوبه


سمير لوبه



إشارة مرور حمراء 

مع نهايات الخريف تعيث الرياح في الآفاق ؛ تلقي بأوراقها الأشجار ، تبلل دموع الغيم الطرقات  في مدينته الساحلية التي كانت مثل اللوحات الفنية كلما نظر إليها تزداد جمالا في كل مرة  فتحمل لوجدانه سيمفونية عشق  ، على شطآن الذكريات لا يخط سوى اسمها على الرمال  فتمحوه الأمواج  وما بيديه حيلة ، كلما أبعدته الأسفار وجدها في أنفاسه ؛ تشعل نيران وجدانه  ، وفيما كان يشق " نديم " بسيارته دروب مدينة العتيقة  ؛  يفتش بين البقايا منه عنها . تائه في الشوارع والميادين . يهيم وجدانه مع طيور النورس . تمنعه جدران الحنين بلوغ طريق النسيان ، وفي أثناء العبور نحو ذاته يتسلل من نفسه إليها لتروي عينيه . من قوارير العطر الخاوية يستجدي عطر أنفاسها . تبكيه أشواقه لمدينة فاضت روحها حين فقدت ألوانها  . وإذ فجأة يباغته ضوء إشارة المرور الأحمر ؛ يتوقف بينما تمر غيمة داكنة ؛ يتوارى خلفها نور السماء ، تهب الرياح تهز الأغصان بعنف ؛ تبعثر العصافير ،  وفي الضوء الأحمر تغوص عيناه ، تغفو سيجارته بين شفتيه ، يمتطي ظهر الخيال ؛ أحلامه لا تسعها المسافات ، يعدو في مروج ذكرياته طفلا يلهو تحت زخات المطر ، على الكورنيش يفوح عطرها ينعش روحه ؛ فيهرول فوق غيمات الشتاء يغني على ألحان الصبا  . يأتي غروب ترحل فيه الشمس ،  يعقبه مساء يعانق القمر فيه السماء ، وعندما انتبه لدقات زمان شاخ  ؛ يبكيها بعد أن تبدلت الأحوال ...  لكن تظل هي لحنه الوحيد  لم يعشق سواها  . 

مواء هرة مبتلة انزوت للرصيف ترتعد ؛ تنتشله من بحر الذكريات ، يلقي أرضا  بكمامته الزرقاء ، يسلم ناظريه إلى السماء .  ينبعث صخب آلات التنبيه ضجيجا يدق أبواب مسامعه يوقظه على صراخ  : 

- يا رجل .. الإشارة خضراء .


بقلم سمير لوبه 

6 / 9 / 2023

Post a Comment

أحدث أقدم