الزيارة الأخيرة
قصة قصيرة
سمير عبد العزيز
وقفت أمام شقتها مباشرة وطرقت بابها عدة طرقات خفيفة ومتتالية... مضت برهة من الوقت ولم تفتح الباب كررت الطرق وكان صوته على الباب واضحا ولم أتلق ردا أيضا..
ضغط على زر جرس الباب وأصدر صوتا انتظرت أن تفتح الباب ولكن دون جدوى.. تساءلت في عقلي: ربما تكون خرجت لتبتاع شيئا؟ أو تزور إحدى جاراتها؟ عندما هممت بالرحيل توقفت فجأة على صوت صادر من الداخل يقول في وهن شديد: يا من تطرق الباب.. الباب مفتوح أدفعه فأنا غير قادرة على الحركة..
دفعت الباب ودلفت بداخل الشقة.. كانت الإضاءة خافتة رأيتها راقدة على أرضية الصالة على جانبها الأيمن وتحتها مرتبة قديمة ومتدثرة ببطانية متهالكة.. كانت الصالة خالية من قطع الأثاث تقريبا... على الوسادة وضعت هاتفها المحمول وبجوارها زجاجة مياه وهرتين.. كانت قد شرعت في تربية الهررة بعد أن اعتراها اليأس من عدم الإنجاب فوجدت في تربيتها لها من يؤانس وحدتها ولا سيما بعد أن طلقها زوجها منذ ثلاثة عقود وتركها تتجرع الأم الوحدة وشظف العيش بدت شاحبة وهزيلة.. تبددت ملامحها وبدت عجوز مسنه غزت التجاعيد وجهها.. ما أن رأتني حتى انخرطت في البكاء وقالت وهي تبكي: أخيرا تذكرتني فأنا لم أرك منذ أن رحلت أمك من عشر سنوات إلا مرة أو مرتين وكنت دائما في عجلة من أمرك هانت عليك العشرة والجيرة؟
هالني منظرها وتغرغرت عيناي وقلت لها والكلام تحشرج في حلقي: منذ متى وأنت على هذه الحالة.. قالت وهى تبكي: منذ فترة ليست بالقصيرة.. قدماي متورمتان وأشعر وكأن موقد فى باطنيهما لاينطفئ أبدا وأستطردت وهى لا زالت تبكي: كل ما أرجوه أن أعود كسابق عهدي وأنهض من رقدتي وأستطيع أن أتحرك.
على كرسي كان موجودا في الصاله مسحت ما علق به من أتربة وجلست عليه وقلت لها: هل ذهب بك أحد من الجيران الى المشفى أو الى الطبيب؟ هل عرفت شقيقتك التى تقيم بالأسكندرية عن حالتك؟ أجابتني وهى تمسح بيدها دموعها: جارتي أم فاطمه فهى لاتتركني وتقوم على رعايتي.. فأنت تعرفها.. أخذتني الى المشفى وهناك فحصوني وأجروا لى التحاليل وأعطوني العلاج ومن وقتها وأنا أتناوله دون فائدة، وسيدة- تقصد شقيقتها- رحلت منذ عامين أو أكثر.
تنهدت ونهضت من على الكرسي وأطرقت رأسي في حزن.. تذكرت شقيقتها عندما كانت تزورها وتذكرت جاراتها عندما كن يجتمعن كل ليلة فى شقتها يتسامرن.. أنني أتذكر تلك اللحظات فهى لاتزال منقوشه في ذاكرتي ومخيلتي .. ودعتها والدموع تنهمر من عيني، وغادرت المكان وأنا لا أكاد أرى أمامي .. بعد زيارتى لها بأيام قليلة ورد الى خبر .
دام العطاء والتألق يا مبدع سمير عبد العزيز
ردحذفإرسال تعليق