حسين عبد العزيز يتساءل: لماذا ترك مأمون الشناوى الفصحى من أجل العامية؟!
إننا يجب لكى نفهم تلك القضية أو الموضوع أو العلاقة بين العامية والفصحة يجب علينا أولا وقبل كل شئ أن ننظر الى تلك القضية من زاوية بعيده بعض الشئ ، حتى تتضح لنا الغاية من الإبداع بالعامية أو بالفصحى فى المجمل العامة ، حتى لا يتحول الأبداع الى إبداع والسلام يا عبد السلام !
انها المتعة ولا شئ غير المتعة المرجوه من اى شئ نقوم به فى حياتنا ، وهنا يجب أن نركز عليها لاننا شعب محب للحزن بكل انواعة والتراث الشعبى فى تلك النقطة كبير و مخيف ، لكنى لن اقف عند مصادر الحزن فى حياة الإنسان المصرى على مر تاريخه الطويل ، ويكفى أن اشير الى انه عندما يجد الواحد منا نفسه يضحك لسبب ما حتى يجد نفسه يقول لنفسه " خير الهم اجعله خير " وهذا يعنى أن اى ضحك لبد أن يعقبه حزن او كارثه ينتج عنها حزنا .
ومن هنا لبد أن نتفق على
أن الغاية من شعر العامية هى نفسها الغاية من شعر الفصحى ، و هى نفسها من الرواية و القصة القصيرة و المسرحية و اللوحة التشكيلة .
هى مقدار المتعة الممنوحه للمتلقى من خلال النص الذى يقرأ فيه .
وبما أننا ذكرنا اللوحة التشكيلة ، فيجب ان نبدأ منها ، حيث أنه لكى نتعاطى مع اللوحة التشكيلة ، يجب ان نتعامل معها بفن اى نتعلم كيف نقرأ اللوحة التى هى أكثر وأكبر من مجموعة خطوط متتدخله فى بعضها البعض والقصيدة ماهى إلا مجموعة كلمات نظمت بالشكل الذى يريح الشاعر ليقدم لنا فى النهاية مجموعة أبيات من خلال اللغه والبناء والفكرة التى تسيطر عليه ، و على القارئ لها الذى ما أن يستحسنها حتى يتغنى بها ويحفظ منها أبيات أو كلها لو أمكنه
وكذلك الرواية والقصية القصيرة والمسرحية .
نعم ينطبق هذا على جميع أنواع الإبداع . إن طريقة قرأته اللوحة ، والنظر اليها والغوص داخلها اى تعدى النظرة الأولى الى ما وراء المنظر بالضبط كما ننظر الى الشمس لحظة الغروب ونحن نعيش فى سحر تلك اللوحة ، الربانية ،فيتولد داخلنا هدوء نفسى لا يقدر ، هذا الهدوء النفسى هو الذى يوجده النظر الى اللوحه وكذلك اى عمل فنى عندما نتعامل معه بطريقة أفضل وأحسن من تلك الطريقة المتبعة فى شراء الفاكهة والخضار ، أى أخذ "وش القفص " والذى ينجح فى قرأتها سوف ينجح فى قرأت كل أنواع الإبداع .
والسؤال الان كيف
كيف نتذوق اللوحة؟!
هو ان نقف امامها ونركز النظر اليها وننسى كل العالم المحيط بنا وأن يكون كل تركيزنا فى تلك اللوحة المكونه من خطوط وألوان .
هنا وبعد هذا التركيز سوف سوف نكتشف عظمة وقيمة الفن التشكيلى ، ونحن بعد ذلك سوف نقدر على أن نتعطى مع كل انواع الفنون والجمال الذى نقابلة فى حياتنا
. وهنا يجب أن نتذكر كيف أن الفن بجميع أنواعه السينمائى والمسرحى سخر من الفن التشكيلى فنحن لا يمكن ان ننسى بطل مسرحية المتزوجون وهو يسخر من بورتيه مرسوم لشخصا ما ومعلق على الحائط الموجود فى المسرح ، وايضا لدينا عادل امام وهو يسخر فى أحد أفلامه عندما توجه الى معرض فنى بالصدفة فسخر من اللوحات المرسومه ، وفى المقابل لدينا فيلم الرجل الذى فقد ظله وكان به دور فنان تشيكلى شكله وسلوكه ورسامته تدعو الى الشفقة وهذا كله كلام غير صحيح بالمره عن الفن التشكيلى الذى يعد البوابة الذهبية للعبور الى جميع الفنون
- ونحن سوف نقف عند الشاعر مأمون الشناوى
الذى ابدع فى تقديم لوحات تشكليه عالية القيمة والإبداع .
لكن فى الأول لبد أن نلقى نظرة عن قرب على مأمون الشناوى .
عندما يكون الشاعر مثقفا ؟!
لماذا ترك مأمون الشناوي اللغة الفصحى وابدع بالعامية
فى البداية لبد أن نذكر مقولة مهمه جدا للشاعر والأديب الألمانى جوته وهى ( كن رجلا ولا تتبع خطواتى )
ابدأ بتلك المقوله حتى لا يفكر احدا فى ان يقلد مأمون الشناوى .. أو أى احدا آخر من المشاهير
أقول هذا لان بداية الشناوى كانت فى احد الأيام التى زوغ فيها من المدرسة واخذ يضيع الوقت فى محيط المدرسة واثناء ذلك و جد رجلا يبيع كتب قديمه فأخذ يتصفح عناوين
تلك الكتب ، التى وجد بينها كتاب عنوانه لفت نظره فأخذ الكتاب بعد ان دفع ثمنه وكان اسمه " الاجنحة المتكسره لجبران خليل جبران " فقرأ الكتاب الذى منحه متعة لا تقدر بالنسبة له ..
وفجأة وجد نفسه يحب بنت الجيران وهو فى نهايات العقد الثانى ولا يدرى كيف يخبرها ولا يدرى كيف يوصلها رسائل حبه لأنه فى تلك الأيام لا يوجد نت أو فيس أو واتساب أو حتى هاتف من خلاله يمكن يحدثها ، وقد هاده تفكيره أن يكتب لها أغنية ، بعد ان علم وعلم الحي كله أن أباها أشترى راديو ومن هنا كان الحل فى أن يكتب لها أغنية أو أعانى و يجب ان تكون بالعامية حتى تفهمها الفتاة وهو الذى كان ينظم شعره بالفصحة حيث كان ينشر انتاجه فى مجلة أبولو .
وكان صديقه المطرب محمد صدقى الذى أخذ كلمات الاغنية الى الاذاعة واجيزت و تم غنائها ،واستلم مأمون ٢ جنية ثمن الاغنية التى اشتهرت بصورة كبيرة وكان اسمها ( تكره تحب ما فيش فايدة ماراحت النار القيده )
وتوالت الأغنيات واشتغل مأمون الشناوى مع احسان عبد القدوس فى مجلة روزاليوسف فى القسم الفنى وأصبح إسمه يتردد كصحفى وكشاعر غنائى ..
ولما تعثرت المجلة اشتغل مع على أمين فى مجلة آخر ساعة التاعبة لاخبار اليوم ، وكان رئيس التحرير وامير الصحافة المصرية والعربية " محمد التابعى حيث انه من مواليد نوسا البحر ، المنصورة.
وفى أحد الايام قال له زميل صحفى ان المطرب محمد عبد الوهاب ، يريده بسبب الاغنيات التى تغنى بها محمد صدقى ويحفظها الناس .
فطار اليه سعيدا حالما فى استوديو مصر حيث كان يصور عبد الوهاب فيلم" يوم سعيد " وقال له عبد الوهاب انه يحب اغنياته التى يغنيها محمد صادق ويريد كلمات للحن وضعه ، وسمعه اللحن على العود واسرع مأمون الشناوى الى بيته وعاد فى اليوم الثانى ومعه الكلمات ( انت وعزولى وزمانى / حرام عليك دبلت زهور الأمانى
بين ايدك ، تجرحنى ليه ، وانا كلى جراح . مسيرى يوم انساك وارتاح )
وبهذا نرى ونعرف ان العمل الصحفى يفتح الأبواب لمن لديه الموهبه ولديه الإستعداد فى ان يستفيد من الفرصة عندما تأتيه ، ولا يجعلها تفوت منه تحت اى دعاوى لا تفيد المبدع فى ذاته
ولو أننا حاولنا أن نرسم له بورتيه من خلال خطوط بسيطه والوان كثيره .
فسوف نجد الاعتزاز بما ابدعة ويبدعه . وتنوع ابداعه وتنوع من تعامل معهم .. والأهم من ذلك المحافظة على عمله الرسمى فى الصحافة حيث كان يعمل محررا فنيا ، وشارك فى تحرير جريدة اخبار اليوم وكان ينشر فى مجلة ابولو..وهو هنا بعكس الكثير من الشعراء اللذين ما أن ينشر لهم قصيدة أو ديوان حتى يستغنى عن عمله الحكومى أو الخاص ، واقرب مثل لذلك الشاعر احمد فتحى الذى قدم وابدع قصيدة " قصة الأمس " لام كلثوم وما قدمه لعبد الوهاب من اغنيات لكن حياته لم يكتب لها الاستقرار .
ورغم ان مأمون الشناوى كان يبدع قصيدة الفصحى وينشرها فى اكبر مكان للنشر وقتها ، وهو مجلة " ابولو " ورغم ذلك كان يكتب بالعامية ولكنها عاميه ممزجة بالفصحى وليست عامية لهجة لا تقرأ الا بصعوبه . وثقافته وقضيته هى التى جعلته يبدع هذا النوع من الشعر ما بين الفصحى والعامية . اى لم يكتب شعر باللهجه المصرية وانما كتب بالعامية
والآن نأخذ نماذج من إبداع الشاعر
أنساك
ده كلام أنساك ياسلام
أهو ده اللى ممش ممكن ابدا ولا افكر فيه ابدا
ده مستحيل قلبى يميل ويحب غيرك أبدا أبدا
هو ده اللى مش ممكن ابدا ...
ونفهم من هذا الاعتراف الصريح بالحب والغرام وانه لا يمكن لها ان تستغنى عن هذا الحب او الغرام ، والذى يشبه الغرامه لكنها تحب تلك الغرامه ..ونحن هنا نجد اللغة والكلمات والمعانى التى قدمت لنا اغنية من الصعب عدم التركيز فى كلماتها ومعانيها وما تحتويه من فلسفة الرضى والتراضى التى تتحلى بها رغم ما وقع بينهما من خصام يوجد فى كل البيوت المصرية ، لكن لبد من رفع لغة التسامح بيننا لكى تمضى بنا الحياة الى الامام ونستمتع بها
وقد فهمت ام كلثوم مأمون الشناوى من خلال تجربة قصيدة الربيع التى قدمت شهرة عريضة لفريد الاطرش الذى غنها بعد ان طلبت تعديل بعض الكلمات فرفض مأمون ذلك اعتزازا ابداعه وتلك حكايةمعروفه ومفهومه .كما نعلم جميعا
كل ليلة وكل يوم
نجاح اغنية انساك وضع مأمون الشناوى فى اختبار قاصى فيما سوف يقدمه للست بعد ذلك ، حيث لبد ان يكون على نفس المستوى او اعلى منه .
ومن هنا ابدع أغنية كل ليلة وكل يوم والتى من حسن الحظ توجد على هاتفى من زمن بعيد لانى احب الاستماع اليها ، لما ما بها من حلاوه ومتعه فى اللحن والاداء والكلمات .. والاغنية قائمة أو مبنية على تسائل من المحبة الى المحب الغير معنى أو مهتم بالحب واخذت الدنيا فى دوربها ومودنها ودولها وهى مازلت على نفس الحب ونفس الاصرار علية لانها وجدت فيه ماهيتها وان وجد الشخص منا ماهيته فى شيئا ما فأنه لا يستغنى عنه ابدا فنجدها تقول له /
كل ليلة وكل يوم اسهر لبكره فى انتظارك يا حبيبى
فكرى طول الليل فى ليلك والنهار كله فهارك يا حبيبى
يا ترى يا وحشنى بتفكر فى مين عامل ايه الشوق معاك
عامل ايه فيك الحنين
يا ترى يا حبيبى وحشنى بتفكر فى مين
عامل ايه الشوق معك عامل ايه فيك الحنين
سهرت السهر فى عنيا
صحت المواجع فيا
كل ساعه كل ليلة كل يوم اطمن عليك هيجلى نوم ياحبى
وهكذا تمضى فى عرض مشكلتها مع حبها وحبيبها واخلاصها له ، رغم عدم درايتها هو بيفكر فى مين ..لأن الحب تحول لديها الى ماهيه تجد من خلالها ذاتها وحياتها
والكلمات والحن والادء هذا الهرم الثلاثى الأركان اوصلا المستمع الى حالة من المتعة والتى هى غاية اى فعل نقوم به فى تلك الدنيا
بعيد عنك حياتى عذاب
وهذا الهرم نجد يتجلى ايضا فى بعيد عنك حياتى عذاب . وهى تكمل اغنية كل ليلة وكل يوم التى كانت تبحث فيها عن الحبيب الذى هو ماهيتها ، وقد تجلى ذلك فى تلك الاغنية التى فيها تأنيب للمحب الانانى الذى تركها ذهب بعيدا الى اين هى لا تدرى لذا تقول له بخاف عليك وبخاف تنسانى
والشوق اليك على طول صحانى
غلبنى الشوق وغلبنى
وليل البعد دوبنى
ومهما البعد حيرنى
ومهما السهد سهرنى
لا طول بعدك يغيرنى
ولا الأيام بتبعدتى بعيد عنك
قمة الصوفيه فى نظم الكلمات التى يبدعا الشاعر الذى هنا لا يألف وانما ينظم كلمات كما العقد اللولى ، لذا فكلمات توجد المتعة للمستمع
دارت الايام تلك الاغنية وضع لحنها عبد الوهاب وسوف نجد فى تلك الأغنية القيمة الكبرى لفلسفة الشاعر مأمون الشناوى . والقائمة على الصوفية بمعناها الشامل والواضح والذى يتجلى فى اعلى مراحله وهى التسامح ، فنجدها تقول / وقابلته نسيت انى خصمته
ونسيت الليل اللى سهرته
وقابلته نسيت انى خصمته
ونسيت عذاب قلبى وحيرته
ما اعرفش إزاى أنا كلمته
وهذا هو ما ينقصنا فى المجتمع المصرى الا وهو التسامح
شكرا مأمون الشناوى على كل هذا الحب والصفاء الروحى الذى وضعته فى كلماتك .
إرسال تعليق