سمية سليمان تكتب: حواري مع الدكتورة ميرفت ناصر ٢٠١٨
مؤسسة قرية هرموبولس التراثية بالمنيا
بانوراما أدبية-سمية سليمان تكتب: حواري مع الدكتورة ميرفت ناصر ٢٠١٨-مؤسسة قرية هرموبولس التراثية بالمنيا -سيرة ذاتية-شعر-فن-الكتابة الإبداعية-قصة-رواية-نثر-سرد-أغاني-سينما-دراما
منذ أكثر من أربعين عاما، وفى العام الأول من وصولى الى أنجلترا من أجل أستكمال دراستى الطبيه جمعنى لقاء عابر مع طفل أنجليزى لكى يرينى نفسى بصوره لم أرها من قبل ..سألته سؤالا تقليديا كثيرا ما يسأله الكبار للصغار – ماذا يريد أن يكون عندما يكبر؟ وكانت أجابته غير تقليديه أو على الأقل تختلف عن أى أجابه من الممكن أن أتوقعها من طفل فى ذلك الوقت فقد قال لى أنه يريد أن يكون عالم مصريات ولم يكن فى حاجه بعد ذلك الى تشجيع منى ليسرد لى كل ما يعرفه عن تلك الحضاره.
شعرت وقتها بألم عميق نابع عن تلك الفجوه المعرفيه بين ما أعرفه أنا عن هذاالتاريخ وبين ما يعرفه هذا الطفل الأنجليزى الذى لا يتجاوز عمره السابعه ، فلقد بدا لى وكأنه يعرف أسرارا عن أهلى لا أعرفها وأحسست تباعا أن هذا الطفل وربما كل أفراد الجنس الذى ينتمى اليه له الحق فى أن يشعر بتفوقه على وعلى أبناء جنسى فهو ببساطه يملك المعرفه.
وهذا الموقف جعلنى أدرس علم المصريات وكان مدخلى له تاريخ الطب وكانت شخصيه "أيمحوتب" المحرك الأكبر فهو المعمارى العظيم الذى بنى أول الأهرام "سقاره" وأول طبيب فى التاريخ الذى وصف بأنه "من يأتى فى سلام ليخفف آلام المصريين" وفى أول فرصه أتيحت لى بدآت مشروعى فى الكتابه عن تلك الحضاره الراقيه وكان الطفل فى مقدمه أهتماماتى وبالفعل صدر لى موسوعه مصوره من أربعين جزءعن تاريخ مصر القديم باللغه العربيه ( 1997-2001) تتناول هذا التاريخ بأسلوب جديد يسلط الضوء على جماليات هذه الحضاره وقيمها الرفيعه والدور الذى لعبته فى اتراء التاريخ الأنسانى.
وتبع هذه الموسوعه عدد آخر من الكتب موجهه أيضا للقارىء الصغير وأيضا كتب فلسفيه للقارىء الكبير مثل " لماذا فقد حورس عينه- قراءه جديده فى الفكر المصرى الفديم" الذى صدر فى 2004.
وبالرغم من أن تلك الكتب لاقت نجاحا الا أنها لم تدخل فى السياق التعليمى ولم يكن لها تأثيرا كبيرا يشكل وعيا جديدا ومعرفه حقيقيه من الممكن لها أن تحدث تغييرا ثقافي تنويرى حقيقى يناهض مناخ الجهل السائد.
ومن هنا كان الحلم بتأسيس مدينه معرفيه تحيى هذا التراث الأنسانى وتشارك بشكل ملموس فى مسيره التنميه ولهذا وقع أختيارى على هرموبلس القديمه وهى مدينه معرفيه قديمه فى وسط مصر ( المنيا -الصعيد الأوسط)،
فمن المذهل أن المصرى القديم كان معنيا بتكوين مدن تهدف فى الأساس الى صناعه الفكر يلجأ لها طالبى العلم والفلاسفه من أجل التفكر والقراءه والكتابه ومن تلك المدن " هليوبولس" – عين شمس و"هرموبولس " أو الأشمونين وغيرهما ومن الطريف أن نجد فى الأدب المصرى القديم من يقول " ليتك يا تحوت تأخذنى الى مدينتك فى الأشمونين وتدخلنى معبد الصدق .. أننى للعلم عطشان كالباحث عن الماء فى الصحراء".
ولقد سميت "الأشمونين" بمسمى "هرموبولس" فى العصر اليونانى نسبه الى "هرمس" المرادف لشخص " تحوت/ جحوتى"مخترع الأبجديه وسيد الكتابه وحامى المفكرين والفلاسفه.
والأسم القديم لهرموبلس هو " الأشمونين" المستمد من كلمه "شمنو" و " خمنو" التى تعنى "مدينه الثمانيه" التى تتمثل فى عناصر الطبيعه الأربع المعروفه– الماء والهواء والنار والتراب ولكن فى صورها الأنثويه والذكريه التى من خلال تزاوجهما ولدت الهارمونيه والتناغم والتوازن فى الوجود.
هذا غير أن تلك المدينه أنتجت فكرا فلسفيا هاما لعب دورا هاما فى مسيره الفكر الأنسانى من عصر النهضه الى يومنا هذا ويشهد العالم كله دعوه لأحياء هذه الفلسفه فى وقتنا هذا حيث أنه تدعو للوفاق والتعايش بين البشر بغص النظر عن خلفياتهم العرقيه والعقائديه و أيضا الدور الذى يمكن ان يلعبه الفرد من خلال الأبداع فى صنع عالم أفضل – أكثر جمالا وأنسانيه.
وبدأت رحلتى فى تأسيس هرموبولس الجديده فى 2004 بعد أن أتخذت قرار بأن تراث هذه المنطقه يحمل فى طياته كل الأسس والمبادىء التى أحلم أن تبنى عليها المدينه الجديده،
والجدير بالذكر أن هذا المكان لايبعد عن مدينه " أخناتون" ( تل العمارنة) التي كانت عاصمة لمصر في مرحله هامه في التاريخ القديم شهدت فيه البلاد تغيرا و حركه فكريه وفنيه كبيره وهو قريب أيضا من مقابر أسر الدولة الوسطى في بني حسن التى تملك خصوصية متميزة بجدارياتها الفنية رفيعة المستوى وموقعها الجغرافي الرائع هذا غير أن هذه المنطقة أيضا ذات تراث قبطي هام وهى بالفعل مدرجه على الطريق السياحى للعائله المقدسه .
و على الرغم من كل هذا الثراء التاريخي الذي تتميز به هذه المنطقة الا أنه لا يمكن بسهوله لأي مهتم بالأمر زيارة تلك الأمكنه واستشعار عظمتها الفكرية والروحية بل أن محافظه المنيا بأسرها ظلمت كثيرا سياحيا خاصة في الآونة الأخيرة مما كان لهذا الأمر أبلغ الأثر على المناخ الثقافى والأقتصادى للمنطقة الذى جعل منها تربه صالحه لنمو التطرف الدينى والنزاعات الطائفيه.
ومع ذلك كنت ومازلت مقتنعه بأن النجاح فى منطقه كهذا وتحقيق نوع من التنميه فيه من خلال التراث سوف يكون بمثابه نموذج حى من الممكن تطبيقه فى أماكن أخرى فى مصر لأيمانى بأن رأس المال الحقيقى لمصر يكمن فى تراثها الحضارى القادرعلى بناء كل من الأنسان والمجتمع.
لا بد أن أذكر أن رحله البحث عن الأرض أخذت وقتا طويلا لحرصى على أن تكون بجوار المنطقه الأثريه بالرغم من الصعوبات القانونيه واللوجيستيه المتعلقه بالبناء فى تلك المناطق وكان أختيارى لمنطقه تونا الجبل التى تسمى هرموبولس الغربيه حيث توجد قبور أو بيوت البقاء التى تخص العلماء الذين خدموا فى الأشمونين أو هرموبولس الشرقيه.
وفى عام 2007 أتخذت قرار التقاعد من منصبى كأستاذ وأستشارى الطب النفسى فى جامعه كنجز كولج فى لندن لكى أتفرغ تماما لهذا المشروع.
وتتكون تلك القريه التكامليه من "مضيفه" بنيت بشكل تراثى وبيئى متميز لمبيت الزائرين غير "مزرعه عضويه" للتدريب على طرق الزراعه الصديقه للصحراء وتشجيع السياحه الزراعيه بجانب السياحه البيئيه البينيه وأيضا "مركز ثقافى" به عدد من القاعات المخصصه للندوات التعليميه والورش التدريبيه غير عدد من الأمكنه المفتوحه لأقامه العروض الفنيه والثقافيه.
وتم البناء على أرض صحراويه جبليه بعد أستصلاحها بواسطه صاحبه المشروع، د. ميرفت ناصر والتى قضت ما يقرب من أكثر من عقد من الزمن لأتمام هذا المشروع الذى أستنفذت فيه كل ما تملك من مال ومجهود أملا فى أن يصبح يوما ما نموذجا تنمويا أبداعيا من الممكن تكراره فى مناطق أثريه أخرى فى صعيد مصر.
الرؤيه : "تقديم نموذج للتنمية المصرية يطرح كيفية تفعيل التراث لبناء الإنسان والمجتمع"
الرساله : " توفير فرص لأنشطة إقتصادية في المجتمعات الأكثر فقرا المصرية والآخذة في النمو وخلق المساحة للأفراد لدفع التنمية الذاتية وفرص التعلم وتطوير المهارات"
الأهداف: تفعيل الوعى بالتراث الفكرى والقيمى لمصر القديمة على كل من الصعيد المحلى والقومى والعالمى وأظهارمقوماته والدور الذى يمكن أن يقوم به فى ربط وجدان المصرى المعاصربالماضى وحقه الكامل فى أمتلاكه وضروره أستخدامه لدفع عجله التنميه وزياده فرص التعاون والحوار بين الشعوب والحضارات.
الأهتمام بالسياحة البينيه الأندماجيه وفتح طرق سياحية بديلة تعنى بأماكن تملك قيمه ثقافية لم تأخذ حظها من الرعاية والإهتمام وتنميه الوعى بالسياحه التراثيه والبيئيه التى تعنى بجانب إحترام القيمة الأثرية والتاريخية للمكان مراعاة إحتياجات المكان نفسه وسكانه بحيث يصبح العائد المادى للسياحه مصدرا للنهوض الثقافى والاقتصادى للبيئة المحلية مما يجعل هذا النوع من المشاريع المجتمعية قادر على الأستمرار والإستدامة.
تفعيل الوعى بالتراث الفكرى والقيمى لمصر القديمة على كل من الصعيد المحلى والقومى والعالمى وأظهارمقوماته والدور الذى يمكن أن يقوم به فى ربط وجدان المصرى المعاصربالماضى وحقه الكامل فى أمتلاكه وضروره أستخدامه لدفع عجله التنميه وزياده فرص التعاون والحوار بين الشعوب والحضارات.
خلق بيئه تشجع على الأهتمام بالريف المصرى و التعرف على أمكانيانه الطبيعيه والتراثيه والرفع من شأنه ومستوى معيشه سكانه وتقليل الهوه التى مازالت قائمه بين مجتمعات الريف والحضر.
تنمية الوعى بالتراث المعمارى التقليدى والحفاظ على ماتبقى من أبنيه ريفيه لها سمات معمارية خاصة يتم أستبدالها الآن بأبنية عشوائية تفتقد الجمال والخصوصية والعمل على تغيير النظرة السلبية لهذا النوع من العمارة والتشجيع على أكتساب مهارات البناء التقليدى التى أصبحت نادرة
خلق بيئه تشجع على التدريب الحرفى وأكتساب المهارات البشرية واليدوية والأهتمام بما هو قائم منها وخلق فرص عمل جديدة للنهوض الاقتصادى.
الإهتمام بجعل "هرموبولس الجديده"محميه طبيعيه بجانب كونها نشاط أقتصادى تنموى وأيضا محميه تراثيه/ثقافيه عن طريق الأهتمام بزراعة الأشجار المصريه القديمه المهدده بالإنقراض للحفاظ عليها وعلى الموارد المائية واستخدام الطاقة الشمسية وإعادة تدوير المخلفات ومعالجتها لإستخدامها كأسمدة طبيعية للنهوض بالوعى البيئي و تشجيع السياحة البيئيه الخضراء.
ولقد أصبح المشروع الأن كيانا هاما يحظى بكثير من القبول والأهتمام من جانب هيئات علميه وعالميه كبرى ترغب فى أستغلال هذا المكان كقاعده لأنشتطتها العلميه فى مصر ليكون مركز أشعاع علمى وحضارى ذو سمه خاصه فى وسط مصر لكى يصبح أول مركز عالمى لدارسات التراث والتنميه فى مصر وربما فى الشرق الأوسط وأقريقيا يتبح فرصه التعلم والتدريب الحقلى والميدانى فى علوم حفظ وأداره التراث،التراث والتنميه والسياحه البيئيه المسئوله. والجدير بالذكر ان هرموبولس الجديده قد حصلت على جائزه السياحه الأبداعيه التنمويه هذا العام 2018 ورشحت لجائزه افريقيا فى السياحه المسئوله هذا العام أيضا.
سمية سليمان
حوار مع د. ميرفت ناصر مؤسسة قرية الهيرموبولس التراثية.
إرسال تعليق