عم بدر
قصة للكاتب سمير لوبه
على أريكتِه في مواجهةِ حائطٍ باهتٍ ينظرُ "عم بدر " إلى إطارٍ خشبي تتدلى من زاويتِه العليا شريطا أسود على صورةٍ لامرأة تنطقُ ملامحُها بالوداعةِ يشعُ من عينيها شعورُ انكسارٍ أمام زمانٍ غليتها أقدارُه ، مثله مثل كل البسطاءِ حلم عم بدر كثيرا أن يعيش بشراً ، تجتاح عواصفُ الزمن حياتَه المهترئةَ ، لا يؤنسُه في عزلتِه أنيسٌ أو جليسٌ بعد رحيلِ السندِ ؛ تعزفً على جراحه آلامًا اعتادها ، يتراقصُ واقعه على أناتِه ، و في ليلةٍ مشابهةٍ لتلك الليالي التي تصرُ على إيلامِه ، تباغتُه آلامُ الكُلى المعتادةُ ، يتحاملُ على نفسِه يستندُ على عصاه ، يعدُّ كوباً ساخناً من الأعشابِ ، التي اعتادها من يدِ زوجتِه ، تتندى عيناه الضيقتان تنسابُ منهما دمعاتٌ يمسحُها براحتِه المرتعشة متمتماً :
الله يرحمك يا " نعمة " .
يجلسُ على أريكته ، يتفصدُ جبينُه عرقا ، ترتعدُ فرائصُه لشدةِ الألمِ ، ينظر لصورة نعمة ؛ فيذكرُ ذلك اليومَ الذي هاجمته فيه آلامُ الكُلى فاستند على زوجتِه ، وذهبا معاً إلى عيادةِ الطبيبِ ، والذي نصحه بإجراءِ جراحةِ عاجلة لنزعِ حصواتِ الكُلى
ونجيب منين فلوس العملية يا نعمة ؟
نبيع كل اللي حيلتنا المهم صحتك
ينتهي عم بدر من شرابِ الأعشاب الساخنِ ؛ تهدأ الكُلى قليلاً ، وما أن ظهر النهارُ حتى تحاملَ على آلامِه ، وخرج بحثاً عن سبيلٍ لتخفيفِ آلامِه ، قابله الحاجُ " سعيد " :
ما بك يا عم بدر ؟
آلام الكلى يا حاج سعيد
ألم تذهب لطبيب ؟
عندما أصرف راتب التقاعد
لا تحمل هما .. اليوم أصحبك لطبيب كبير
ربنا يسترك يا حاج " سعيد "
الناس لبعضيها يا عم بدر
عند المساءِ وبعد أن انتهى الطبيبُ من إجراءِ الفحوصاتِ وتوقيع الكشفِ الطبي :
يبدو أنك أجريت عمليةً جراحية قبل ذلك يا عم " بدر " ؟
نعم كان ذلك من سنوات ، طبيب ابن حلال أجرى لي عملية الحصوة .
ينظرُ الطبيبُ للحاج سعيد :
ممكن لحظة يا حاج " سعيد "
خير يا دكتور ؟
لن أخفي عليك ، كليته في حالة متأخرة ، وعلاجه استئصال الكُلى
ما تراه يا دكتور ، وأنا متكفل بكل شيء ؛ عم بدر رجل مسكين وليس له في الدنيا سوى الله وأهل الخير
الطبيبُ بحزنٍ شديدٍ
للأسف .. مينفعش يا حاج سعيد …
4 / 9 / 2023
إرسال تعليق