عاطف محمد عبد المجيد يكتب: رؤى وجمان
منذ فترة ونحن نقضي الأجازة الصيفية في قريتنا الواقعة على ضفاف الساحل الصعيدي الواقع في حضن الجبال الشاهقة، طلبت إحدى سيدات شارعنا من رؤى عاطف، ذات الأربعة عشر عامًا حينها، أن تقرأ لها تاريخ صلاحية دواء ما، وبعد أن أنجزت رؤى طلب الجارة، راحت السيدة تدعو لرؤى قائلة: " ربنا يخلي لك أبوكي وأخوكي..ربنا يخلي لك أبوكي وأخوكي". هذه الدعوة أغاظت، وبشدة، رؤى وكذلك أختها جمان ذات التسعة أعوام حينها، حتى أنهما أخبرتاني بهذا مستنكرتيْن هذه الدعوة التي علّقت عليها جمان قائلة: " ليه مقالتش: يخلي لك أمك وأختك؟! بدل مِن: يخلي لك أبوكي وأخوكي؟ بينما قالت رؤى: " طيب وأنا فين؟ وأنا اللي قرأت لها تاريخ صلاحية الدواء؟
رؤى وجمان لم يكتفيا بهذا، بل فجّر هذا الموقفُ أسئلةً أخرى لديهما، وهي أسئلة تتسبب في إثارتها مواقف تحدث في المجتمع الصعيدي، وربما في غيره من المجتمعات الريفية، التي تنظر إلى المرأة نظرة تختلف عن نظرة بقية المجتمعات الأخرى لها. مما لاحظتاه، رؤى وجمان، أنه في بطاقات دعوات الزواج يُذكر اسم العريس ثلاثيًّا، كأن هناك حالة من الفخر غير المسبوق تخصه كونه ذكرًا فحْلاً، فيما يُشار إلى اسم العروس بأول حرف من اسمها فقط، ربما كناية عن الخجل الشديد من ذِكْر اسمها الذي لا ينبغي لأحد أن يعرفه، وكأنه سر عسكري، أو كأن ذِكْره سيُلحق العار بأسرتها جميعها. أظن أن الحفاظ على الأنثى ليس بالتكتيم على اسمها، بل بوسائل أخرى كثيرة، معرفة لدى أولي الألباب. كذلك لاحظتا، رؤى وجمان طبعًا، أنه يُنادى على الرجل أو المرأة باسم ابنه أو ابنها الذكر، حتى وإن كان أصغر الأبناء، ولا يُنادى عليهما باسم الابنة الأنثى حتى وإن كانت هي الكبرى.
ملاحظات كثيرة التقطها عقل الصغيرتين حتى أن رؤى قالت لي إنها تريد إنشاء جمعية تدافع عن حقوق المرأة، التي رأت ظلم المجتمع واقعًا عليها، وإنها مسلوبة الحقوق. ربما لم تكن رؤى تعرف وقتها أن هناك جمعيات ومؤسسات أنشئت منذ سنوات وسنوات لحماية حقوق المرأة، لكن الوضع لا يزال قائمًا، ولا يزال يُنظر إلى المرأة نظرة أدنى من حقها، بداية من حرمانها، في أغلب الأحيان والأماكن، من ميراثها الذي كفله الله لها، مرورًا بالخجل من ذكر اسمها، واعتبار أن صوتها وظهورها عورة و.... و... و...
حين يلتقط عقل صغيرتين هذا، معتبرًا إياه ظلمًا واقعًا على المرأة، فهذا يعني أن ثمة خطأ ما، ما زال يسيطر على فكر المجتمعات العربية التي أوصاها الله في قرآنه الكريم بالحفاظ على المرأة، وإعطائها حقها غير منقوص، غير أن الفكر الذكوري المنقوص لا يزال يحاول إقصاء المرأة عن المشهد المجتمعي سالبًا إياها من كل حقوقها..وهل بعد ذلك من ظلم؟
بقدر ما يحزنني حالُ المرأة في المجتمع العربي، بقدر ما أسعدني أن هناك إناثًا، ومنهن لا يزلنا في مرحلة الطفولة، يفكرْن في حال المرأة ويُردْن أن تأخذ حقها من براثن الرجل الذي وكّلَ من نفسه حاميًا لها ووليًا لأمرها. فعلاً أنا سعيد بابنتيّ اللتين لم يُعجبهما هذا الوضع الخطأ، سعيد أنهما تحاولان دفع الظلم عن بني جنسهما رغم صِغر سنهما، سعيد أن هناك عقليات نسائية بهذا القدر من القوة والأمل في تغيير وضع سيئ، أو تحسين تفاصيله. لكن تُرى هل سيتغير هذا الوضع مستقبلاً؟ أم سيظل على حاله، وستعاني صغيرتاي حينما تكبران من هذا الظلم، وسيخجل أبناؤهما من ذكر اسمهما لأصدقائهم حتى لا يعايرونهم به، كما حدث ويحدث في بعض المجتمعات؟ وهل سيُذكر اسمهما في كروت زواجهما صريحًا وواضحًا، أم سيُشار إليه بحرفه الأول؟
عمومًا حتى وإن أراد عريساهما أن يخفيا اسمهما من بطاقتيْ دعوة زواجهما، فإن أباهما قد عمل ما عليه وجعلهما مشهورتين وهما لا تزالان طفلتين. نهاية إذا كان من الخطأ أن يحوّل البعض المرأة إلى شيء يجلب العار، فخطيئة كبرى أن ينادي البعض بحرية المرأة في الزي الذي يصل إلى حد العُري..هؤلاء يريدون جسدًا عاريًا يستمتعون بالنظر إليه، ولا يهمهم أمر حرية المرأة في شيء.. الغريب أن بعض الذين يقاتلون بضراوة من أجل أن تسير المرأة بلا ملابس تقريبًا، ترتدي زوجاتهم وبناتهم الحجاب!
إرسال تعليق