عاطف محمد عبد المجيد يكتب:
خلّيكوا معانا واوعووا تروحوا في أي حتة
بعد يوم مُملٍّ من العمل الشاق، وبعد أن أتخذ مكاني مساءً أمام شاشة التليفزيون، إما لأستحم وأتطهر من عناء هذا اليوم برؤية ما يُسرِّي عن النفس، وإما لتكملة رحلة العناء بمتابعة ما جرى خلال يومٍ ولَّى نهاره وانقضى، أو للوقوف على ما جدَّ من أحداثٍ جسام أو أحداث عادية، أُمسك بالريموت كنترول لأتنقل بين القنوات الفضائية باحثًا عن برنامج من باقة برامج التوك شو التي تزداد يومًا بعد يوم، حتى أن هذه البرامج قد يتم إحصاؤها بعدد القنوات الفضائية نفسها. ونظرًا إلى أن معظم برامج التوك شو تتكئ في الأساس على أساسيات ثابتة فقد تشابهت جميعها في الصوت والصورة. أعني أنها تبدأ بتلاوة الأخبار على طريقة نشرات أخبار السادسة أو التاسعة بتوقيت التليفزيون المصري، ثم إذاعة عدة تقارير ترتبط بهذه الأخبار من قريب أو من بعيد، وبعد ذلك فاصل إعلاني ممل يتم التنويه قبله عن الموضوع الفلتة أو الضيف الذي لم نره على شاشة أخرى.
ثم ينتقلون إلى ما يطلقون عليه قضية اليوم والتي يستضيف البرنامج ضيفًا واحدًا أو أكثر من ضيف ليُدلي كل منهم برأيه في الموضوع / القضية، وأحيانًا يتحول النقاش بين الضيوف إلى مشادات كلامية تعلو فيها أصواتهم عن أصوات الباعة الجائلين في أسوأ منطقة شعبية، ولا يسمع منها المشاهد ولا يفهم أي شيء. أي أن الأمر يتحول إلى صراع الديوك أو الديكة كما يقال.
المدهش أن كل برنامج من هذه البرامج يرى، هو وحده، أن ما يقدمه في وجبته اليومية لزمرة المشاهدين هو شيء مختلف أو "غير" كما يقول الأخوة الخليجيون، وأن ما يقدمه على شاشته لن يُرى بالفعل على شاشة أخرى، ولهذا فإن الجملة التي تتكرر على ألسنة مذيعي هذه البرامج وإن اختلفت مفرداتها فإنها تؤدي هذا المعنى: خليكو معانا وأوعوو تروحو في أي حتة.
غير أنني ومن متابعتي لمعظم هذه البرامج، على الرغم من اختلاف الشاشات التي تعرضها والمُعدين الذين يعدونها والمذيعين والمذيعات الذين واللاتي يقدمونها ويقدمنها، أرى أن هذه البرامج قد تشابهت حتى أضحت وكأنها برامج اُسْتنسختْ من برنامج واحد، ولذا فإننا لن نجد طعمًا أو رائحة أو لونًا مختلفًا لبرنامج منها عن بقية البرامج، درجة أن هذه البرامج قد تستضيف في اليوم نفسه الضيف ذاته ليتحدث في الموضوع ذات نفسه، حتى أننا نشاهد هذا الضيف على ما يزيد عن ثلاث شاشات أو أربع في بعض الأووقات، وكلما ذهب هذا الضيف إلى برنامج من هذه البرامج ينهي مقدم البرنامج معه حواره قائلاً له: شكرًا لحضرتك ومش هنطول عليك علشان عارفين إنك عندك ارتباطات تانية.
الغريب أن هذه البرامج تُذاع في توقيتات مختلفة وعلى الرغم من هذا فلم يسعَ أحدها ليكون مختلفًا عن البقية الباقية، ونتيجة لهذا فإننا نجد سيناريوهات متماثلة، إذ لا فرق بين ما يُذاع من أخبار هنا أو هناك بل هي نفسها، ولا فرق في التقارير سوى صوت من يقوم بالتعليق عليها، ولا فرق حتى في الضيوف الذين اعتدنا على رؤيتهم هنا وهناك، هم فقط يقومون بتبديل مقاعدهم فقط، بل إننا نحس أحيانًا أن الضيوف ما زالوا في أماكنهم، أمَّا رياح التغيير فقد هبت على مقدم البرنامج أو مقدمته.
لهذا حين نتساءل عن وجه واحد للاختلاف يمتاز به برنامج عن آخر لن نجد اختلافًا جوهريًّا، في الوقت الذي نجد الاختلاف في ديكور البرنامج أو في الموسيقى التصويرية لبدايته ونهايته أو في أسماء طاقم الإعداد والتقديم الذين يحاول بعضهم أن يقلد الآخر بعد ظنه أنه قد نجح ووصل إلى قلوب المشاهدين.
إرسال تعليق