أشباح الحقيقة في سرد محمد شكري، بقلم: سيد الوكيل




أشباح الحقيقة في سرد محمد شكري
أشباح الحقيقة في سرد محمد شكري. بقلم : سيد الوكيل



بقلم: سيد الوكيل


جوهر ظاهرة محمد شكري:

يقول الناقد محمد برادة إن جوهر ظاهرة شكري لم يُلتفت إليه أحد، فمقابل الكلمات الرومانسية والتجريبية الطلائعية، ومقابل النصوص المعتمدة أساساً على نصوص. غائية، يأتي محمد شکري بمنطلق آخر - الأشياء قبل الكلمات. المعيش قبل المتخيل. الموشوم على أخاديد الجسد قبل التبشير بالأفضل ومناجاة الثورة المنتظرة و دفن الإحباطات في القصائد والقصص الأسيانة، وهو في كل ذلك يصدر عن تجربته الخاصة.


ملامح السيرة الذاتية عند محمد شكري: 

  وهذا الملمح المتعلق بشخصانية التجربة، يظهر بوضوح في عملية الأشهرين (الخبز الحافي، الشطار) وهما ثنائية تحمل كثيراً من ملامح السيرة الذاتية لـ محمد شكري نفسه، ومع ذلك، فهذا الكلام يمكن أن ينسحب - وبلا مغالاة - على كل كتاباته، ومن ثم لا يستطيع الدارس لها تجنب الإشارات المباشرة إلى التاريخ الشخصي له، وهو تاريخ محتشد بالوجع.


حياة محمد شكري:

قائع والأحداث التي لم تزل بمثابة النبع الذي يستقى منه محمد شكري مفردات عالمه القصصي والروائي..
انه عالم العلاقات السرية والحيوات التحتية لمجتمع المدينة (طنجة) الكوزموبولتانية، الذي عايشه محمد شكري منذ طفولته وفض أسراره بنفسه عبر معاناة شخصية تبدأ بسجن الأب على يد سلطات الاحتلال الأسباني للمغرب. وبانغلاق أبواب السجن على الأب، تنفتح أبواب الجحيم على حياة الابن محمد شكري، غير أن هذه النار لم تحرقه بقدر ما صهرته وشكلته وأبرزت جوهره النادر، فعلى الرغم من حدة المعاناة وعنف الصدام بحياة التشرد التي عاشها إلا أنها منحته شيئاً قلما يتوافر لأديب، وهو معايشة الوجه الآخر للحياة، وهي غدة الحياة الحقيقية أو كما يسميها(الحياة الليلية) حيث يطرح تقسيماً أخلاقياً للبشر بين النهاريين والليليين، وهو تقسيم يتجاوز التصنيفات العنصرية والعقيدية والطبقية كما يقدمه المجتمع الكوزموبولتاني. ولاشك أن هذه الحياة التحتية منحته فرصة التحرر من سلطة المؤسسة الاجتماعية التي هذبتها التقاليد والقوانين والأعراف المختلفة، إنه عالم الإنسان البدائي الذي لم يتم ترويضه بعد، مازال يقبع في كل منا متحينا الفرصة للحظة ينفلت فيها، فلا نلقاه إلا في أحلامنا، أو في تلك اللحظات المسحوبة على اختلال الوعي وانتصار الغريزة. لحظة كتلك التي قضمت فيها حواء تفاحة الحياة.


وهكذا .. فكتابات محمد شكري لها هذه القدرة المدهشة على خدش السطوح المصقولة للحياة، ومن ثم مزيد من الاستبصار بالجذور الحوشية إنها كتابة تشبه لوحات بيكاسو الوحشية، عندما تباغتنا بحدة المواجهة، وتعرينا، فنرى حقيقة ذواتنا التي فمعناها داخل بنايات المدينة، فهل يفسر هذا احتشاد قصص شكري بنماذج من السفلة والمنبوذين والمنحرفين باعتبارهم أكثر النماذج تعبيرا عن البدائية.


يقول برادة: إذا كان من الصعب تشخيص الفضلاء، وممثلي الاستقامة بكثرة، فان من السهل تكثير المنحرفين وتهميشهم لاستعمالهم كنماذج لا تحتذى..


قصة بشير حيا أو ميتا وقصة مجنون الورد لمحمد شكري:

في قصة (بشير حيا وميتا) من مجموعة (مجنون الورد) يجسد شكري هذه العلاقة الغريبة بين العاديين العقلاء والشواذ المجانين تجسيداً دقيقاً، فالعاديون ينظرون إلى بشير باعتباره وحشا يتمنون موته، فكلما سقط مغشياً عليه يشعرون براحة عميقة، وكأنهم سوف يتخلصون إلى الأبد من دونيتهم وعندما يستيقظ يصابون بخيبة الأمل وهم ينظرون إليه يسير بينهم من جديد كشبح.


يرى نجيب محفوظ أن الأفكار السوريالية لا نجدها في الواقع، إنها لا تظهر إلا في الحلم أو الجنون، وهكذا.. كان عليه أن يضع أهل العوامة في ثرثرة فوق النيل على شفير الجنون بفعل المخدرات التي غيبت وعيهم، ولكنهم عندما يفيقون يكتشفون حقيقة واقعهم المشوه، والمقصود أن لحظات الوعي الكامل فقط - هي التي تمنحنا القدرة على استبصار الواقع.


أنواع الوعي عند محمد شكري:

 إما محمد شكري فهو يفرق بين نوعين من الوعي الأول وهو الوعي الذي أنجز مدنية الإنسان، وهو عنده وعى زائف كقناع يخفي تشوهات ملامحنا، والوعي الآخر هو ذلك البدائي الذي يعمل فينا طوال الوقت بطريقة سرية وان كانت أكثر تأثيراً. إنه وعى العالم التحتي، عالم الطرقات العارية، والشوارع المكشوفة. والإنسان بطموحه الحضاري يسعى طوال الوقت لقتل ذلك الوحش الكامن فيه ومن هنا يأتي الصراع الدائم بين ما هو حقيقي وما هو شبحي. إن مدنية الإنسان مجرد شبح، قناع يمكن أن يسقط في أية لحظة كاشفاً عن البدائي الذي بداخلنا.


يكتب محمد شكري في قصة بشير حياً وميتاً حيث يعبر العنوان عن تلك التناقض الحاد لنمطين من الواقع، مجرد مروره أمامهم سيجعلهم يفكرون في الموت يمشي في جسد حي، ترى كيف يمكن أن يعيش إنسان مات في وهم الناس بالأسطورة التي تمحو الحقيقة..


أشباح الحقيقة في سرد محمد شكري

الحقيقة!! ما الحقيقة إذن؟ أهي أن يموت الإنسان وهو ليس ميتا بعد!!


 إن كتابات محمد شكري تستنكر هذه المسافات الفاصلة بين الأشياء تلك التي تضعها في صورة متقابلات أو ثنائيات ضدية لتثير داخلنا إحساساً حاداً بالتناقض، بل على العكس، فهي تسعى لإزاحة المسافات وخلق مساحة تسمح لتعايش الأشياء وتجاورها. وينعكس هذا على لغته التي لا تحتفي بالمجازات والتناصات المفتعلة، بل وتسمى الأشياء بمسمياتها، كما أنه وهو بسبيله إلى رصد عالمه، فإنه لا يجعل بينهما هذه المسافة التي تسمح بمداخلات التثقيف، بل يصل إليه عبر أقرب الطرق، ويلتحم به وهو مازال ينبض بالحياة، أو على حد تعبير برادة: إنه عالم تنبعث منه السخونة.


Post a Comment

أحدث أقدم