محمد غنيم يكتب: الأناقة الأخَّاذة لوجوه الفيوم
أحد وجوه، أو إحدى لوحات، الفيوم (ق1-ق3م)
Getty Villa,Paul Getty Museum, USA
(مجوهرات من زمن فات)
لوحات أو وجوه الفيوم، هي رسومات لوجوه تأسرك ملامحها الشاحبة الحزينة، التي تلفها الأسرار، كما تأسرك زينتها وأناقتها الأخاذة. ناضرة تبدو، تبوح عيونها بالكثير سراً وعلانيةً، وضوحاً وغموضا. يأخذك حزنها الشفيف النبيل وبهائها الناطق إلى اللامكان. شكّلت مزجاً فريداً لحضارات وثقافات. فالصور والمفردات مصرية في رمزيتها، ودلالتها، يونانية في تقنيتها وملامحها، ورومانية في سياقها الاجتماعي وهيئتها. هذه اللوحات مهّدت لقواعد فنية جاءت بعدها فصارت جسراً يصل فن التصوير القديم بفن التصوير اللاحق في العصور الوسطى.
لا تزال هذه الوجوه تطل علينا، في أبهى حلتها في أروقة المتاحف، على جدرانها وفي خزائنها، في أناقة وجلال.
والمتأمل في هذه اللوحات، يجد أنها تتمتع بثراء كبير في ملامح الشخصيات المرسومة، فقد جمعت بين الملامح الإغريقية والرومانية والمصرية كما في العيون ولونها، وفي الشفاه، وتشريح الرأس والوجه، والعنق، وطبيعة الشعر وغيرها من الملامح.كما تعكس الوجوه ثراءً وتنوعاً في هيئة أصحاب هذه الصور، فمنهم من ينتمي إلى الطبقة العليا من العسكريين وموظفي الخدمة المدنية، والشخصيات الدينية والرياضية، ومنهم من ينتمي إلى الطبقة المتوسطة الثرية أو المقتدرة كمدرس الفلسفة، ومالك السفينة، وحائك الملابس كما سُجل على بعض اللوحات.
كما سيلاحظ تنوعاً واضحاً في أسلوب تصفيف الشعر، وخاصة في لوحات النساء، فمنه القصير الخجول، ومنه الطويل الجريء، المفروق من الوسط المنسدل على الجانبين، أو المتجمع للخلف أو لأعلى (متقصع)، أو الحر أو المقيد بتاج أو إكليل من الورد. وهناك شعر الرأس المسترسل أو المجعد، وشعر الذقن المهذب القصير عند الرجال.
ومما تكشف عنه من ثراء أيضاً، الثراء في أشكال الحلي، فهناك تنوعاً في أقراط الأذن، وتنوعاً في القلائد والعقود الذهبية وفي الأحجار الكريمة. إضافة إلى الثراء والتنوع في أشكال الملابس، وتصميماتها، وألوانها، والتي عكست في كثير منها تأنقاً واضحاً. هذا الثراء في وجوه الشخصيات، وملامحها، وهيئاتهم، صاحبه وعبَّر عنه ثراءٌ وتعدد لوني على خلفية أحادية اللون، وتنوع وتفاوت في الدرجة اللونية أكسب الألوان أبعاداً أخرى.
إرسال تعليق