لماذا يكتب الشعراء الرواية؟
نبهان رمضان: لماذا يكتب الشعراء الرواية؟ |
بقلم: نبهان رمضان
أعتقد ،ن للرواية غواية كبرى يصعب على من تزل قدمه فيها أن يخرج منها. لكن عندي ايمان قطعي أن كل فكرة تنادي نوع ادبي ما يستوعبها و يصوغها. فالرواية ليست سيل جارف من حكايات كثيرة تمر في حياة كل البشر لكنها فكرة تناقش في شكل سردي من كل جوانبها.
غواية الرواية في مزامير افروديت للكاتب و الشاعر محمد عطوة.
في ندوة اليوم نناقش رواية مزامير افروديت للكاتب و الشاعر محمد عطوة. المعروف للجميع انه في الاساس شاعر يكتب القصة و له دراسات نقدية سواء في الشعر او الرواية او القصة لكن اليوم نناقش له عمل روائي. و ذلك الامر يفتح الكلام على مصراعيه لظاهرة ليست جديدة لكنها حديثة( ظاهرة هجرة الشعراء للشعر و الانتقال الى كتابة الرواية) و اسمحوا لي ان اطيل قليلا في مقدمة تمهيدية توضح هذه الظاهرة الملفتة و المؤثرة في الادب العربي بأكمله و ليس في مصر فقط.
عند العرب قديما كان للشعر حيث (كان الشعر يبز صنوة النثر, لذا كان احتفاؤهم به اكثر, و تلك المعلقات التي علقوها في الكعبة تصدق هذا, فلم نجد عن النثر ما خصوا به الكعبة يقدسونه تقديسه, ولكنا وجدنا الشعر هو الذي انفرد بتلك المرتبة) شوقي الموسوعة الشوقية الموسوعة الكاملة لأمير الشعراء احمد شوقي.
و حقيقة الأمر أن الرواية لم تكن على هامش اهتمام الأدباء و المفكرين و حسب بل إنهم كانوا يحتقرونها, و يقللون من شأنها و يكفي دليل على ذلك ما قاله نجيب محفوظ( كنت اقرأ الكتاب المصريين لكنني كنت اعرف ان القصة او الرواية بالنسبة لهم على هامش حياتهم. لم يكن هناك تراث روائي يمكن الارتكاز عليه. كان أصحاب الروايات نفسها لا يعترفون بها, الدكتور طه حسين يكتب رواية في الصيف, لكن من طه حسين انه المفكر. العقاد يكتب سارة لكمن من هو العقاد انه المفكر بل ان العقاد كان يحتقر القصة و الرواية اذا كان هؤلاء بأنفسهم يحتقرون الرواية فكيف ستلتفت اليها من خلالهم) جمال الغيطاني كتاب نجيب محفوظ يتذكر.
نجيب محفوظ والشعر
اطق نجيب محفوظ بيانه التأسيسي لانطلاق فن الرواية حيث قال( لقد ساد الشعر في عصور الفطرة و الاساطير اما هذا العصر عصر العلم و الصناعة والحقائق في حاجة حتما لفن جديد يوفق على قدر الطاقة بين شغف الانسان الحديث بالحقائق و حنانه القديم الى الخيال و قد وجد العصر بغيته في القصة فاذا تأخر الشعر عنها في مجال الانتشار فليس لأنه ارقى من حيث الزمن و لكن لأنه تنقصه بعض العناصر التي تجعله موائما للعصر فالقصة على هذا الراي هي شعر الدنيا الحديثة) نجيب محفوظ مجلة الرسالة 1945.
هل الرواية مثل الخرنوب؟
الامر الذي اثار حفيظة الشعراء و انبرى لرايه العقاد فيما يعرف ببلاغة الخرنوب أي ان الرواية هي مثل الخرنوب قنطار خشب و درهم حلاوة و ذلك في التقليل من شأن الرواية و الرفع من شأن الشعر و في ان الرواية هي للدهماء و الشعر للصفوة. العقاد في بيتي.
بعد ذلك توالت المقالات و الدراسات النقدية و الكتب النقدية التي تتبنى نظرية ان ديوان العرب في العصر الحديث هي الرواية و شعر الدنيا الحديثة. منهم محسن الموسوي في العراق, علي الراعي, جبرا خليل جبرا. اما الذي احدث ثورة نقدية حقيقية في هذا المفهوم الناقد المصري جابر عصفور حيث شكلت مقالاته في مجلة فصول عام 1991 و كتابه الشهير زمن الرواية انبعاثا لثورة جدلية حول أسئلة العصر في الشعر و الرواية.
لم يكتفي عادل الاسطة بالإشارة الى هذه الظاهرة انتقال الشعراء لكتابة الرواية بل اطلق عبارته الشهيرة( فهل النص الروائي الذي يكتبه الشاعر هو المسمار الأخير و التابوت معا) عادل الاسطة قضايا و ظواهر نقدية في الرواية الفلسطينية.
ففي الوقت الذي شهدت فيه الساحة الأدبية تحول اعداد كبيرة من الشعراء الى كتابة الرواية فان اعداد أخرى من النقاد و القصاص قد ساهموا باعا في كتابتها, الامر الذي ترتب عليه زيادة اهتمام دور النشر بفن الرواية و تحول توجهاتها من طباعة دواوين الشعر الى طباعة الروايات و ازداد في الوقت ذاته عدد الجوائز التي تمنح للروايات, وليس فقط تلك الخاصة بتنافس الروائيين كجائزة بوكر للرواية العربية, بل تلك الجوائز التي تتنافس عليها فنون الادب من شعر و رواية و مسرح و قصة أيضا كجائزة نوبل للآداب.
اذا كان الادب بشقيه الشعري و السردي يعبر عن حكاية فانه بحد ذاته حكاية لها احداثها و زمانها و مكانها و شخوصها و ابطالها و حبكتها و تحولاتها فاذا كانت عبارة (قفا نبك) بطلا للجزء الأول من حكاية الادب فهل سيكون رأي نجيب محفوظ الرواية شعر الدنيا الحديثة بطلا للجزء الثاني لهذه الحكاية؟
بالتأكيد هناك عوامل كثيرة أدت إلى خفوت نجم الشعر و سطوع الرواية منها عوامل تخص الحياة العصرية و سرعتها و تجاوزها الحياة الرتيبة. و هناك أيضا عوامل تخص الاجناس الأدبية و قدرتها على استيعاب اجناس أخرى و تأثرها و تأثيرها على بعضهما البعض فمثلا عندما تأثر الشعر بالسرد ظهرت قصيدة النثر و كما ان الرواية لها طبيعة خاصة في استيعاب كافة الاجناس الأدبية و الفنية ايضا لما لها من مرونة و حرية في التعبير و احداث حالة من التجانس.
المعمار الفني لروايات الشعراء الروائيون مزامير افروديت نموذجا
في رواية مزامير افروديت نجد هناك علاقة ثلاثية (البطل, السارد, المؤلف الضمني) و الى كون النص حكاية اوتوبيوغرافية و الى العلاقة بين عطوة المؤلف و بطل الرواية و بالمناسبة انه بدون اسم الى ان هذا الامر يدفعنا الى عقد مقارنة بين ما يقوله النص و ما نعرفه من سيرة الشخصية للكاتب محمد عطوة.
يمكننا القول ان هناك ثمة توحد بين البطل و الكاتب مثل السفر الى دبي و قضاء وقت طويل هناك و القرية ظفر و العمل مدرس في دبي اذا ما ربط بين طفولة الكاتب و طفولة البطل افكار قومية. اخترع الكاتب شخصية البطل و استخدم بعض التورية مثل السفر الى المانيا و الاقامة بها و استخدم الخيال في علاقة البطل العاطفية مع انجي حتى لا يتم الربط بين حياته الشخصية و ما يكتبه فالحكاية لها بطل اخر غير شخصية الكاتب الاعتبارية.
يقول ميشال بوتور( يبني اشخاصه, شاء ام ابى علم ذلك او جهله, انطلاقا من عناصر مأخوذة من حياته الخاصة, و ان ابطاله ما هم الا اقنعة يروي من ورائها قصته و يحلم من خلالها بنفسه) بوتور ميشال بحوث في الرواية الحديثة.
في إطار دراسة رواية مزامير افروديت كون كاتبها شاعر في الأصل ،فان اللغة الشعرية الكامنة كرصيد معجمي لدى الشاعر لابد أن يتجلى في العمل الروائي.
لا يمكن تناول اللغة من فراغ، يجب الكشف عنها من خلال مدى انبعاثها داخل عوالم النص من عناوين و رواة و سرد و وصف و حوار و شخوص و أزمنة و أمكنة.
عنوان الرواية مزامير افروديت و عنوان آخر بخط أقل تجليات فصل الله
يرى فرج المالكي أن العنوان ليس حلية تزين الغلاف الرواية بل تسمية فيها كثير للخطاب الذي تقدمه الرواية و هو ليس نقوشا من القش تطفو على سطح المتخيل السردي بل زبدة لأهم التفاعلات الناتجة عن تداخل عناصر النص و تعاضدها ولا ينتصب على فضاء الغلاف منعزلا بل تربطه و شائج تخرج كخيوط متعددة يكون العنوان جماعها( فرج مالكي، عتبة العنوان في الرواية)
في رواية مزامير افروديت نجد تناص مع الأفكار و الاحداث و الأمكنة، هناك تناص اسطوري حيث استخدم الكاتب اسطورة افروديت من سفر التكوين، كما استخدم الموروث الشعبي في العنوان الثاني في تجليات فصل الله ، نجد غرابة بين العنوانين مزامير و تجليات بين المؤكد و المعجزات الصوفية التي يطلق عليها تجليات و الاسطورة القديمة التي بنى عليها العلم الحديث و علم التأمل و الفلسفة.
هنا نجد تشابك بين وظيفتي العنوان الإيحائية و الإغوائية عنوان يوحي بعلاقة وحدانية ما بين بطل الرواية و آخر يوحي بمعجزات صوفية عالمان متنافران متباعدان مما يعطي غرابة تغري القارئ في ممارسة فعل القراءة لتباين هذا التباعد.
استخدم الكاتب الراوي البطل الشخصية الرئيسية في الرواية يسرد بضمير انا غالبا و لم يخرج عن ذلك إلا في موضع انجي، استخدم الضمير هو لسرده شخصيات الرواية. استأثر لنفسه في التعبير عن مواقف الشخصيات و أتاح فرصة لبعض الشخصيات لتفصح عن ذاتها باستخدام الحوار.
جاءت بؤرة الرواية غير واضحة و متباينة في مواضع كثيرة داخل متن الرواية الصراع باهت بين افروديت التي رمز لها الكاتب بشخصية انجي و فضل الله العالم الصوفي، و حالة التشظي بين هنا و هناك و تنقلات حادة للسرد في مقطع واحد نجد الحديث عن انجي في المانيا و الحملة التالية الحديث عن فضل الله. لم يستطع الكاتب أن يمسك خيوط الصراع و لم يتطور إلى ذروة ظلت حالة التشتت و عدم الانحياز لطرف دون الآخر، لدرجة أننا لا نجد أوجه لهذا الصراع فالصراع بلا وجه.(كيف يمكنني حبس نفسي واجبارها على ما تكره يا انجي؟ كيف لساخط على الفقد ان يرضى به امرا حتميا؟ و هل وجوب اظهار الرضا, مثوبة خير تكفي للاستمرار في السير على الدرب, دون حاجة الى الشكوى قبل الصبر و الثبات؟ اي حياة تلك التي يمكن ان يحياها من هو مثلي مبتلى بحب فضل الله؟) ص 8 متن رواية مزامير افروديت
توظيف الشعر في الرواية
رغم أن محمد عطوة كتب كثيرا القصة و بين أيدينا اليوم رواية ذو حجم كبير لكن مازال الشعر خياره الاول في التعبير، عندما يصف شعورا ما نجده يكتب شعر
صفحة 13
صفحة 86 (اقترحت على مازن بعضا من شعر ابي فرحب متهللا:
ليكن الوقت مساء
ليكن التاريخ اليوم على الهاتف اسما لا رقما...... الى آخر الصفحة)
موضع آخر صفحة 106
الملك لك
و اليسر بعد العسر حالي اسألك
يا ايها المعبود طوعا في السماء و في الدنا
..).
موضع آخر صفحة 114
خذني اليك فانني بعض يراك و يشتهي
مالم تقله جوارحي
.......). و ايضا صفحة 122
123
توظيف الامثال الشعبية
تناثرت الامثال الشعبية بين صفحات الرواية خاصة المذكورة على لسان الجد و الراوي أيضا
اللغة المستخدمة هي اللغة المحكية و بها تعدد مستويات و تنوع في المستوى الثقافي.
الرواية حافلة بالتناص الاسطوري مع أسطورة افروديت
تعكس حالة الحب و سيطرت المرأة و قوتها.
الزمن في رواية مزامير افروديت التي تستلهم الاسطوري و الخرافي و توظفه في متنها الحكائي يتشظى منذ البداية و تنسى فيها علامات الزمن و مسببات حدوثه غير تلك المعهود لدى البشر بحيث يفقد الناس ٥يها البوصلة و يسيرون في غير اتجاه. هذا من حيث المتن الحكائي الذي وقف عليه.
هناك الكثير من محطات الاسترجاع و الاستباق غلبت على حبكتها
أما عن العلاقة بين البنية الزمنية و اسقاطاتها على البنية اللغوية.
بين جنبات السرد في الرواية وقفات شعورية و شطحات خيالية و مقاطع موسيقية و انزياحات لغوية تمثل نوع من تداخل الشعر بالسرد كسمة لافتة للنظر
في الحقيقة مسألة الشاعرية ليست حكرا على جنس أدبي دون آخر و إنما تقاس حسب العناصر التي يتركب منها مع توافر إمكانات التداخل و الأزواج بين الأجناس الأدبية لتقاس في عالم الرواية وفق تقنياتها الأساس التي تعرف بها.
الرواية أطروحة لغوية لسانية فهي جامعة للغات شتى لغة الروائي لغة الرواة و لغة الشخوص و بذلك تتعدد المستويات اللغوية و تتمايز في فصول الرواية و مفاصلها سردا و وصفت و حوارا.
كتب: نبهان رمضان
إرسال تعليق