قراءة فى مجموعة : خضار الروح

للكاتبة: سارة الليثي 

بانوراما أدبية: مقالات،الذات بين العنف والعنف بقلم: صفاء عبد المنعم، قراءة فى مجموعة : خضار الروح، للكاتبة: سارة الليثي- فنون الكتابة- قصة قصيرة، شعر، رواية، مسرح، سينما، دراما، أفلام، أغاني، فنون، مقالات، دراسات، أقلام، كتب، كتاب.


الذات بين العنف والعنف بقلم: صفاء عبد المنعم، قراءة فى مجموعة : خضار الروح، للكاتبة: سارة الليثي
الذات بين العنف والعنف بقلم: صفاء عبد المنعم، قراءة فى مجموعة : خضار الروح، للكاتبة: سارة الليثي



الذات بين العنف والعنف 


بقلم: صفاء عبد المنعم 


فى معظم نصوص المجموعة، يوجد ذات معتدية وذات معتدى عليها،عنف بدني، عنف نفسي. 
وبما أن الذات هى مجموع العقائد والأفكار، وهى انعكاس لكل ما بداخل الإنسان، وتمثل وجهة نظره فى الحياة وقدراته وطموحاته.
بقعة 
-------

فى نص بقعة

 
العنف النفسي: لا أدري أن تراجعن عن حسدهن إياي .
عنف جسدي: صفعت فيه معلمة الفصل..سحبتني من شعري..تلويت من الألم. 
عنف نفسي: احبسي نفسك فى اوضتك ومتتعامليش مع بني آدمين. 
عنف جسدي : سكبت عليها كوب الشاي الساخن عمدا. 
عنف نفسي: إنجاب رجل، وهبي حياة لا استحقها 
مفيش فايده فيكي..
اعتدت أن يقول 
اعتاد أن أغفر. 
عنف جسدي: سكين يعرف طريقه. 
نلاحظ فى هذا النص الأول فى المجموعة(بقعة) كم من العنف النفسي والجسدي، رغم صغر حجم النص، وكأن الكاتبة تريد أن تقول: أن كل عنف يقابله عنف أقوى وأشد. 
العنف يولد العنف، وكل عنف نفسي يتبعه عنف جسدي، كما لا حظنا فى كلمات(حسدهن صفعت، سحبتني، تلويت، سكبت..) جملة سكين يعرف طريقه تحيلنا إلي مضاعفة العنف بعد الصفع والسكب. 
ورغم أن النص بسيط فى حكايته إلا أنه عميق فى الدلالة. 
الحكاية: فتاة عندما تأتيها الدورة الشهرية تشعر ببعض التغيرات المزاجية. ولكن المعلمة تسحبها من شعرها لضبط الصف، والأم تطلب منها أن تحبس نفسها فى الحجرة، وطوال الوقت الأم كانت تتمنى أن تنجب ولدا ولكنها أنجبت بنت. 
الزوج طوال الوقت يعنفها، فتكون النهاية جملة سكين يعرف طريقه. 
وهى تترك للقارئ أن يكمل باقي النص بطريقته ماذا حدث للزوج؟
والنص بدأ بقعة بسيطة(دورة شهرية )وأنتهى بجريمة قتل الزوج. 
ورغم أن هذه بقعة والأخرى بقعة، ولكن المعنى مختلف تماما. 
ولأن مشكلة العنف من البداية لم تحل بشكل عقلاني جيد ومنصف عند البنت فتطور إلي مرحلة أكثر عنفا، وتحولت بقعة الدم من مستواها العادي إلي مستواها الانفعالي المكبوت فانتهى النص بجريمة(بقعة حمراء تتمدد على صدره ) 
هذا النص الذي بدأت به الكاتبة مجموعتها القصصية هى تعلن عن نفسها بوضوح(فتاة/امرأة ) تعاني كبتا نفسيا ومجتمعيا وتهميشا ورفضا من أنها أنثى وتفضيل إنجاب ذكر. 
فندخل هنا فى مفهوم النثوية من الناحية الإجتماعية(التهميش) ومن الناحية الأدبية(كتابة المرأة عن نفسها ) ومشاكلها وما تعانيه نفسيا واجتماعيا، بطريقة سلسة وسريعة الإيقاع دون الوقوع فى الجمل الوعظية الرنانة أو الايسهاب فى التفاصيل. 
...

جدار 

فى النص الثاني جدار 
انهال عليه ضربا 
تزداد قبضتي قوة 
عنف نفسي: اهدده بحرمانه من اللعب والمصروف. 
العنف هذه المرة من الأم تجاه الأبن. 
لماذا؟
الأم الفاشلة تخاف من تكرار صورة الفشل الذهنية المسيطرة عليها، فهى فشلت في زواجها وفى المدرسة وفى العمل، سلسلة طويلة من القهر الذي أدى إلى الفشل فى حياتها. 
تبدأ النص(ارسم صورا لابني على الجدار، هنا يلهو بالكرة)
 ..تنهى النص(ارسم صورا لابني على الجدار )
ولكن بين هذه الصورة الأولى والصورة الأخيرة للابن حدثت مئات المآسي من العنف والقهر ضد المرأة/الأم. 
من المجتمع والزوج والفشل المتكرر، فالمرأة تعيش فى حالة من الخوف الدائم من فشل الأبن. 
استطاعت الكاتبة بقليل من الجمل أن توضح لنا بشكل جميل تمدد القهر وتسربه فى حياتنا ونحمله معنا مثل التاريخ وتكون النهاية عنف يولد عنف. 
ضرب الولد من أجل المذاكرة يؤدي إلي وفاته. وسجن الأم 
....

حياة زائفة 

(سحبني سؤالها عميقا فى بحر متلاطم من الذكريات التى طالما حاولت الهرب منها..)
ذئب يود نهش لحمي وتمزيق شرفي. 
انقض علي 
حاولت ردعه 
ارتميت فى حضن أبي احتمي به 
ينهال على صفعا 
اجتمعو ليصدروا قرارا بشأني. 
( ولأول مرة فى حياتي اتخذ قرارا يخصني )
تحكى القصة عن فتاة كانت تعتبر أبن عمها الذى تربى معها اخا لها، ولكنه نهش لحمها وفض بكارتها. 
الفتاة هنا تحولت من مفعول بها إلي فاعل ولأول مرة فى حياتها فتهرب من النافذة وتنجو من زواجها. 
النافذة هى المخرج وهى طاقة النور الخارجي وهى النور الداخلي فى الذات. 
فهربت البنت من خلالها إلي الخارج وعاشت حياتها ونجحت. 
لعبت كلمة النافذة هنا دور النور الخارج/الداخل. 
(لأكون شخصا آخر غير تلك الفتاة الخانعة..)
هنا فى هذا المقطع نلاحظ لحظة التنوير فى الذات والتمرد على الوضع وأخذ قرار التغير بالهرب أو الموت. 
(نعم سيدتي كان لهم دور عظيم. لهم كل الفضل فلولاهم ما كنت هنا ) هذه هى الإجابة الكاذبة/الصادقة على سؤال المذيعة لها عن النجاح..(خلف نجاحك العظيم هذا عائلة متفهمة )
الذات الواعية هنا قررت فى لحظة فارقه تغيير مسار حياتها وحولت العنف ضد الذات(عنف جسدي ونفسي) إلى قوة دافعة للهرب ثم للنجاح، وهنا يكون مكمن جمال النص رغم الجمل المباشرة والواضحة عكس النصين السابقين(بقعة، جدار) كانت الجمل الرمزية فى النصيين السابقين أعلى، ولكن هنا المباشرة أوضح ورغم ذلك خدمت النص. 
...

دموع الأمل 


فى هذا النص لم نعرف من ضد من، وما أسباب الحرب والغارات ولكن الكاتبة ركزت بؤرة الحدث فى 
لم يكن يوما عاديا 
ولكنه كان أشد قسوة. 
( رصاص، مدافع،غارات )
العنف هنا فى هذا النص عنف خارجي من قوة خارجية، حرب ودمار. 
أحمل طفلا 
أرى مستقبلا آخر. 
( فإذا بصاروخ يسقط بيننا لنتناثر على جنبات الطريق )
( كتلة لحم حمراء، بقاء حفيدي على قيد الحياة )
فى النص 
يوجد قوة غاشمة تعتدي على ضعفاء دون أن نعرف أسباب الحرب ومن ضد من وعلى أي أرض تكون، ولكن من داخل العنف يأتي الأمل من الموت تخرج الحياة. 
(تحمل لى الأمل في المستقبل )
النص به مباشرة واضحة، وقصدية أن هناك مستقبل فيجب أن نتفأل رغم تفحم الأم يولد جنين جديد. 
وهذا يوازي حتى لو احترقت الأرض من الحرب والدمار فهناك الأمل فى المستقبل المشرق، وهذا واضح من العنوان(دموع الأمل ).
.....

روح 

------ 
(تلك المقبرة تسكنها روح امرأة سحارة ) خرافة. 
عنف غيببي خرافي تم توارثه جيل بعد جيل. 
(ذاع صيتها منذ مئات الأعوام )
تتزوج هذه السحارة الملك( لينصبها ملكة على البلاد تشاركه العرش )
(انجبت ابنا يقال انها حملت به من أحد شياطينها )
تأكيد الخرافة. 
(احرقوا القصر بمن فيه )
بعد أن طغت هذه السحارة هى وابنها الشيطان. 
نرى فى هذا النص عنف مقابل عنف. 
عنف السحارة/عنف الخرافة، يقابلها عنف الناس للقضاء عليها. 
ولكن الخرافة لا تموت ، فتتحول إلي خرافة أكثر غرابة وقوة
(يقولون أن روح تلك المرأة السحارة تجوب أرجاء المقبرة كل ليلة بعد غروب الشمس سعيا للانتقام )
فالعنف يولد عنف وهكذا دواليك، نخرج من العنف الأصغر للسحارة إلي العنف الأكبر. 
( منذ خرجت للدنيا وأنا اسمع نفس الحكاية )
وكأن الحكاية لا تموت هى تولد وتستمر بمولدنا وسماعنا لها. 
ولكن الرعب المستمر من شىء غيبي يؤدي إلي الهلاك..
(صدمتني سيارة نقل عابرة )
(طار جسدي فى الهواء ليسقط هامدا على أعتاب المقبرة )
هذا النص يطرح لنا مشكلة من المشاكل الميتافزيقية الموت مقابل بقاء الخرافة. 
لم يفكر أحد طوال النص فى البلدة أن يعرف لماذا يموت الشباب عبثا؟
ولكن جعلوا قوى غيبية هى التى تحكم المسألة، وربما تكون هى أسطورة من الأساطير القديمة عن اللبؤة حامية القبور أو أنوبيس إله المقبرة. 
وذكاء الكاتبة أنهت النص بالحل العبقري(صدمتني سيارة نقل عابرة ) أنها لم تمت من السحارة كما يدعي الجميع، ولكنها ماتت نتيجة عبثية. 
الهلع والخوف الكبير هو الذى أدى إلى هذه النتيجة وقتلت الخرافة دون أن تعلن للناس عن ذلك، وسوف تستمر الحكاية إلي مئات السنين القادمة، لأنه لم يتم الكشف عن الحقيقة. 
....

صوت يخترق الجدار 

----------،----------------- 
( امتهان الغناء عيب لا يصح لفتيات العائلات المحترمة )
( اندلعت نار غضب والدي علي )
العنف هنا فى هذا النص، عنف معنوي كبير ليس للبنت ولكنه عنف طبقي اجتماعي فكري. 
( أول مرة يرفع فيها والدي يده علي )
لماذا؟
لأنها ببساطة تريد الغناء، والذهاب إلي معهد الموسيقى. 
ولكن الأب والأم معا يرفضان. 
تحول العنف إلي عنف جسدي للخروج عن الأفكار والتقاليد والصورة الذهنية عن فكرة العائلات المحترمة. 
تسمع الغناء نعم. 
لكن تغني لا. 
تضامن الأم مع الأب فى مفهوم الفكرة 
(الخيار بين الأب والأم والحلم )
الغناء انتقاصا لرجولته وإهانة لكرامته. 
.....

طيران 

-------- 
يا فشلة 
تنمر( افزعني هذا النداء، وسحبني عميقا )
عنف نفسي(مجموعة من الشياطين يلاحقون فتاة صغيرة )
عنف جسدي( تختبيء خلف سلال المهملات وفى دورات المياه )
النتيجة( لا تنتظرني، سأطير )
النهاية المفتوحة هنا تعطى احتمالية الانتحار أو ترك الزوج داخل العربة على الكوبري. 
ورغم أنه تزوجها وتغزل فى تخنها ولكنه تحول مثل الأطفال بعد ذلك وقال لها يافشلة مثلهم. 
....

الكاتبة سارة الليثي من خلال هذه المجموعة الصغيرة تأخذنا إلي عالم المرأة بكل أنواع وأشكال العنف. 
ورغم أن هناك من كتبوا كثيرا فى هذا الموضوع إلا أنها تتميز بصوت خاص لها.

Post a Comment

أحدث أقدم