في معنى القوة والضعف : 



جمال مقار يكتب: في معنى القوة والضعف،أحمد فؤاد نجم، تشيكوف، بقلم: جمال مقار - بانوراما أدبية، بانوراما أدبية، فن كتابة القصة- فنون الكتابة- قصة قصيرة، شعر، رواية، مسرح، سينما، دراما، أفلام، أغاني، فنون، مقالات، دراسات، أقلام، كتب، كتاب.


1 ـ يقول أحمد فؤاد نجم في قصيدته عصفور وصياد :
يا صياد الطيور يا خال صباعك عن زناد الموت
د انا عصفور ضعيف الحال ولا اقديش عيالك قوت 
ودنيا تخاف من القوه 
وجو الدنيا مش هو .



جمال مقار
جمال مقار يكتب: في معنى القوة والضعف، أحمد فؤاد نجم.



2 ـ في أخريات عام 1973 كنت جالسا في أتوبيس 300 بشرطة عين شمس / التحرير تمهيدا لركوب ميني باص 13 باب اللوق/ زمالك؛ في محاولة شبه يائسة للوصول إلى ( معهد التجارة الخارجية وأشياء أخرى خفية ) في الزمالك ، ومن عاش تلك الأيام عاش عددا من الملغزات والمعجزات مثل الوصول إلى معاهد الدراسة أو العمل بنجاح في ظل أزمة مواصلات طاحنة وإشارات مرور صاحنة ، حينها كنت فتى مثاليا غارقا في أحلام عجيبة تعربد طيلة الوقت في عقلي ونفسي بجسد نحيل يبلغ وزنه 57 كيلو لايعوقني عما يشبه التحليق في سماوات مليئة بالغرائب ( ذلك قبل أن تتراكم عليه كميات من اللحوم و طبقات من الشحوم بلغت في بعض الأحيان ضعف ذلك الوزن ) فأترجم هذه العجائبيات إلى قصائد عرجاء أرسلها إلى مجلة الجديد بتاعة رشاد رشدي التي كنت أتابعها منذ صدورها في عام 1972 على أساس أنها منارة الفكر الحر أو الخر لتنشر في بريد القراء يعلق عليها المحرر : الصور مدهشة لكن القصيدة تفتقد للوزن ...

 مع بعض نصائح لا أدري أن كانت قد أفادت أو لم تفد ، وأذكر أنني في إحدى المرات كنت أجلس ـ بعد قفزة بهلوانية ـ نلت فيها مقعدا في مؤخرة الباص وفتحت مجلة الجديد لأقرأ مقالا عن أنطون تشيكوف ، وكنا قد وصلنا لإشارة رمسيس ( يعني معاك ربنا وعدد غير معلوم من الملائكة لما الإشارة تفتح بعد ساعة إلا ربع ) 
قرأت إن رجلا قوي البنيان صفع عاملا بسيطا في الميناء صفعة مدوية، وكان تشيكوف واقفا ، فاستثاره الموقف، فما كان منه إلا أنه توجه للرجل القوي وقال له: 

ـ أنت لم تضرب هذا الرجل أنت ضربت تشيكوف .


   وبينما كانت الدموع تراود مقلتي سمعت صفعة مدوية، التفت إلى الزجاج فرأيت بجانب الأتوبيس رجلا شابا قويا يمور جسده بعضلات ومجانص يصفع رجلا عجوزا بائسا لأنه صدمه بعجلته الهوائية( دون قصد ) ولما كان هناك متسع من الوقت بسبب الإشارة تركت المجلة وكشكول المحاضرات ـ التي لم أحضرها أبدا ـ المفعم بقصائدي العرجاء ورسوماتي العجيبة ونزلت من الأتوبيس متوجها للرجل الذي نظر إلى متوجسا لكنني ما أن وقفت أمام تلك الكتلة من العضل حتى ثغوت كالعنز:
ـ أنت لم تضرب هذا الإنسان؛ أنت ضربتني أنا .
فإذ بالشاب ينفجر في الضحك وهو يدفعني بكفه قائلا: 
ـ طيب روح أحسن لك.

ورأيتني أتفق معه في اقتراحه الودود أو وجهة نظره هذه، وقلت لنفسي ( أروح أحسن لي ) 
عدت أجلس في الباص حزينا خزيانا، التقطت المجلة ظللت أحملق في الكلمات لكنني لم أستطع أن أقرأ شيئا بل تتابعت في مخيلتي صور كثيرة وأراء متضاربة بعضها يقرعني بقسوة:   
ـ أنت تدخن ثلاث علب سجائر ولا تأكل إلى لماما، وعايز تتحدى مثل ذلك الثور..


لم أذهب للمعهد بل لففت بالأتوبيس وعدت إلى البيت، اشتريت من محل بائع الأسمنت الذي يقع أسفل البيت عشرة كيلوات أسمنت، وجمعت علبتين صفيح وسيخا حديدا غليظا وزلطا ورملا وصنعت خلطة وعبأت الصفحتين بالخلطة وغرست فيهما السيخ الحديد ، وتركتهما لليوم التالي الذي توقفت فيه عن التدخين ، ولثلاثة اسابيع انصرفت عن الأفكار والخيالات ومجلة الجديد وتشيكوف إلى لعب الرياضة ورفع الأثقال، وفي كل يوم كنت عندما أركب الأتوبيس أتمنى أن أقابل ذلك الشاب القوي فأشتبك معه وأصرعه، لكن ذلك لم يحدث أبدا، ولما كنت قليل الصبر سريع الركون إلى الملل عدت إلى التدخين بشراهة، والآن لم يبق لي من تلك الأيام إلا بعض الذكريات البعيدة الغامضة والعلبتان الصفيح وأرطال من اللحم والشحم ومنفضة سجائر ممتلئة بالأعقاب وبقايا شطح وخيالات تعبق جو الغرفة كلما روادتني.

Post a Comment

أحدث أقدم