مجتزأ من رواية حَجَر بيت خلَّاف، محمد علي إبراهيم - بانوراما أدبية 




بانوراما أدبية: مجتزء من رواية حَجَر بيت خلَّاف، محمد علي إبراهيم - بانوراما أدبية- فنون الكتابة- قصة قصيرة، شعر، رواية، مسرح، سينما، دراما، أفلام، أغاني، فنون، مقالات، دراسات، أقلام، كتب، كتاب.




محمد علي إبراهيم



من عند المطار سأكون في محطة Charle De Gaul Etiol للمترو وسأستقل الخط رقم 1 مباشر باتجاه Chateau De Vincennes وأنزل بعد 6 محطات في محطةPalais Royal Musee Du Louvr، وعلى القلب أن يتحلَّى ببعض الأدب، فلا يسقط في حذائي الأسود ذي الرقبة الطويلة، فيختنق بين جلد الحذاء وقماش الجورب، على بعد خطوات من برواز جيو الأصلي، كل هذا الحجيج يهرول نحوكِ، وأعلم بيقين الروح أنكِ تنتظرين حضوري، اليوم هو الأربعاء والمتحف يعمل من العاشرة صباحًا حتى التاسعة مساءً، وأنا أول الزائرين، وكل الحجيج يتطلعون إلى الصعيدي الذي يدخل اللوفر بجلباب بلدي، وكِسرة عيش وورقة ملح، لم يتبينهما سوى جهاز نمُرُّ من خلاله قبل أن نصبح في بهو المتحف، صدِّقِيني يا جيو لم أسأل أحدًا عن مكانك، ورفضت عرض الباشا الكبير بأن يوفِّر لي مُرشدًا في سفري هذا، كنت أمضي نحو قبرك المؤقت بجاذبية الروح، هي من قادتني نحوك، وهي من أفسحت الطريق لي لأخترق جموع الحجيج، فلا يفصلني عنكِ سوى غطاء زجاجي رقيق يضعه الحراس حتى لا يسرقك لص مثل "بيروجي" الأحمق؛ ليس أحمقَ لأنه سرقك، بل لأنه باعك.

وكيف سأقول لجيو وأنا الآن أواجهها تمامًا: السلام عليك ورحمة الله، وأنا أحبها؛ لا مجال للسلام في العشق، والرحمة لمن لا يعرف الحب طريقا إليه، جيو، أنا أحبك كالمحاربين. ووالله العظيم كأنها تضحك لي، ووالله العظيم كأن وجهها احمرَّ خجلًا، والسائحون كانوا ينظرون لي ولجيو، وقال قائل منهم وهو يشير إليَّ: هذا مجنون بها، والمجنون قال: كيف ستخرجين من البرواز؟ باسم الذي وهب المشيئة، وبرَّر الحقيقة، وزرع الخشخاش، ومنح البحر صخر المرجان، بحق الصعيد وسحر الجريد، ومينا وسيد أبو سباق، كوني حقيقة وكوني سرابا.
أخرجتُ كِسرة الخبز ومزجتها بملح وقلت بسم الله على من خان العيش والملح، وأكلتُ وأكل الحجيج، وكأن جيو أكلت، وقال حراس اللوحة أننا شبعنا، وكسرة الخبز ما زال نصفها بيدي، وكما رسمت لكم لا توجد علامات تعجب في الرسوم الهيروغليفية، ومدد يا عبد الباسط يا أبنوبي.

ويقولون إنها التاسعة مساء فغادرنا المكان، ولم يكن السعي قد اكتمل، والطائرة تشق السماء باتجاه القاهرة، فرأيت جسدي خفيفًا؛ وعندما يصبح جسدك خفيفًا تستطيع السفر بلا سفر، وأقسم رجال المراقبة أنهم شاهدوا طيفًا يخترق اللوفر، ويستقر بسلام أمام لوحة دافنشي، عاديٌ جداً أن تقف أمام البرواز تستجمع روحك لتقول: أحبكِ، والأكثر عاديةً أن تشهق صورتها تصرخ: قلها ثانية ليزيد العشق بروحي، وأقسمتُ أنا سيد أبو سباق فرعون بيت خلَّاف أن العشقَ قادرٌ أن يجعلك من أهل الخطوة، ومدد يا آل سباق، يا أحفاد الزناتي خليفة والخضرة الشريفة، يا دياب، يا الجازية، نحن أصحاب الإمارة والأمارة، وقالت لي جيو: سيد هو عيني؛ فوقعتُ في الفخ، صرت لا أرى أحدا سواي، الذنب ذنبك يا عاشقي، لم يكن عدلا أن تعشقني بهذا الصفو.

وقلت لها لن أصنع تمثالًا من صلصال وأنفخ فيه؛ روحك حاضرة وسيحضر جسدك بيقين فرعون بيت خلَّاف. والجسد الخفيف يعود لمقعد الطائرة قبل أن تلامس عجلاتها أرض مطار القاهرة، وهنا تستطيع الشمس أن تشرق ليبدأ يوم جديد مما تعدون.

والباشا الكبير أقرع، ولا يكبر ولا يصغر، ثلاثون يومًا لم يتغير، ويده لا تترك بنورته السحرية، وشربت من الويسكي ملء نهر، ماؤه شهد مكرر، والباشا حاول أن يحافظ على وقاره، ثم حاول، ثم حاول، ثم فشل؛ فاتصل وقال لي غاضبًا: هل هذا الطيف طيفك يا ولد؟

عن سيد أبو سباق عن عبد النعيم وزينب وسعد أبو إسكندر عن عبد المريد والفقها وعبد الباسط الأبنوبي عن سيدي عبد الرحيم القناوي والسادة أحمد البدوي والفرغل وأبو الحسن الشاذلي عن الحكيم الترمذي وبتهوفن ودافنشي عن النفري والحلاج وابن عربي: أن العشاق أنبياء القلوب، وأجسادهم طيف، وسفرهم لا يوقفه زمن أو مسافة.

وتدلى فك الباشا الكبير السفلي كما أخبرني - قبل أن تنتهي الرحلة - وقال لي: لقد صرت خطرًا يا سيد، وأنا أحب الخطرين.
#حَجَر_بيت_خلَّاف

Post a Comment

أحدث أقدم