جلسة ملكية، قصة قصيرة: زكريا صبح
بانوراما أدبية: قصة قصيرة-جلسة ملكية: زكريا صبح -فن كتابة القصة- فنون الكتابة- قصة قصيرة، شعر، رواية، مسرح، سينما، دراما، أفلام، أغاني، فنون، مقالات، دراسات، أقلام، كتب، كتاب.
قصة قصيرة: جلسة ملكية
قصة: زكريا صبح
الولد الذى وقف سعيدًا يتخير زاوية لالتقاط الصورة لم يكن يعرف الفاجعة التى تنتظرنا ، والمرأة التى وضعت رأسها فى صدرى وبكت بينما كنت أحاول الاختباء فى أنفاسها المرتعشة ، كانت متواطئة دون أن تدرى ، ربما لانها ما عادت تذكر الماضى البعيد ،
وحدى أنا الذى لم أنس لحظة وقفت سعيدًا وقد جعلت الكاميرا السوداء التى اشتراها لي أبي بعد بكاء مرير ، وقفت متخيرًا الزواية التي التقط منها الصورة.
جلسة ملكية، قصة قصيرة: زكريا صبح - بانوراما أدبية، فن كتابة القصة |
زكريا صبح
كنت أداعبهم وأنا بعد قصيرًا ، ونحيفًا ، بينما كانوا يجلسون على حشائش حديقة الحيوان ، السياج الحديدى بعيدانه الخضراء يحول بيننا وبين حيوانات اليفة تمرح بحرية ، والاشجار السامقة هناك تتابع عن كثب ، وأبى الى جوار أمي فى جلسة ملكية ، وأخوتى الصغار مثل عصافير لم ينبت لها ريشا لا تقوى على الطيران وتخاف مغادرة مكانها ،
كنت اقف سعيدًا أداعبهم بينما أبي يبتسم ابتسامة عذبة ، وأمي تبتسم ابتسامة خجلة ، أبي يتكأ على مرفقه الأيسر مستندًا برأسه على كتفها الايمن ، وأمي تضع يدها على ظهر إخوتي محتضنة اياهم
التقطت الصورة التى ستظل معلقة إلى اليوم فى مسمار على حائط سماوى اللون فى منزلنا القديم ، كلما ذهبت تذكرت الذى كان.
الان يقف الولد الصغير الذى جائنى على الكبر ممسكا هاتفا ذكيا يسجل اللحظات ملونة مسموعة ،
هى التي اشارات إليه أن يفعل ذلك عندما أكون فى صدرها ، لو انتبهت لذلك لزجرته ، ونهوته ، أنا فقط انشغلت بما كانت تسر به أمي إلى ، قالت: اقترب ، فاقتربت ، جعلتنى فى صدرها وبكت، فبكيت ، اسرت إلي بقولها : مع السلامة فارتبكت ، لست ادرى لماذا تذكرت الذى كان ، فبعد عودتنا الى البيت تمدد أبي فى فراشه ونادى أمي ،فاقتربنا جمعيا وجعلنا فى صدره وقال : مع السلامة
صرخة أمي التى دوت فى فضاء بيتنا حملتها الملائكة وطافت بها ارجاء الارض ، اجتمع الناس الذين لم ارهم قبل ذلك والذين أعرفهم ، واصبح النحيب ايقاعا حزينا يؤلم الروح ، بعد أن علقنا الصورة التى التقطتها لهم فى الحديقة جعلت امى تنظر اليها وتبكى ، وتقول فيما تقول : كان لازم تصورنا ؟ أهي طلعت آخر صورة لأبوك
وانا بعد طفلا لا أعى غير الحزن الذى نشب اظافره فى روحى ،لا أفقه من كلام أمي غير أننى كنت سبب موته او على الأقل كانت الصورة التى التقطتها لهما هى سبب موته ، ولم يزل ذلك عالقا برأسى ، ولم أزل منتبها لئلا التقطت صورة لأمي ، أعرف أنها ستكون بعدها بجوار أبي ، عشت طويلا لا أحب الصور ، ولا الكاميرات وكلما وجدت صورتى فى مكان ما اتأملها بحزن شفيف وأقول فى نفسى لعلها الأخيرة ، ربما لهذا أهرب من التصوير أينما ذهبت ؟
لكنها تواطئت مع صغيرى الذى كان مبتسما ابتسامتى التى كانت لحظة التقاط الصورة القديمة ، كان صغيرى منشغلا بزاوية تليق ان تكون لقطة اخيرة فى حياتها ، لكنه لم يسمعها وهى تقول لى مع السلامة ، ولم يختبئ مثلى فى أنفاسها ، ولم يرتج قلبه فى صدره مثلما حدث معى.
الان وأنا اتأمل الصورة أراها مغمضة العينين ، ساكنة الأنفاس ، مستندة برأسها على كتفى ، ناظرا أنا إلى صغيرى فى ذهول ،كنت أشير إليه بما يعنى : لا تفعل،
بينما كان يظن أننا نلاعبه،
كلما نظرت إلى الصورة ونظرت إلى ولدي قلت فى نفسى ما قالته لي أمي منذ أربعين عاما : كان لازم تصورنا ؟؟ أهى طلعت آخر صورة.
إرسال تعليق