قصة قصيرة 


حديث إلى الله 



قصة قصيرة: حديث الى الله، زكريا صبح.
قصة قصيرة: حديث الى الله، زكريا صبح.


زكريا صبح



أنا لم تحدثني نفسى  بأسئلة شيطانية ، ولم تلمس قلبي وساوس ابليسية،  
أنا استجبت للرجل الذى قال صلاة الجنازة أربع تكبيرات ، كنت قد دخلت المسجد كي أصلى الظهر ، فكرت  أن أصليه قبل  صلاة الجنازة ، لكن -وربما أكون مخطئا - قررت أن أصلى على من حضر من الموتى ثم أصلى الظهر لا حقا ،  سمعت الإمام يدعو الله أن يكون ذخرا لوالده ، أخذتني المفاجئة، مسة نصل حاد مست قلبي ، جزع بطعم العلقم سكن حلقى ، دوار لفنى ولف بي فما عدت ادرى هل اقف على قدمي ام على رأسي ،  خاطر  لمع في رأسي ذكرني بأنني لم ار النعش  ومع ذلك وقفت في الصف طائعا، 

لحظة وقفت في الصف حمدتك يا الله ، وانت اعلم  بحالي ،  احسست كأنه استدعاء عاجل لعبد مثلى كي يدعو بالرحمة لميت فقد كل الحيل، وانا يا الله ابذل قصارى جهدي في الدعاء ربما أكون سببا في نجاة الذى رحل ، كانت عيناي تبحث بين الاقدام عن الجسد الممد امامنا ، عدت الى الخشوع ولم اسأل نفسى اين النعش؟

قال الامام : السلام عليكم ورحمة الله ،  انسلخ شاب من الصف الأول منطلقا نحو منبر المسجد الخشبي ، مال الى الأرض ورفع لفافة صغيرة  ، احتضنها برفق ، قبل اللفافة  وانخرط في البكاء ، ثم  سار  نحو باب المسجد بلا وعى ،  نظراته كانت تقول انه تائه ،  
انا يا الله لم يكن لي ان اسأل  لماذا جاء الطفل ولماذا رحل ؟ واستعذت بك من الشيطان عندما حاول ان ينفث سم تمرده في أذني قائلا : لماذا يلتاع شاب في مقتبل العمر  ويفجعه الرب بموت صغيره؟ 

استعذت بك منه ، لكنى انهرت باكيا ، سرت عكس اتجاه الشاب الذى يحمل جثمان صغيره ، أغمضت عيني على الشاب يبتسم لصغيره ، ثم يمعن النظر بشفقة على فراق حتمي ، اعلم ان قلبه الان يتمزق ، واحلامه تتسع حتى كأنه يراه  حيا يداعبه ، يناغيه فيبتسم الصغير له ، يمنى نفسه بونس حضنه ليلا ، يقول في سره لن انهرك اذا بكيت ،لن أغضب من صراخك ، عد وأفعل ما شئت ،
وانا يا رب   درت حول نفسى كمن أسقط في يده ،  هل أصرخ ؟ هل أبكى ؟ هل أضرب الأرض بقدمين غاضبتين؟ 

ربما تغفر لي يا الهى لو فعلت ذلك فقد كانت اللحظة التي انصرف فيها المصلون إلى ما يشغلهم تاركين الشاب يواجه شمس الظهيرة التي تنتظره خارج المسجد ربما كانت لحظة قاسية ، خلت نفسى مكانه ، فبكيت بحرقة اشد ، ولما سمعت نحيب امرأة كانت تنتظر  الانتهاء من صلاة الجنازة ضربت الأرض بقدمين غاضبتين لأنني لا أملك ان اقنعها  بحكمة الرب و الرحمة الكامنة في العذاب المستعر في قلبها،  

أنا يا الله كنت بحاجة لمن يربت على كتفي ، ويضع رأسي في حضنه ، ويبكى لأجلى ، لكنهم جميعا التفوا حول الشاب يواسونه  ونسوني، 

أنا يا رب كنت دائخا ، اتخبط بين جدران المسجد حتى سقطت مغشيا على ،  رأيت احداثا جساما كأن  الحجاب ارتفع ، سبقت الجميع الى المقابر  فوجدت حارس المقبرة قد  فتح الباب  وجمع حفنات من تراب ووضع في وسطها الماء ،  وسقى الصبار الذى يونس الموتى  ببعض الماء ونضح الباقي على تراب الممر الضيق فسكن  الغبار ،  لم يقو الشاب ان يلج المقبرة وحده ، لما رأت زوجته المشهد  سقطت وتمددت متشنجة  ، استجمع الشاب شجاعته ودخل المقبرة وتناول الصغير ، ساعده التربي ببراعة من اعتاد  الموت والدفن  ، اغلق الحارس المقبرة وربت على كتف الشاب الذى كان يسند زوجته التي كانت تعض اصابعها حزنا على وليدها ، 
افقت من إغماءاتي فوجدت المسجد خاويا ، أنا يا رب لم أصطنع الغيبوبة التي سقطت فيها ، أنا لم اكن لأهرب أو أمتنع عن الذهاب للعمل  اعتراضا أو سخطا. 

أنا يا الله سقطت مغشيا على لأن قدمي لم تعد تحملني، وعيني لم تكف عن البكاء ، أنا لم أتبع الجنازة لأنني غبت عن وعى باللحظة ،  
أنا لم أصل الفريضة لأن روحي ذهبت مع الركب الحزين لوداع الصغير الذى كان في اللفافة بجوار منبر الخطيب ، 
لما دخلت  بيتي لم أستطع ان أقول أنني عدت متعبا  حزنا على ما حدث.


1 تعليقات

  1. تفتكر 🤔 الاحساس ده بسبب الحدث نفسه أم بسبب الطريقة التي يدفن بها المسلمون أمواتهم ، فقد لاحظت ان المسيحيون يحرصون على تدوين اسماء موتاهم على قطع من الرخام ، جايز لانهم أرادوا ان يقولوا ان حياتهم في معاناة الدنيا فرقت ؛ الاسلام لغى الحتة دي ؛ اعلى من الشهادة عن تقديرهم لحياة البشر المليئة بالارهاصات . حياة المسلمين ( اللي انا منهم ) اتكسر فيها حاجات كتير وتعمدت المدافن اغفالها

    ردحذف

إرسال تعليق

أحدث أقدم