مسرحية رجل الأقدار، جورج برناردو شو
محمد مندور ينتقد مسرحية المومس الفاضلة ومسرحية رجل الأقدار في مجلة البوليس 7 ديسمبر 1958
بقلم: محمد مندور
وقدمت فرقتنا القومية مع المومس الفاضلة مسرحية أخرى من فصل واحد للكاتب الأيرلندي الكبير چورچ برناردو شو وهي مسرحية رجل الأقدار، فأصابها هي الأخرى ما أصاب المسرحية الأولى من غموض في الهدف الذي لم يستطيع المخرج ولم يستطع الممثلون معرفته، لأن ذلك يحتاج إلى الإلمام بمنهج شو الفكري وطريقه استخدامه لهذا الملك فقد خرج المشاهدون من هذه المسرحية أيضا وهم يتساءلون عن الهدف الذي قصد إليه المؤلف ولم يستطع العرض أن يبرزه فكانوا يتساءلون هل هاجم شو نابليون في هذه المسرحية، ورفض أن يعترف بعظمته أم أنه يمجد نابليون ويرى حقا رجل الأقدار بالقياس إلى من ظهروا معه من ضباط.
والواقع إن شو كان أرهف وأدق من أن يسخر أو يمجد نابليون و شو بوجه عام رجل إنسانية وسلام وهو لذلك لا يقدس رجال الحرب، ولكنه مع ذلك لا يسخر من العظمة، وهو في نفس الوقت لا يؤمن بكثير من الخرافات المنتشرة التي ترى العظمة في الانتصارات الحربية ويعتقد أن نابليون الذي رأى فيه عدد كبير من البشر رجل الأقدار قد كانت فيه جوانب ضعف صارخة، فليس صحيحا ما كان يزعمه نابليون من إنه الرجل الذي ساقته الأقدار لكي يحرر البشرية وينشر في العالم كله مبادئ الثورة الفرنسية بحد السيف، وإنما صحيح أن حكم نابليون كان نكسه رجعية للثورة، وأنه لم يعمل إلا لمجده الشخصي المشرف الطموح، وأنه كان رجلا غليظ القلب، لا يتردد في أن يتخذ من دماء الابرياء حبرا احمر يوقع به على أوراقه،
كما أن شجاعته المدعاة لم تكن تظهر ككل شجاعات الحرب إلا وقت الخوف على الحياة والشعور بتهديد قاتل ينصب عليها، وهو فوق كل ذلك من الضعف بحيث يرهب الحقيقة التي تمس حياته الخاصة وسلوك زوجته، وأمثال ذلك من النقائص التي يعبر عنها شو، لا بأحداث ضخمة، ولا بانقلابات مسرحية، بل بلمسات تعبيرية خاطفة، ومفارقات بالغة الدقة، ولكنها في مجموعها كفيلة بأن تسلم هالة العظمة والقداسة التي يحيط بها الشعب نابليون وأمثاله من رجال الحرب ذوي الطموح المصرف الغليظ القلب.
وإذا كان قد سخر في هذه المسرحية من الإنجليز ونفاقهم وشهر بهم فإن كل هذا إنما جاء عرضا في المسرحية، ولربما يكون الجمهور قد ارتاح الى هذه السخرية المحقة، ولكننا مع ذلك نخشى أن يكون المخرج والممثلون والجمهور على السواء قد فاتهم الهدف الأساسي لشو في هذه المسرحية، وهو السخرية من الإيمان الشعبي أو على الأصح الإيمان البرجوازي بعظمة رجال الحرب وعلى رأسهم نابليون، وذلك بواسطه تلك اللمسات الإنسانية الخاطفة التي نخشى أن تكون قد افلتت من المخرج والممثلين والجمهور على السواء وكان من واجب المخرج والممثلين ان يبرزوها للجمهور وأن يعينوه على التقاطها
وهكذا نخلص من الحديث عن هاتين المسرحيتين بنتيجة هامه هي أن إخراج مثل هذه المسرحيات الفلسفية العميقة تتطلب من المخرجين والممثلين ثقافات واسعة ودراسة جدية حتى ينجح عرضها وتبرز سماتها الأساسية وأهدافها الرئيسية،
وهناك حل عملي لمثل هذه المشكلة، وهو أن تشترك لجنة القراءة أو مندوبون عنها في دراسة مثل هذه المسرحيات العالمية وإيضاحها وإبراز سماتها وأهدافها مع المخرج والممثلين قبل البدء في عرضها على الجمهور.
إرسال تعليق