قراءة في رواية ( فيلة سوداء بأحذية بيضاء )
للكاتبة الكبيرة سلوى بكر
قراءة لرواية ( فيلة سوداء بأحذية بيضاء ) للكاتبة الكبيرة سلوى بكر Salwa Bakr |
بقلم مي مختار
تتنازل كثير من النساء عن حقوقهن أمام أزواجهن خوفا من مستقبل غير معلوم واستمرارا لحياتهن حتي لو أدى الأمر بهن إلى تحملهن كل ألوان الضغط النفسي والقهر ، والزوجه التي تخرج من بيئه لها عادات وتقاليد وموروثات قديمه " الناس يقولو علينا ايه وانتي جايه متأخره بالليل لوحدك ..لعبة الجمباز متنفعش للبنات .. رقص ايه وكلام فارغ ايه ..
روحي امسكي لك كتاب " هي أغلب الظن اكثر الزوجات مغلوبة علي أمرها ودوما مستسلمة للسكوت والرضا بالمقسوم ، التنازل يقتل طموح المرأه وهو ماعانت منه ( عفت زين ) الفتاة المتمردة المتفتحة علي الحياه بدءا من رغبتها في الالتحاق بمعهد التربيه الرياضيه حبا في لعبة الجمباز وحلمها في امتلاك صالة لفن الرقص لولعها الشديد بالراقصه فريده فهمي بطلة فرقة رضا في الستينيات، وبداية التنازلات بعد زواجها من ( حسام) لتشعره بالطمأنينة والسكينة خاصة في عدم وجود طفل بعد مرور سنوات من الزواج بدأت في بناء عش الزوجية واختيار الأشياء المتعلقه باحتياجات المنزل هي تشير إلي شيء وهو يعارضها ويشير الي آخر بأنه الأجمل فتوافق علي الفور ،
ويرتفع سقف التنازلات من جديد أمام إصراره علي أرتداءها الحجاب وأمام محاولات للرفض من جانبها " علشان الحياه تمشي" ارتدت ( بونيه) فوق رأسها وهنا تنتبه عفت ان سنوات عمرها تجري من تحت قدميها وخاصة بعد أن فرض عليها زوجها ارتداء النقاب وأن تترك عملها كمدرسة للتربيه الرياضية فتثور وتنطق أخيرا بكلمة " لا " بعد تنازلات عديده تنتهي بأن يلقي بها زوجها خارج منزل الزوجيه والا تعود مره أخري الا بشروطه هو " ارتداء النقاب ، وترك عملها " وهو مالم توافق عليه عفت ابدا ،
وما بين القيود والتحرر وحب الحياه وعشق الحريه عبّرت ( عفت ) في مشهد يبدو للقاريء عادي جدا ولكنه كان تعبيرا عن تخلصها من قيد علي عقلها " البونيه" عندما اطاحته بعيدا عن رأسها ليقع علي الارض ولم يصل للتسريحه التي قذفته بأتجاهها ،
وتعود عفت لمنزل عائلتها بعد الطلاق لتصطدم بحال اختها الكبري ( عفاف ) الفتاه اللطيفة والتي كانت تهوي قص الفساتين بباترونات مجلة حواء واقصي طموحاتها عريس وسيم يقع في غرامها ، أصبحت ترتدي الجلباب المجرجر وعلي رأسها إسدال هي أيضا تنازلت عن احساسها بالجسد وبالذات وتخلت عن فساتينها الجميله ذات القصات المبتكرة من صنع يدها، جميعها تنازلات أقدمت عليها المرأه في مجتمعاتنا الشرقيه خوفا من شبح زواج زوجها بأخري ،
تأخذنا الأستاذه سلوي بكر في هذا العمل المميز الي قضيه أخري للإجابه عن السؤال ... هل غشاء البكاره له علاقه بالأخلاق أو العفة؟ ...بطلة العمل ( عفت ) كانت تمارس لعبة الجمباز ايام المدرسه وتعشقها وهو ماكان له مردودا عنيفا عند اكتشاف زوجها حسام عدم عذريتها ليلة الزفاف وجن جنونه وعرضها علي طبيب امراض نساء ولم يهدأ الا بعد أن اقنعه الطبيب ان غشاءها ربما تمزق بسبب حركة عنيفة كونه ضعيف جدا نظرا لممارستها لعبة الجمباز،
ترك الأمر اثرا نفسيا سيئا علي عفت وجعلها في صراع نفسي مرير " هل اعتدي أحدهم علّي دون أن ادري في طفولتي ؟ " ، ومن جهة اخري وعلي النقيض تماما تروي لها صديقتها المقربه ( هدي ) ان ذلك الأمر لو حدث في قريتها هناك طرق جهنمية " قماشه بدم ارنب ، أو حمامة مذبوحة " في عتمة ليلة الزفاف وتنتهي الليلة بسلام بعيدا عن أعين الزوج.
ويبقي السؤال .. هل الشرف بيولوجي نولد به؟
استوقفني أيضا في هذا العمل الروائي من ضمن موروثاتنا القديمه التي كانت تدخل البهجه والسرور في قلوبنا " سبوع المولود" ودق الهون وابريق السبوع والمنخول واكياس السبوع الممتلئة بالفيشار والسوداني واعواد الخروب حيث تبدل كل هذا مع زحف الوهابيين الي مجتمعنا الهاديء وتشدق المدعين بالحلال والحرام انها بدعه ليحل محلها " العقيقه" وذبح الخراف وتوزيع اللحوم علي الفقراء وتحول العديد من النساء من طبقة سيدات المجتمع الراقي الي فقيهات ومُفتيات وشيخات في مجالس لدروس الدين كموضة جديده كسائر الموضات التي تلهث خلفها النساء وكنوع من استعراض الثراء والابهار مما يرتدونه من عباءات حريريه وارد الخليج باهظة الثمن ومجوهرات وحُلي ثمينة، هن في عالم وسيدات المجتمع الكادحات في عالم آخر ، وبعضهن اشبه بفيلة سوداء في لباسهن الأسود ينتعلن احذيه بيضاء " كوتشي ابيض.
الجمال الحقيقي هنا مصدره الاحساس بالذات ولنتذكر دوما ان الانثي انسان.
مي مختار
إرسال تعليق