كتاب زورق من الورق
عرض المبادئ العامة لأنثروبولوجية المسرح
الكاتب والمخرج المسرحي إيوجينيو باربا
ترجمة د. قاسم بياتلي
الفصل الثالث، ج2
ماذا يحدث بالضبط ؟
إن التوازن - أي قدرة الانسان على الوقوف بانتصاب والسير في الفضاء بهذه الوضعية - هو عبارة عن نتيجة لمجموعة من العلاقات والانشدادات العضلية لجهازنا العضوى. وعندما نقوم بتوسيع حركاتنا من خلال القيام بخطوات أكبر من الخطوات الاعتيادية، أو نجعل الرأس ماثلا نحو الأمام أو نحو الخلف قليلا - نجد توازننا في حالة مهددة. وعندما تدخل سلسلة من الانشدادات العضلية الأخرى في فعل لكي تجعلنا نتجنب السقوط.
إن كافة تقاليد المايم ( الممثل الصامت الجسدى ) الحديث تستند على اللاتوازن (diséquilibre) ، من أجل توسيع الحضور المشهدي .
ومن شاهد عرضا لـ : مارسيل مارسو ، (Marcel Marceau) من المؤكد أنه قد توقف قليلا لينظر باعتبار لذلك القدر الغريب من المايم الذي يظهر على خشبة المسرح للحظات معدودة، ما بين مقطع وآخر، وهو يمسك بيده لائحة تعلن عن المقطع الذي سيقوم مارسيل مارسو بأدائه.
وقد روى بيير فيرى (Pierre Verry)، وهو الذي يقوم بمسك تلك اللائحة بيده في عروض مارسيل مارسو ، روى كيف أنه يبحث عن بلغ أقصى درجات حضوره المشهدي في تلك اللحظات المعدودة التي يظهر فيها على خشبة المسرح ، ودون أن ينبغي - ولا ينبغى عليه - أن يفعل
زورق من الورق
أي شيء آخر . فمن أجل أن يحصل على نتيجة، خلال هذه اللحظات القليلة من ظهوره، يقوم بالتركيز على ضرورة بلوغ « توازن متردد» (equilibrio Labile غير مستقر )، وهكذا كانت وضعيته : (Posa) الساكنة تصبح نوعا من اللاحركة الديناميكية، وهكذا كان بيير فيرى مجبرا، لعدم وجود شيء آخر يفعله، على القيام بحصر نفسه فيما هو جوهري، وأن يكشف عما هو جوهري في تغير التوازن (٤) .
عندما نقف على أرجلنا لا يمكن أن نبقى بدون حركة. حتى وإن كنا نعتقد أننا لا نتحرك، هناك عدد من العضلات الصغيرة جدا التي تقوم بنقل ثقل جسدنا من جانب الى جانب بين الحين والحين، وتلك عبارة عن عملية مستمرة من أجل تعديل الثقل لجسمنا، ولهذا نرى هناك انتقالا دائما للنقل تارة على الجانب وتارة نحو الأمام ومرة أخرى على الرجل الخلفية، مرة على اليسار ومرة على اليمين، مستندا على هذه الرجل أو تلك، وحتى في حالة إنعدام الحركة اطلاقا، فهناك حضور لذلك العالم الحيوى المصغر، وتكون هذه العملية أحيانا محصورة الرقعة، وأحيانا أخرى أوسع، وأحيانا تكون خاضعة للمراقبة والسيطرة، ومرة أخرى بدون سيطرة، نسبة الى وضعيتنا البدنية، وعمرنا ومهنتنا.
وهناك بعض المختبرات العلمية المتخصصة في تحليل أمور التوازن وقياساتها، نتيجة للضغط الحاصل لوضع القدمين على الأرض: ونستنتج من ذلك، كم هى معقدة ومتشابكة عملية الحركات التي نقوم بها من أجل البقاء واقفين على أقدامنا بانتصاب! وباستطاعة كل واحد منا أن يرى ذلك في قراءته للمؤشرات التي تظهر في ( الديجرامات ) القياس لذلك.
وقد تمت العديد من التجارب مع ممثلين محترفين، وعندما كان يطلب منهم أن يتصوروا أنهم يحملون ثقلا ما، أو يركضون، أو يمشون يسقطون أو يقفزون، وجراء ذلك التصور ذاته كان ينتج - يحصل - تغير مباشرة في توازنهم، في حين لم يكن يحدث ذلك مع أشخاص آخرين ولا يحصل أى تأثير على توازنهم، لأن تصورهم كان يبقى محصورا في مجال التفكير دون أن ينتج عن ذلك أى تغير بدني ملموس (٥) .
وكل ذلك بامكانه أن يقول لنا الشيء الكثير عن التوازن ، وعن علاقة العمليات الذهنية والانشدادات العضلية ، ولكنه لا يقول لنا شيئا جديدا عن الممثل، وفعلا، لو قلنا ان الممثل قد تعود على السيطرة على حضوره، وأنه يقوم بترجمة الصور الذهنية الى اندفاعات بدنية، فإن ذلك يعنى، ببساطة، إن الممثل هو الممثل، ولكن تلك الخيوط المتشابكة التي تكشف عنها المختبرات العلمية التي تقوم بقياس التوازن، وذلك العالم الحيوى المصغر يدفع بنا إلى بلوغ أثر آخر: هو ينبوع الحياة التي تقوم بتنشيط حضور الممثل.
وعود إلى مسرح النو، إن الروحانية التي تتميز بها عروضه المسرحية تتلون حسب اختلاف أساليب العوائل الأساسية للممثلين، وهذه الأساليب المختلفة كلها لها علاقة بتلك العمليات المختلفة التي يتكون منها التوازن «الثرى»، وهنا نحتاج إلى مختص في المسرح الياباني لكي يحدثنا عن ذلك:
بعد مشاهدتي للكثير من ممثلى العوائل المختلفة في مسرح النو، كان انطباعي هو أن هناك ميلا قليلا للجسد نحو الأمام . ولكن، قال لى شيرو (Shiro) ان هنا لدى عائلة كانزى (Kanze) وعائلة كونكو (Kongo) اختلافات ينفردون بها، ولهذا لا يمكن أن نعمم ذلك، فهناك ، مثلا، لدى عائلة هو شو (Hosho) نجد الجسد يميل إلى الارتكاز على الرجل الخلفية لیميل نحو الخلف قليلا، أما لدى عائلة كيتا (Kita) وعائلة کامبارو (Kamparu) فهناك تأكيد على طى الركبتين، بحيث يبدو الجسد وكأنه يهبط نحو الأسفل أكثر من كونه يميل نحو الأمام أو نحو الخلف، وكقاعدة عامة، قال لى شيرو، إن الميل الكثير نحو الأمام يجعل الجسد يبدو وكأنه غير مستقر، وذلك يحد من الحضور المشهدى للممثل، بينما الارتكاز على الجانب الخلفي يعيق من إمكانية دفع الطاقة نحو الأمام، وذلك يعنى، بالنسبة لى، أن على كل ممثل أن يجد بمفرده اللحظة الحرجة للميلان الصحيح لوضعية قامته المنشدة على القاعدة.
عندما يكون الشخص واقفا بانتصاب، اعتياديا، يكون ثقل الجسد موزعا بالتساوى على راحتى القدم، ولكن ذلك لا يحصل لا في مسرح النو، ولا في مسرح كيتا (Kite) ولا في ناکایو (Nagayo), وقد وضح أحمد الممثلين من عائلة كينا، في أحد دروسه التي قدمها في عام ١٩٨١ في معهد سومر (UCLA Summer Institut)
وضح أنه ينبغى على الثقل أن يضغط بإصرار على مقدمة القدم، وذلك ما سمعته أيضا من ممثلين آخرين، سواء في مسرح النو أو مسرح كيوكن (Kyogen)، ولكن شومارا شيرو قال لي أنه عندما يقف وهو منتصبا على رجليه، يضع ثقل جسده على كعب القدم [ ٠٠٠]. إن خصوصية تحويل نقل الجسد على الأقدام، والذي يمكن أن يكون نتاجا للسلوك الاجمالي للجسد، يمكن أن ينفرد بها كل ممثل حسب اعتباراته التي يجد فيها ما هو أكثر فاعلية (٦) .
إن الوضعيات الجسدية الأساسية الموجودة في الأشكال الكلاسيكية للمسارح الآسيوية، هي كلها أمثلة على الالتواء الواعي والمراقب للتوازن ويمكن أن نقول الشيء نفسه عن الوضعيات الأساسية الموجودة في الباليه وفي نظم المايم ( التمثيل الصامت) لدى ديكرو (Decroux)، حيث هناك ابتعاد عن التكنيك المعتاد للتوازن، وهناك توجه نحو نوع من التوازن ، الثرى، الذي يقوم بتوسيع انشدادات الجسد.
وقد ذكرت كل هذه الأمثلة لأنها توضح لنا ظهور التوازن الثرى للعيان أمام المتفرج، والذي يكون خاضعا لقاعدة دقيقة مشفرة بالنسبة للممثل. ولكن بعد هذه المبادئ نفسها، حتى دون أن تكون واضحة أو خاضعة لإدراك معين، نجدها لدى كل ممثل فعال، وحتى في المسرح التقليدي غير المشفر، حتى وإن كان أسلوب العرض بأشكال واقعية أو مخفية وراء البساطة الطبيعية .. «سيسألون إن كان المشي في المشهد يختلف عن المشى المعتاد. أجل، أنه يختلف، هكذا يبدأ تورزوف ستانسلافسكي حديثه في درسه حول البلاستيكية (Plastica)، مميزا بين مشية ( دبة) الممثل الدرامي والحركات المرسومة ( الكوريوجرافية ) للراقص. ومن ثم يوضح لنا الاختلافات ما بينهما وخطورة الاطناب - (المبالغة) في كليهما، مشخصا الضرورات التي تتطلبها البلاستيكية التي هي عبارة عن طاقة تتدفق من سر أعماق الوجود [ ۰۰۰ ]
وتجرى عبر شبكة لنظام عضلي، وتثير المراكز الحركية الداخلية، وتدفع الطاقة إلى التأثير الفعل الخارجي، وهكذا يستطرد في حديثه الطويل حول المشية ( الدبة) الصحيحة في المشهد، وعن الطرق الكفيلة بانمائها وتصحيحها : « وبكلمة أخرى، لنتعلم من جديد (ex novo) کیف نمشی في المشهد»
ويطرح تورزوف - ستانسلافسكي تمرينا بعد آخر من أجل توضيح ما يحصل جراء استخدام الأحذية المختلفة: أحذية النساء في الصين «الضيقة جدا بكعوبها القصيرة بدلا من الخف» وأحذية السيدات اللاتي يتعين أنفسهن اليوم جراء ( مودة غباء الكعب العالى ) . ويقوم بعد ذلك بشرح بنية الرجل والأقدام، والطرق المختلفة التي تطأ بها على الأرض، ومراحل الحركة عندما يتم فيها تحويل نقل الجسد من قدم إلى أخرى. وكيفية «الإنطلاقة في الفضاء» ولكن «نحو الأمام بشكل أفقى، وليس نحو الأعلى» ويحلل وظيفة الوركين والحوض ومهماتها الثنائية: الأولى هي مهمة تخفيف وطأة الدفع الجانبي وتليين حركة الجسد على الجنبين، والثانية هي مهمة دفع الساق بأكملها نحو الأمام عند القيام بالخطوة. ويروى بهذا الصدد حكاية مشهد بقى عالقا في انطباعه، وهو مشهد العساكر، حيث كان يرى طابورا من العساكر لا يظهر منه سوى الصدور والأكتاف والرؤوس، وكان العساكر لم يقوموا بالسير بل بالتزحلق على سطح أملس كليا .. وكان الجانب العلوى للجسد يطوف فوق خط الطابور، وبشكل أفقى، دون أن يكون هناك نط عمودي(۷).
وكان مايرهولد يؤكد على أن باستطاعته أن يتعرف على موهبة الممثل من قدميه، من ديناميكية وضع قدميه على الأرض، وطريقة تحرکه می القضاء. وكان يدعو الممثل إلى المشى بشكل نشط وأن يوظف ذلك ولبس لياقة المشى الذى يستخدمه البحار مترنحا على السفينة. ويتحدث بصدد أحد تمارينه عن «تجلى الرجلين » اللتين تكشفان عن ردود أفعال الممثل عند انتهاء الفعل (۸) . وكان يؤكد انه أكتشف القوانين الأساسية للحركة من خلال ملاحظاته لردود أفعاله في إحدى المرات عندما انزلق على طريق جليدي، حيث كان على وشك السقوط على جانبه الأيسر، ولكنه دفع، تلقائيا ، براسه وذراعيه نحو اليمين لكي يوازن ثقله (۹) .
كذلك كان مايرهولد يؤكد، أن كل حركة في البيوميكانيكا (biomeccanica) تقوم على بناء واع للديناميكية الموجودة ضمنيا في ردود الأفعال التلقائية ، وذلك هو الذي يحافظ على التوازن وليس شكل جامد ( استاتیکی ) ، أي من خلال فقدان التوازن والعثور عليه من خلال سلسلة من التعديلات المتعاقبة(۱۰) وذلك هو ما نجده في نفس مبدأ ( السقوط والاستعادة ) (fall /recovering) ( هد وشد- المترجم ) الذي كان يستند عليه دوریس همفری (Doris Humphery) في عمله وطريقته في الرقص: حيث يتم البدء بالمشى ومن ثم السقوط، وبعدها الإمساك بالثقل الذي يسقط.
وكان تشارلس دولين (Charles Dullin) المبتدئ يكرر باستمرار أنه من مميزات المبتدىء في المسرح هو عدم معرفته كيف يمشي في المشهد. ولهذا ، فقد قام بصياغة تمارين ومواضيع عديدة للارتجال حول كيفية المشى، ومن ثم قام بتحليل تأثيرات ذلك على التوترات ( الوتيرة tonicita) العضلية ، على الموقف الجسدى، والايقاع والنظرات (۱۱).
إن الأقدام هي مركز التعبير وهي التي تقوم بإبلاغ ردود أفعالها الى باقي الجسد(١٤) هكذا أكد جروتوفسكي، وهذا هو ما وجد أثره الملحوظ في التدريب الجسدي (training) حول التكوين، من خلال العشرات من التمارين بقصد انماء لياقة جسدية وديناميكية جديدة.
وهناك في مسرح الأودن تياتر عمل خاص يدعى كانجنيه (gangene)، وهى طريقة مجددة للانتقال في الفضاء للمشى ومن ثم التوقف، وذلك هو أحد مجالات عمل الممثل، التي يلجأ اليها باستمرار في تدريباته الفردية، بالرغم من مرور السنين الطويلة في العمل.
كانت سانجوکتا بنجراهی (Sanjiukta Panigrahi)
تقول وهى تتحدث عن رقص الأوديسي (Odissi) - وكانت تشير إلى مبدأ حياة الممثل - و إن تكنيك الرقص يستند على تقسيم الجسد إلى قسمين متساويين بخط يمر فيه عموديا، وعلى توزيع الثقل بشكل غير متساو، والذى يكون مرة على هذا الجانب وتارة على الجانب الآخر . . فالرقص يقوم بتكبير تلك الانتقالات الدقيقة والمستمرة المثقل وكأنه يضعها تحت المجهر. وتلك الانتقالات هي التي تجعلنا نقف منتصبين على رجلينا . وهي التي كشفت عنها المختبرات المختصة في قياس التوازن من خلال مؤشرات قياسية (diagramme) معقدة.
ورقصة التوازن هذه هي التي يكشف الممثلون عنها في مبادئهم الأساسية، وفي كل الأشكال المشهدية.
فای جا (Fei-cha) «أقدام تطير» : هذا هو ما يطلق على إحدى الخطوات الأساسية الموجودة في أوبرا بكين.
رقصة المتعاكسات (*)
(*) يمكن أن نقول - رقصة التضاد ، بدلا من رقصة المتعاكسات ، ولكني بسبب استخدام كلمة تضاد للابتعاد عن مفهوم التضاد في الجدل الفلسفي والاقتراب من المفهوم العملى للاتجاه المعاكس للحركة ( المترجم ).
إن المبادئ التي تبحث فيها، والتي تنبثق منها حياة الممثل، لا تأخذ بالحسبان التميز ما بين المسرح، والمايم أو الرقص، وهذا التميز ، بحد ذاته، قابل للتقلب (Labile)، وقد اشعار كوردن كريج، بعد سخريته من الصور المتعرجة التي يستخدمها النقاد في وصفهم الخصوصية طريقة مشى الممثل الإنجليزي الكبير ايرفنك (Henry Erving) موضحا، وبكل بساطة، أن ايرفنك لم يكن يمشى على خشبة المسرح، بل كان يرقص عليها.
وقد استخدم هذا التوضيح، ولكن بشكل معاكس، من أجل إفراغ محتوى بحوث ما يرهولد، حيث كتب بعض النقاد متحدثين عن عرضه « دون جوان» مؤكدين على أن هذا العرض لم يكن عرضا مسرحيا، بل رقصا للباليه، لأنهم لم يستطيعوا في حينها أن يروا ما كان واضحا بالنسبة لمايرهولد : أى لم يروا جوهر الحركة في المشهد، والتي تستند على المتضادات، التي حددها مايرهولد، فيما بعد، في البيوميكانيكا، وهذا هو ما يجمع ما بين كافة الأجناس، سواء أكانت مسرحا راقصا أم مسرحا تمثيليا، ولكن سنعود ونتحدث عن هذه «الباليه » - البيوميكانيكا - في الفصل المقبل.
«هل نرقص عندما نرفع عيوننا نحو الأعلى؟ وعندما لا تستطيع العين أن ترتفع أكثر، هل ترقص عندما نرفع رأسنا؟ كلا، إنها النظرات التي تأخذ طريقها السوى، ولكن لو أردنا أن نرى ما هو أبعد بكثير، ينبغى أن نطوى الرقبة نحو الخلف، ومن ثم يعقب ذلك بالتدريج الصدر الخصر والحوض ... أين يبدأ الرقص ؟ في الرقبة أم في الفخذ؟» (۱۳)
إن التميز الصارم ما بين المسرح والرقص يكشف عن جرح عميق. عن تقاليد فارغة تخاطر بدفع الممثل نحو البكم الجسدي باستمرار، ودفع الراقص نحو المهارة الفائقة (Virtuoso) . ويبدو هذا التميز لدى الفنانين في المسرح الكلاسيكي الآسيوى، نوعا من العبث، وهو نوع من السبت أيضا لدى الفنانين الأوروبيين في الأزمنة الماضية ، لدى المهرج
مثلا، ولدى ممثل الكومیدیا دیللارتی (Commedia dell'arte) وفي المسرح الاليزابيثي .
وبإمكاننا أن نسأل ممثل مسرح النو أو مسرح الكابوكي أن يقوم بترجمة مفردة «طاقة» إلى لغة عمله، ولكنه سيهز رأسه، لو سألناه أن يترجم لنا هذا التميز الصارم ما بين المسرح والرقص.
يمكن ترجمة مفردة «طاقة» - كما يقول ممثل الكابوكي ساوامارا سوجورو - بمفردة كوشي (Koshi) . وقال ممثل النو هديو كانزيه (Hodeo Kanza) : لم يكن أبى يقول لى أبدا : استخدم الـ « كوشی، أكثر ، وكان يقوم بتعليمى ما هو ذلك من خلال المشى، وكان يمسك بورکی اثناء السير، ومن أجل التغلب على المقاومة يكون الجذع مجبرا على الانطواء نحو الأمام قليلا، وتطوى الركبتان، وتضغط الأقدام على الأرض شاحطة بدلا من ارتفاعها مثلما يحدث في الخطوة الاعتيادية: إنها طريقة حرفية من أجل الحصول على المشية الأساسية في مسرح النو. فالطاقة باعتبارها كوشى ليست نتيجة لتغيير بسيط وميكانيكي للتوازن ، بل هي عبارة عن الشداد بين قوتين متعارضتين.
وفي مدرسة النو، في طريقة عائلة كيتا (Kita)، هناك استخدام لإجراءات حرفية أخرى، حيث ينبغى على الممثل أن يتصور إن هناك حلقة حديدية وضعت فوق رأسه ويتم سحبها نحو الأعلى، وعليه أن يقوم بمقاومة ذلك من أجل بقاء القدمين على الأرض، ومن أجل الإشارة الى ذلك باللغة اليابانية تستخدم مفردة (Hippari) ، والتي تعني : سحب شخص ما نحوك يقوم هو بسحبك نحوه، وتمدن هذه المقاومة للقوة (Hipperi) في جسد الممثل ما بين الأسفل والأعلى وما بين الأمام والخلف، ولكن هناك هيبارى أيضا ما بين الممثل والأوركسترا، وفعلا، فإن الممثل يقوم بإنجاز عمله بهارمونية غير متوافقة مع الأوركسترا، وأحدهما يبحث عن الابتعاد عن الآخر، ويقوم كل واحد منهما بمباغتة الآخر، وذلك من خلال كسر أحدهما زمن الآخر، ولكن بدون الانقطاع الكامل بينهما، لكى لا يضيع التماس بينهما، وتبقى العلاقة المتضادة الخاصة قائمة بينهما.
إرسال تعليق