عندما تكون الحياة مثل رواية فيلم أو حلم ...

(راوية الأفلام) للكاتب الروائي الشيلي "إيرنان ريبيرا لتيلير"



(راوية الأفلام) للكاتب الروائي الشيلي "ايرنان ريبيرا لتيلير"
(راوية الأفلام) للكاتب الروائي الشيلي "ايرنان ريبيرا لتيلير"




بقلم: شريف الوكيل


أسرة تضم خمسة أبناء وزوج وزوجة اعتادوا الذهاب إلى السينما مرة كل أسبوع فأصبح أسلوب حياة مميزا لديهم... لكن شاءت الظروف أن تحرمهم من هذه المتعة المحببة لهم بعد تدهور الوضع المادي للأسرة و مغادرة الأم منزل العائلة بشكل مفاجئ.
 مازاد من معاناة الأسرة أيضا إصابة الأبِ بعاهة مزمنة بحيث منعته من ارتياد دور السينما وحتى لا تنقطع المتعة التي تعودها مع عائلته قرر أن يرسل كل مرة أحد أولاده لمشاهدة الفيلم وروايته لهم بعد ذلك. 

لاحظ الأب أن إبنته ماريا مارجريتا لديها قدرة عجيبة على إعادة تمثيل أحداث الفيلم بعد مشاهدته، فكانت تتذكر الحوار الذي دار بين الممثلين وتعيد تمثيله مع تغيير في نبرات الصوت على حسب ظهور الشخصيات ثم أخذت فى تطوير موهبتها فأصبحت تستعين بأدوات موجودة في البيت وملابس كانت لوالدتها مما أكسبها  القدرة على الإقناع والإستمتاع.

ذاع صيت الراوية الصغيرة، فبدأ الجيران بالتوافد لسماع الأفلام التي ترويها ماريا إلى درجة صار بعض الناس يدعونها لتروي لهم أفلاماً في بيوتهم مقابل مبالغ معينة، لكن ذلك سبب لها مشكلة كبيرة، وبخاصة مع المرابي الذي اعتدى عليها وعلى براءتها، وكتمت الأمر عن والدها... هذه الطفلة تروي حكاية وجع حقيقي لأناس يعيشون البؤس في تلك البقعة الجغرافية البعيدة، تروي حكاية الاضطهاد والفقر والصراع الطبقي، حكاية الظلم والدكتاتوريات كانت تلك الحورية هي البطلة المتعددة والتي أبهرت بتقمصها لشخصيات متنوعة الحضور . 

تقول ماريا "لم أكن أروي الفيلم، بل كنت أمثله، بل أكثر من ذلك كنت أعيشه."  

تغيرت حياة الأسرة من الرتابة إلى الحركة فأضفت ماريا إلى البيت روحا ودفئا جديدين كانوا قد فقدوه برحيل الأم وتركها البيت فجأة. 
تم تقسيم الأدوار على الأخوة الذكور كل له مهمته، فهناك من يقف بباب المنزل يهتم بإدخال المتفرجين وأبعاد المتطفلين عن الباب وعن الشبابيك وهناك من يهتم بتجهيز الديكور والمسرح لماريا، وأما البقية فمهمتهم هي تنظيم الوافدين وإرشادهم إلى أماكنهم كل حسب مركزه في المعسكر السكني... وبعد انتهاء العرض كان البعض من المتفرجين يتكرمون بدفع مبلغ صغير للعائلة كثمن رمزي على مجهودهم ومتعة المشاهدة. 

لكن فتاة مثل ماريا مارجريتا الرقيقة لاتستطيع الصمود في أرض لا تنتج إلا الملح خاصة بعد أن توفي والدها فتدهورت حالة العائلة وتشتت الإخوة وراح كل في سبيله تاركين ماريا تواجه مصيرها بمفردها... وتدور عجلة الزمن ليحل على المعسكر الشيء الذي سيقضي نهائيا على المستقبل المهني لماريا وهو ظهور التلفزيون، مما ساعد على تلاشي حظوظ الراوية في إيجاد مستمعين لأفلامها، فالكل أصبح مهووسا بذلك الصندوق الجديد السارد للحكايات... 

ونسى الجميع تلك الحورية التي كانت بمثابة النسيم العليل الذي يهب على المعسكر في أيام الحر القائظة فتخرجهم من عالم البؤس والكآبة إلى عالم من سحر الحكاية، كما أيقظت فيهم مشاعر كاد أن يقضي عليها فيتحولون إلى مجرد آلات بشرية مات فيها الشعور بالفرح والمتعة. هكذا هي راوية الأفلام حورية صغيرة آتية من أسرة شبه معدمة أصبحت بفضل ما تتقنه من سرد وحركة حديث أهل القرية .

Post a Comment

أحدث أقدم