جمال مقار يكتب: خبراتي مع الكتابة

موقف لا ينسى مع يحيى الطاهر عبدالله


جمال مقار يكتب: خبراتي مع الكتابة وموقف مع يحيى الطاهر عبدالله
جمال مقار يكتب: خبراتي مع الكتابة وموقف مع يحيى الطاهر عبدالله




منذ أكثر من خمسين عاما بدأت محاولاتي الأول للكتابة، قصدت أولا إلى القصة القصيرة، كنت امتلك الفكرة ولا امتلك اللغة الخاصة بهذا الفن الرفيع، وكان عليّ أن أبحث أولا عن اللغة، وبعد حين ظننت أنني امتلكت لغة تصلح للقص، فإذ بها لغة جامدة تاخذ من المأثور كثيرا ، ولا تسير بالقصة إلا عنتا ، وكان علي أن أعرض ما أكتب على الأصدقاء، كانوا يمتدحون ما أكتب لسببين:

لأنهم لا علاقة لهم بما وصل إليه هذا الفن سوى قصص الإخبار ( أضعف أنواع القصة القصيرة ) والأمر الثاني حتى لا يستثيرون غضبي، ودفعني هذا الثناء إلى الاعتقاد بأن ما أكتبه حقا قصصا قصيرة بل أكثر إنها جديرة بالنشر، 

هكذا حملت في صيف عام 1979 قصتين إلى أحد أعلام القصة القصيرة في مصر حينها ( يحي الطاهر عبدالله )، جلسنا في مقهى ، وابتدأ يحي قراءة قصتي ، بينما كنت أجلس مطمئنا إلى رضائه الحتمي عنهما ، فإذ به بعد انتهاء القراءة يرمي بالقصتين في غضب على المنضدة، أغضبني هذا كثيرا ، ولما كنت لا أقل عنه عصبية، واجهته غاضبا كارها، وأحس هو أنه كان قاسيا ، قلت له:

 كان يمكنك تمزيق هاتين القصتين، لكن بعد أن تقول لي لماذا هما سيئتان ؟ قال : أنت لا تقص ولا تحكي أنت تلهث وصولا للنهاية المدهشة، القصة بناء يعيش فيه شخوص، وللشخوص معالم جسمانية ونسق نفسية، وهم يعبرون عن مشاعر ومواقف تختلف لغتهم من شخص وشخص ، ثم أن اللغة العربية ربما كانت هي المنتج الوحيد للحضارة العربية الذي اكتملت أسبابه من جوانب كثيرة ، فهي يمكنها من خلال الكتاب أن تظل تنتج ملايين الأصوات والأساليب، وهي لغة للكلمات فيها معان فارقة ( فيرقد مثلا غير أن ينام ) الأولى تعطى دلالة أوسع في ذاتها أو بإلحاقها بكلمة أخرى، يرقد : ربما كانت تعني نائما أو مائتا أو مسترخيا.

   عموما، مشيت وبي بعض أثر من غضب وحنق ، لكنني لما جلست إلى نفسي أعدت قراءة القصتين، وجدت يحي الطاهر محقا كل الحق ، وأدركت عدة أمور: إنني كنت منحازا لنفسي ، وأعماني ذلك عن رؤية النقص الواقع فيما أكتب ، وإنني امتلك الآن فكرة واضحة عن ماهية كتابة القصة القصيرة ، وإن لا كتابة تستحق الاهتمام حين لا تمتلك خصوصية تشمل البناء ومادة القص واللغة .
لكن لماذا أكتب هذا البوست ؟ أن رسالة على الفيس وصلتني من صديق يتلمس طريقه للكتابة ، كانت الرسالة تحمل نصا لكاتبة ممن يعتقدن في أنفسهن كاتبات ( حكما على المستوى هي من كاتبات الفيس بوك )

هذا الصديق طلب رأي في النص المرسل، قرأت النص ، وجدتها تكتب ما يتوارد على رأسها في استرسال وتقوم بترجمته من لهجة بلادها إلى فصحى عرجاء بائسة ، ولما كنت دائما لا أجامل أحدا فيما يكتب ، فقد كتبت له منوها إلى بؤس الكتابة ووقوعها في كثير من أخطاء الاملاء وتهافت المعنى وعدم الاستخدام الدقيق للفظ أو الكلمة، بعدها جاءتني رسالة مشحونة بالغضب من الكاتبة التي اعتبرت ما كتبته ردحا وليس نقدا وأخذت تدافع عن كتابتها، واعتبرت أن ما قام به الصديق بإرسال نصها إلىّ مسرحية، الأمر الذي جعلني أكتب إليها موضحا موقف الصديق الذي لم يقصد بها شرا، ومقدما بصيغ عامة بعض نصائح ربما تفيد.

Post a Comment

أحدث أقدم