من الدّحْي إلى الإسْبانش أومليت
بقلم: عاطف محمد عبدالمجيد
الغلابة أمثالي والمساكين أمثال أمثالي يا عزيزي الغالي، الذين وُلدوا في الريف في أحضان الجبال والحقول والجناين اللي فيها كل اللي نفسك تريده وتهفو إليه، وبعيدًا عن بهرجة أضواء المدينة وزينتها ومكياجها وبريقها الزائف المُزيَّف، ومبانيها الخرسانية العالية، وترعرعوا، واخد بالك من ترعرعوا دي؟، هناك في حضن الوَسَع والخُضرة والبراح اللي ملوش آخر، يسمّون الأشياء بغير ما يسميها أهل المدينة بمناطقها الراقية.
أكيد طبعًا فيه فرق بين مَن فتح عينيه فرأى الحمار، الجاموسة، البقرة، المعزة، الخروف، الدجاج، البط والوز، الحمام والزرازير، أبو قردان والغراب والبومة، وبين من فتح عينيه على فيليه السمك والفراخ والبوفتيك والهامبورجر والهم يا جَمَل. وفيه فرق طبعًا بين اللي كان بيفطر الصبح شاي صعيدي أسود حبْر وفُصاص " فايش زي ما بتوع المدينة ما بيسمّوه "، وبين اللي بيفطر كرواسون وباتون ساليه أو فتير، كما يدلّعونه، بسمن وعسل. احنا يا عزيزي بنقول على الطبق صحن، وعلى المقشة زباطة، وبناكل عيش شمسي بالملوخية، ويا سلام لما ناكل الدّحْي بالسمنة البلدي مع العيش الضِّلي! يا سلاااام علي لذاذة الطعم يا نااااس! ويا لهو أبوي بالقوي! أكيد يا صاحبي هتقول لي أقف عندك..إيه الدحي ده؟ وطبعا لازم أقف عندي عشان أجاوب حضرتك وأقولك: معلش يا صاحبي ده فرق ثقافات، الدحي ده يعني البيض، المفرد دحْية يعني بيضة..مش بقول لك اختلاف ثقافات.
وطبعا ربنا يجعل كلامنا خفيف على البيض اللي تمنه ارتفع وكأنه دهب مش بيض، ويا بخت اللي مِربّي له تلات أربع فراخ يبيضوا له في الأيام اللي مش بيضة دي. وبمناسبة اختلاف الثقافات ده، واحد صاحبنا طول عمره عايش حياته حوالين منه بتعيش الحيوانات بمختلف أنواعها، والطيور بمختلف أجنحتها ومناقيرها، وعايش مع الحِنوشة، أقصد التعابين يعني، والعقارب والكلاب والقطط وما إلى ذلك من بهايم وحيوانات، اللي لما يشوف بتوع المدينة ضُفْر منها تحس إنهم شافوا المعجزات التمانية اللي في العالم، هم تمانية ولا أكتر؟ مش فاكر بصراحة. معاهم حق، دي ناس عايشة في فلل وقصور وشاليهات بتصاحبهم فيها أفخم أنواع الكلاب المستوردة اللي بتطلع لنا لسانها وهي بصّالنا من شباك العربيات، والقطط اللي تمنها يشتري شارع القصر العيني من أوله لغاية تالت بيت فيه تقريبًا، والناس دي لو شافت بقرة أو جاموسة أو حتى حمار بتقول: إيه الكائن الغريب ده؟ أوه لا لالا! أي ياي ياي!! القدر الغريب قوي قوي يا عزيزي وفّق راسين في الحلال: راس من قبلي وراس من بحري، الجنوب والشمال، القطبين اللي أخونا الملك مينا وحّدهم بعد ما توحدوا الله. راس من اللي بيسموا البيض دحي، وراس بتفطر كرواسون وباتون ساليه، وعايشاها ساليه سكريه.
وفي يوم من ذات الأيام قال صاحبنا اللي من قبلي لمراته اللي من بحري:
- قومي يا ست الناس اكسري لنا دحيتين تلاتة عشان ناكل لقمة ونتقلب ننام.
- من عنيا يا حبيبي.
دخلت ست الناس المطبخ عشان تجهز الأكل ولما اتأخرت شوية راح سيد الناس لها المطبخ ولما شاف اللي مشافوش في حياته سألها:
- إيه ده يا ولية؟
- ده إسبانش أومليت يا بيبي.
- ما شاء الله يا قلبي..الدحي بقي بيتسمّى إسبانش أومليت؟
- آه يا عنيا ومن زمان كمان..أنت بس اللي مكنتش معانا إلا من قريب.
- ياااه يا ناس..ده الواحد مكانش عايش والله..اللعنة على زمن الدحي والفصاص الناشفة، ومرحى مرحى يا ست الناس، وطوبى طوبى لمن انتقل من عصر الدحي إلى عصر الإسبانش أومليت..وربنا ما يحرمني منك يا ملكة القطبين!
إرسال تعليق