لن أصلي الجمعة مرة أخرى!



لن أصلي الجمعة مرة أخرى!
لن أصلي الجمعة مرة أخرى!



عاطف محمد عبد المجيد



لأني لستُ مُريدًا لشيخ بعينه، إذ شيخي ومولاي هو صحيح الدين والسُّنة فقط، أُفضّل مُجبرًا التنقل ما بين المساجد لأداء صلاة الجمعة، باحثًا عن خطيب يكون كما أتخيله وأتمناه. خطيب لا يخطئ أبدًا في اللغة، فضلًا عن آيات القرآن الكريم. خطيب لا يُلقي على سمعي ما أمْلته عليه وزارة الأوقاف، أو أية جهة سيادية أخرى، حافظًا إياه أو قارئًا إياه من ورقة، متحدثًا عن أمور لا تقدّم ولا تؤخر ولا تؤثر في حياة المسلم في هذه الآونة، ولا تضيف إليّ وإلى غيري أي جديد. 

خطيب يربط ما بين القديم والحديث المعاصر، متناولًا أهم القضايا الدينية والدنيوية التي تَجدّ على الساحة، معالجًا ما وصلت إليه أحوال الناس بحكمة وعقلانية وفهم صحيح لمفردات الدين. 

خطيب ينتقد الحال المائل للراعي والرعية، منتقدًا الغش والإهمال والظلم والاستبداد الذي نعيش فيه، ولا يظن أن الحاكم ربًّا له من دون الله تعالى. أتنقل باحثًا عن خطيب لا يخشى في الله لومة لائم، أيًّا كانت سلطته وأيًّا كان جبروته، منتقدًا الحاكم وحاشيته ونظامه إذا ما حادوا عن السبيل القويم، واستبدوا وأذاقوا شعبهم نكال الآخرة والأولى.

 أتنقل باحثًا عن خطيب لا يُذنّب المصلين لمدة تزيد عن أكثر من ساعة في حر شمس الصيف وفي برد الشتاء ومطره، معتذرًا في نهاية خطبته عن الإطالة التي لم يكن يقصدها كما اعتاد الخطباء أن يقولوا هذا في نهاية خطبهم، في حين أنه كثيرًا ما يُذكر أن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن تتجاوز بضع دقائق رحمة بالمصلين. أبحث عن خطيب لا يجعلني، بعد نهاية خطبته، وأنا خارج من باب المسجد، أعزم الأمر على عدم العودة إليه مرة أخرى. 

خطيب لا يجعل المصلين يهربون من كلامه إلى النوم، حتى تُقام الصلاة، نظرًا إلى رتابته وسوء إلقائه وعدم وجود ما يشد المستمع في ما يقول، أو شَمِّ رائحة موالاة النظام على كل حال، أو تطرفه الشديد في ذكر السعير والجحيم الذي ينتظرنا جميعًا، أو لتركيزه المبالغ فيه على ذكْر كفر الآخرين، وحتفهم في الدرك الأسفل من النيران.

نعم واللهِ أتخيل في كل جمعة ذلك الخطيب الذي إن وجدته لن أترك صلاة جمعة في مسجده. غير أنني، وفي كل يوم جمعة، أخرج من المسجد محبطًا ويائسًا من تحقق أملي ومناي، لاعنًا حظي العاثر الذي ألقى بي في طريق خطيب كهذا، متخذًا قراري بعدم أداء صلاة الجمعة مرة أخرى. 

لكنني حين أنفذ هذا القرار، هل سأكون مذنبًا وبالتالي سيصب الله عليّ جام غضبه؟ أم أن المذنب الذي سيتحمل وزْري أولًا وأخيرًا هم هؤلاء الخطباء قليلي الثقافة الدينية والدنيوية؟ هؤلاء الذين يحاربون اللغة بعدم إتقانهم لها؟ هؤلاء الذين يخافون الرب الحاكم أكثر من خوفهم من الرب الخالق؟ هؤلاء الذين يقولون شيئًا وهم فوق منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد أن يغادروه يفعلون أشياء أخرى؟

ما يضحكني بمرارة فعلًا أن أحد الخطباء يردد كثيرًا الحديث الذي يحض على إفشاء السلام لنشر الحب بين الناس، غير أنه كثيرًا ما يقابلني في الطريق وما من مرة ألقى فيها عليَّ السلام!

وهنا لا أجد حرجًا في أن أقول إن معظم خطباء أيامنا هذه يحتاجون إلى إعادة صياغة، تفكيك ثم تركيب على مَيّة بيضا، سواء أكانوا ينتمون إلى وزارة الأوقاف التي تحولت إلى مَلَكية أكثر من المَلك نفسه، أم كانوا من التيارات الأخرى الذين نسوا أو تناسوا سماحة الإسلام وحضّه على الرحمة والرفق حتى بالحيوان، وحسن المعاملة مع الآخرين دون نظر إلى عِرق أو شكل أو عقيدة ودين.

 إن الإسلام، أيها الخطباء، لا سامحكم الله، ليس ساذجًا ولا عنيفًا. ليس ساذجًا يا خطباء الأوقاف، وليس عنيفًا يا خطباء التيارات الأخرى التي تعادي دينها بما تفعل، قبل أن تعادي الأديان الأخرى. مرة أخرى أتساءل: هل سأجد ذات يوم ذلك الخطيب الذي يُسمعني خطبةً لم أسمعها من قبل ولم أتوقعها، كما يحدث مع خطباء المناسبات منقطعة الصلة مع الواقع، دون أن يخطئ في حق اللغة وحق القرآن وحق الله تعالى؟ 

هل سأجد خطيبًا لا يُطيل خطبته ولا يُكَرّه المصلين في الصلاة وفي المساجد عمومًا، ودون أن أشتم منه رائحة ميْله ناحية ضريح السلطة أو عدائه الشديد للآخرين؟

تُرى هل سأجد ذلك الخطيب الذي يجعلني أعدْل عن قراري الذي اتخذته بعدم صلاة الجمعة مرة أخرى؟

وفي الأخير، ربما يرى مَن لا يفهمون في كلامي هذا حضًّا على ترك صلاة الجمعة، فيما سيرى فيه من يفهمون توقًا إلى خطباء يُحبّبون الناس في دينهم، بدلًا من أن ينفروهم منه.

Post a Comment

أحدث أقدم