بماذا سنخرجُ مِنْ صَحْراءِ الْفوْضَى؟!
بماذا سنخرجُ مِنْ صَحْراءِ الْفوْضَى؟! |
عاطف محمد عبد المجيد
شاءتْ إرادةُ اللهِ تعالى ألا تلتقي كل الأذواق في سلةٍ واحدةٍ، وعلى الرغم مِن أننا جميعًا نُدركُ هذه الحقيقةَ تمامًا، كإدراكنا لأسمائنا، إلا أنَّ هناك مَنْ يريد أنْ تباركَ كلُّ الأذواق مذهبَهم، وأنْ يلْتفَّ القوم جميعهم، وبلا استثناءٍ، حول موائدهم هم وحدهم، حاملين إليهم الهدايا والقرابين.
وهذا ما لن يحدث أبدًا، لا عن طواعيةٍ، ولا عن غصْب وإجبار. لذا كثيرًا ما أتساءل: ما الذي يضيرنا لو تركنا هذه العصافير تحلّق في فضاء الله، ذاهبةً إلى حيث تشاء، ومعها في حويصلاتها أرواح أذواقنا، دون أن ننصب لها شِراكَ العَداء، ودون أن نحاول التقليل من شأنها؟
حقيقةً ما دفعني لقول هذا هو ذلك الجدال حامي الوطيس القائم والذي، دون مبالغة، سيظل قائمًا إلى الأبد بين قصيدة النثر وما سبقها من أجناس شعرية.
وما هو ليس طيبًا بالمرة في هذا الصدد هو أنَّ كل طرف من الأطراف، محل النزاع، يحاول وبشتى الوسائل الشرعية وغير الشرعية أنْ ينفي الآخر نفيًا تامًا، ما مِنْ بَعثٍ منه أبدًا.
فهل نسينا، أم تناسينا عمدًا، أنَّ الاختلاف هو سنة الكون، وأنَّ الذي يتفق معك في شيء ما، ليس فرضًا عليه أنْ يقتفي أثرك في كل شيء؟
وأعود لأتساءل مرة أخرى: لماذا لا يترك كل منا الأخر ليمارس طقوسه كما يحلو له متمتعًا بكل حريته، دون أن ينتقص منه؟ ولماذا لا نترك الحُكْمَ في مثل هذه الأمور، طالما وصلنا إلى طريق مسدود في التحاور حولها، لمحكمة الزمن، التي لن يسمح قُضاتُها أبدًا لمَنْ لا يستحق بالبقاء. فالزمن هو الذي يؤكد، صراحةً، أنَّ البقاء لن يكون من نصيب أحد إلا إذا كان يستأهل ذلك، وأنَّ ما هو دون ذلك فهو ذاهب لا محالة إلى أدراج الرياح.
فلنذر، يا سادة، ولنطرح جانبًا هذا الفكر أحادي النظرة، ولننظر في اتجاهات شتى، حتى لا يوصف أحدنا بالانغلاقية أو بالـ...
واطمئنوا..فلن يواصل السير في هذا الدرب إلا مَن يحمل معه في حقيبة سفره تأشيرة تمكنه مِن ولوج قلعة البقاء، وأنْ يواصل مهامه فيها.
واعلموا جيدًا أنَّ قبيلة المتسللين ستقع عاجلاً أم آجلاً في شَرَكِ النسيان والفناء الدائم.
أرجو ألا نُقلق أنفسنا، أو أنْ نُحمّلها فوق طاقتها، فهم، أولئك المتسللون، لا تزال أسماؤهم مكتوبة بالأقلام الرصاص.
وأخيرًا بقي أنْ أسألكم: تُرى بماذا سنخرج مِن صحراء الفوضى؟!
إرسال تعليق