قراءة في مجموعة سرير فارغ..


للكاتبة سمية عبد المنعم 


مجموعة قصصية طبعة ثالثة - 



قراءة في مجموعة سرير فارغ لسمية عبد المنعم
قراءة في مجموعة سرير فارغ لسمية عبد المنعم



بقلم: محمود الشربيني



القصة الأولى البحث عن الزوج المفقود الضائع ..زوجة لا تعترف بفقدان او بضياع أو بانتحار الحبيب رغم ان اهله ينتظرون اجراء قضائيا يسدلون به الستار علي هذا الحزن الذي استمر تقريبا لستة اشهر ويبدو انهم ضاقوا ذرعا به بحالة اللاحياة واللاموت .وحدها وفية دامعة قلقة معذبة آملة الى حد اليقين انها ستجده ، راحت تبحث عنه في كل مكان كما بحثت ايزيس في الأسطورة الخالدة ان أوزوريس .

تماهت صورتها خلف ذلك التاكسي ..لا اظن ان كلمة تماهت مناسبة هنا - التماهي مع الشيء هو التوحد معه او الذوبان او التواصل هنا هي تقول تماهت صورتها(صورة المحطة) خلف ذلك التاكسي الذي استقلته .تماهت هنا بمعني غابت او ذهبت أو حتي غابت عن عينيها، لكنها لا تتماهى معها .اما كلمة احتلت فهي في محلها بالفعل .

هي هنا تتلبسها روح زوجها المفقود في كل لحظة ، ويشعرنا وصفها البليغ بان هذا الرجل الذي تبحث عنه لايزال معها يعرف خطواتها ويعرف دلائلها ويمد يده لمساعدتها وهي لا تستنكف ذلك ابدا ، مع انه -بحسب الوصف- غريب عنها لا تعرفه ، لكن بالروح الكامنة فيهما هو يحتل واجهة المحطة ويتحول من مجرد وجه لا ملامح موصوفة له الي صورة زوجها الذي تبحث عنه .حتي انها في نهاية القصة تفصح عن ذلك ايزيس ستعتني بك بعد أن وجدتك "






قراءة في مجموعة سرير فارغ لسمية عبد المنعم
قراءة في مجموعة سرير فارغ لسمية عبد المنعم

قصة ناجية 


من هذه الناجية الوحيدة ؟ اظنها رمز لكل ام نجت من الموت تحت الانقاض والركام .دموع وانتحاب وحزن وذهول وبحث عن الذين ماتوا تحتالركام فلا صوت لهم .تصلح لتكون صرخة أم فلسطينية تفقد عائلتها كلها وتبحث عن جثامينهم الممزقة تحت انقاض الركام وبين التراب غيرعابئة بحلفائها وسيرها فوق الزجاج المكسور الذي يدمي القلوب والاجساد ولكنها لاتبكي ، بل تبكي نزيفا من داخلها وهو مانشعر به منخلال السطور غير المكتوبة .

قصة الولي 


هذه المجموعة القصصية الدامعة ، المخلوقة ككائن حي ، من مزيج من الروح و الحلم والدموع والموت .

الولي وجه آخر أو ملمح جديد للبحث عن من يسكن كفه فوق اصابعها دون إرادة منه ..هي تراه في قطار وتراه فوق واجهة محطة وتراه في ضريح لمقام ولي من الأولياء .يبدو أن هذا خط ينتظم هذه المجموعة الدامعة الباحثة عن ذلك الكل ..كل شيء ، الرجل والصديق والحاني والابن والحبيب والزوج ..الساكن بكفه فوق اصابعها دون إرادة منه .

قصة قميص أخضر 


نلاحظ ان الألوان هنا قد تكون لها دلالاتها ..فمقام الولي الذي دلفت اليه كان مكسوًا بقما ش اخضر ، والقبة الخارجية للمقام كانت مكسوة بنفس القماش باللون ذاته وها هو القميص الذي جاءت لتبحث عنه في غرفة نومها كان قميصا رجاليا اخضر في القصة التي حملت لون هذا القميص 

جميل المعني: ادناه منها بشوق، غاص وجهها بأكمله بين قماش القميص، وكأنما تريد لنسيجه أن يبتلعها .الله عالماشي يا سمية.

راحت تستنشق تلك الرائحة التي تغشى القميص 

عودة للبكاء في صفحة ٢٩( انتابتها نوبة بكاء عارمة) وفي مفتتح القصة أيضا هي تتحسب لانهيارها وعلو نشيجها بتأثير ذكرياتها في بيتها الذي غاب عنه صاحب القميص الأخضر منذ عام 

اللحظات الحالمة معه التي ارتقيا فيها من واقعها الي خيالها فيه مصورة بمداد من الحب والروح والجمال والرقة ، مكتوبة بعذوبة محبه ترقب السحاب والسماء وتنتبه للمحات الطفولة والمرح والضحكة ولمعة العينين .كلمات وصور ذابت في فراغ المكان فتوحدت معه وصنعت للحظات عالمهما الخاص جدًا، ثم لا ينتهي هذا بمجرد ان تحين منها التفاته نحو القميص الأخضر فاذا بنا نجد هذا القميص وقد كبر حجمه وتضاعفو في الحقيقة هو ليس القميص وانما هي طغيان وجود صاحب القميص عليها فتراه كان غيابه يعني شساعة معني حضوره .


قراءة في مجموعة سرير فارغ لسمية عبد المنعم
قراءة في مجموعة سرير فارغ لسمية عبد المنعم


قصة شارع 


قصة عجيبة تثير الخيال والتفكير في الجمال والانوثة والتشرد والصعلكة والزحام والصدام والافعال الخارجة عن المألوف والتي تصدم المئات من العابرين .حياة مختلفة ومزدحمة في الشارع الذي يحبل بالناس والجمال والشبق في العيون والشفقة بعد شبق ..حياة صاخبة في الشوارع 

تأخذنا منها سمية لحياة أخرى معذبة في المحجر ، على وقع تكسير الصخور والحجارة والموت المفاجئ الذي لا ينفع معه حذر أو تحسب ،فحين يحين أجل العمر يتم بلا زيادة ولا نقصان ..

يموت الاب تحت طلقات الحجارة المكسورة التي تسقط فوق الرؤوس فتردي العمال موتي أو شهداء البحث عن الرزق المستحيل، ويموت من يحل في نفس الابن الطفل محل الاب ..ثم يروح علي ضحية نفس الانفجار ونفس طلقات رصاص الحجارة ، ولا يكف القدر عن لعبته فيعبث بروح عم إبراهيم التي كادت تهدد وتبلسم حياة ياسين ، فيلقى ياسين نفس المصير بفقدان حبيبه عمر إبراهيم بنفس الطريقة ، مات وهو يحاول ان يفتديه من انهمار طلقات الصخور علي راسه طفلا ، موعودا بالموت والفقد .مريعة هذه القصة ومخيبة بالدم ومجلة بالحزن والدموع، ويبدو ان سمية أصبحت تجيد التقاط كل لحظات الموت والفقد والغياب ، فتجري علي عقلها جريان النهر على القلوب ، وكأنها بدلا من الموت تمنحها حياة تعلو بها علي حال الفقد الذي يباغتها ويسكنها في آن .

قصة الحديقة


الحديقة التي شهدت مغارات الطفولة وسرقة الورد بالحيلة والمكر من الشيطانتين الصغيرتين تحمل فكرتين ، أولاهما الطفولة التي تمتزج فيها البراة بالشقاوة بالمغامرة بعبير الورد، والثانية ان الذكريات لا تبقي علي حالها حيث يتحول الشغف مع الأيام الي ذكري صماء حينما تتغير الأمور ، وتحل أنماط اخري من الحياة محل القديمة . الصور الختامية للحديقة المليئة بالشغف الذي يتحدى سور الاسلاك الشائك ذهبت مع عبق الورد حينما هدم البيت الجميل وزالت دولة حديقته ، ليصبح مجرد عمارة شاهقة ، كتلة اسمنتية صماء صحيح تحوطها الاسلاك لكنها هذه المرة لا تحرك الشغف في النفوس. هذا نعي واضح للحياة المفعمة بالروح والجمال عندما تدهسها غابات شاهقة من الاسمنت!

قصة مواء


مواء الأميركي ذو اللكنة العربية والكلب البولدوج في ذلك المنزل الغريب ربما كان بحاجة الي تفاصيل اكثر 

وربما بلغة اهل النقد لا يحتاج اكثر مما قدمت سمية ، لكن عجزت عن معرفة مكان الحدث ، فليس لدينا منازل من هذا النوع علي الطرق السريعة ، وليس لدينا مثل هذه الثلاثي الذي يمارس الشذوذ بشكل سافر 

وهذه الأميركية التي هربت من زوجها ذو القميص الأحمر الناري الذي يربض علي الفوتيه منتظرًا تحسن اداء صاحبه عن ليلة الامس ..هيفى محلها قصة عن الشذوذ ، تربط الشذوذ بالحيوانية ، وان كان القط الشيرازي يرفض محاولات الكلب البولدوج الذي ربما يريد قطا مثله 

نعرف انه حتي في اقصي مجتمعات التحرر فليست كل النساء تقبل بالزوج الشاذ جنسيًا .الى حد انها تفر من بيت الزوجية .

قصة الطاحونة


(نسق العناوين لافت ..فعدا عن قصة قميص اخضر ( وبالطبع عنوان المجموعة نفسها سرير فارغ) فان اغلب القصص عنوانها من كلمة واحدة : المحجر ، ايزيس ، الطاحونة ، وهكذا 

ملمح آخر في المجموعة وهو الإحساس العارم بالفقد ، والمرادف له هنا هو الخيال الطاغي والحلم المستبد 

نلحظ هذا في القصص الأولي كما اشرنا (ايزيس - الولي -قميص اخضر- وصولا الى الطاحونة وفيها خيال يهرس قلب الزوجة ،حتي انها تهرب من أحضان ابنتها الصغيرة ، وتقاوم ربما مفسحة المجال لحضن من نوع اخر سيأتي في حينه ، عندما يرخي الفقد سدوله .

قصة المبروكة


قصة عن الحماقة ( الام) والجهل المركب ( النسوة والمزعومة بركتها) وهي توقظ الضمائر بعدم الانصياع لمثل هذا الجهل المركب .

مرة أخرى نعود الى اللون الأخضر حيث الحديث هنا هذه المرة عن الفراشة الخضراء 

قصة فراشة خضراء 


الفراشات الخضراء كما تقول والدة اروي بعد ان شكت لها فشلها من الإمساك بها : الفراشات الخضراء تحمل روح حبيب فارقنا . هذه تنويعة اخري على نفس لحن الفراق ، المميز او المشار اليه دائما باللون الأخضر 

هي قصة عن الفقد ولكن بمنتهي المحبة والعذوبة 

قصة تلك الوردة 


هنا من المرات القليلة التي تكسر فيها القاصة إيقاع العناوين التي تفضلها من كلمة واحدة 

تلك الوردة تنضم الى قميص أخضر وفراشة خضراء وسرير فارغ وأيضا ضوء أحمر.


قراءة في مجموعة سرير فارغ لسمية عبد المنعم
قراءة في مجموعة سرير فارغ لسمية عبد المنعم


Post a Comment

أحدث أقدم