عاطف عبد المجيد..الينبوع الذي يتفجر شعرًا وحبًا
بقلم: أشرف قاسم
عرفته في منتصف عام 1995، كان يومها ما زال طالبًا في الفرقة الثانية بقسم اللغة الفرنسية بكلية التربية، وكان عامها حاصلاً على المركز الأول في الشعر على مستوى جامعة أسيوط، وكان أول ما قرات له قصيدة عنوانها " من تأخذ قلبي " يقول فيها :
" مَن تأخذ قلبي أهديها
أحلامًا عاشت تبغيها
وبهذا التاج أُكلّلها
وبهذى الحُلة أُبديها
*
من تُحيي الشعر بأوردتى
وتصوغ الوحى أياديها
فيجيء الوحى ويلهمني
أشعارًا هامت من فيها "
إن الحب هو اللبنة الأساسية في صرح تجربة عاطف عبدالمجيد، إذ أنه كشاعر رومانتيكي يحلم باليوتوبيا / المدينة الفاضلة / ويصوغها شعرًا يتحد الأمل والألم ويأخذ القلب فيه شكل البركان الذي يتخذ من الشعر فوهة له، حتي إذا ما فرغت تلك الفوهة تناثر القلب شظايا :
" ينبثق الحزن جريدًا
يعلو نخلي
حين أقلّم هامة نخلي
يسّاقط حزني
كي يبدأ
من جذع النخل "
حتى حزنه لا يتساقط للموت بل يتساقط كي يحيا من جديد!
إن أجمل ما في عاطف عبد المجيد أنه، حتى الآن وبعد صدور ديوان له عنوانه " بعض من قصائده " يقول أنا لست شاعرًا فأنا ما زلت أحبو في طريق الشعر، فهو يرى أن الشعر " رسالة يجب أن تؤدي دورها إلى من ستصل إليهم، لكن الرسالة حين تصل رموزًا وطلاسم فمن ذا سيفكّ رموزها ومن سيفهمها؟
إنه شاعر يجمع في شعره بين الذاتية / الأنا والجماعية / ال "هم"، فهو ينطلق من القضايا والهموم الفردية إلى قضايا مجتمعه، محاولآً، وبحرص، أن يغير سلبيات واقعه.
مستويات الصورة
حينما تقرأ شعر عاطف عبد المجيد لا تشك لحظة في أن هذا الشعر نابع من أديم الأرض في صعيد مصر، معجون بعرق الكادحين، مكتوب بمداد من نهر النيل الخالد. فصوره منتزعة من الأرض انتزاعًا، لكنها تتشكل على حسب الحالة النفسية للشاعر، فتارة ترى الصورة قريبة مألوفة كما في قوله:
" حين تغوص بأرضك قدمي
أشعر أنك أسفل مني
لكني
حين أراك بعيدًا عني
أوقن
أنك تقطن فيّ
وتارة تجىء الصورة " سديمية " يحوطها بعض الضباب الرقيق الذى لا يحجب الرؤية تمامًا عن الناظر كقوله:
أيقنت أن حبيبتي رحلت
لكنني ما زال بي أمل
حتى وإن ذاب الجليد بها
حتمًا ستأتي ثم نكتمل
إنه يعشق الشمس المحاصرة بالضباب، وهكذا يبدأ قصيدته وجهك كالقمر:
" وجه كوجهك كالقمر
بل أنت أروع من ظهر
وانظر إلى الشطر الأول من البيت، هو يريد أن يصف وجه محبوبته وأن يقول لها وجهك كالقمر، لكنه بدلا من أن يكتفى بكاف التشبيه أتى بكاف المماثلة ليصير الوصف للمماثَل، وليس للمماثِل، رغم روعة القصيدة مما أصاب الصورة بالغموض الحاد.
المنطلقات اللغوية للبوح
إن عاطف عبد المجيد لم يدرس اللغة العربية بعمق، لكنه أحبها بعمق العمق وذلك نظرًا لدراسته للغة الفرنسية وعمله بمجال تدريسها. اللغة عنده عفوية، وليدة اللحظة فهو لا يتعمد فخامة اللفظ أو رقته، لكنه يتلقى الوحى بدِعةٍ ومهابة، يحب المتنبى والبياتى ونزار ومحمود درويش، ويقرأ لرفاقه فيبتهج ويبتهجون. كذلك تبدو اللغة عنده ملكة متوجة يرهب ولوج إيوانها وبلاطها غالبًا، وينتظر عطاياها دون سؤال أو إلحاح. أخطاؤه اللغوية لا تذكر وأوزانه غالبًا منضبطة، يعشق الكامل، البسيط، الوافر، الهزج، ويستهويه المتقارب، أحيانًا:
" للحلم وجه حقيقتى
لحقيقتى وجه وحيد
حين امتطيت الحلم كى
تصل الأنامل للحقيقة
قال لى: ماذا تريد؟
كان السؤال متاهة
أنست خرائط عالمى
نصف الوجود "
مثلث الأفكار
1 – الحبيبة
2 – الوطن
3 – المجتمع
أُسس ثلاثة أقام عليها الشاعر عاطف عبد المجيد هرمه الشعري، فالحب عنده زادٌ لكل حياة كريمة يسعى وراءها المرء، وكرس لتلك الفكرة معظم قصائده، فهو العاشق المحب المحترق تارة:
" حلم نبضى أن تظلي
طول عمرى في جواري
لا أرانى الله يومًا
دون أن يلقاك داري
ما الذى يا قلب يجدي
لو توارت عن نهاري
يا فؤادي كن جِنانًا
للتي تأتى مداري "
وهو الشاكي اليائس أحيانًا أخرى، وها هو في قصيدته احتمالات:
" رغم ابتهاجك بالتي قد
صارحتك بعشقها لا تطمئن
فلربما
تطهيك وجدًا
ثم تلجأ للذبول "
أما الوطن عند عاطف عبد المجيد فهو الزاوية القائمة في مثلثه وهو الابن البار له يراه بعينيّ الولاء والوفاء دائمًا، واسْمعْه وهو يغازل محبوبته مصر بقصيدة طويلة عنوانها ولمصر يحلو نشيدى.
أنا حين أبدأ في الحديث عن الهوى
أحتاج ألف قصيدة ويزيد
فهواك ليس مقولة ألهو بها
تُنسى بعيد الحكي ثم تبيد
لكنه روحى التي أحيا بها
هو في دومًا خافق ووريد "
أما المجتمع فيشغل حيزًا لا بأس به في كتابات الشاعر فقد ندد بالإرهاب وكتب لفلسطين الحبيبة وكتب عن التدخين ومضاره.
وفي النهاية بقيت كلمتان الأولى للشاعر عاطف عبد المجيد: أنت شاعر حريص على طهارة قلمك ما دمت قد اخترت الكلمة، والكلمة الثانية للقراء الأعزاء: أدعوكم إلى قراءة نصوص عاطف عبد المجيد فهو شاعرأصيل الصوت، ودعكم من ذلك الغثاء الذى تطالعنا به المطابع كل يوم تحت اسم الشعر وما بينه وبين الشعر كما بين المشرق والمغرب.
" كُتب هذا المقال منذ ما يزيد عن ثلاثة وعشرين عامًا "
إرسال تعليق