قراءة في رواية قلب مسه الفقد
      


 بقلم: حاتم رضوان 

    بعد قراءتي رواية قلب مسه الفقد للمبدعة أميمة السلاخ تواردت لعقلي بعض الأسئلة لن أجيب عليها فأنا لا أملك أجوبة حاسمة أو قاطعة:
 هل سهولة التلقي والمستوى الواحد للقراءة ميزة أم لا؟

    هل الرواية وهي تطرح العديد من قضايا المرأة تعد نموذجا للأدب النسائي؟ وماذا عندما يكتب رجل مثل وحيد الطويلة رواية كاتيوشا على لسان امرأة تصف مشاعرها عندما أخبرها زوجها أنه سوف يتزوج إحدى صديقاتها قبل أن يتعرض لحادث ويدخل في غيبوبة؟

   هل من الأصدق أن تكتب المرأة عن قضاياها أم الرجل على لسانها؟ وقد رأينا كتابا رجالا يكتبون كما أسلفت مثل وحيد الطويلة وإحسان عبد القدوس؟ 

    متى تخرج المرأة من عباءتها والكتابة عن الحب والزواج والطلاق وغيرها من القضايا الخاصة بها؟ وقد رأينا كاتبات تجاوزن هذه المرحلة إلى قضايا أرحب وعوالم جديدة أو طرح قضايا قديمة بصورة جديدة ومعاصرة مثل رضوى عاشور وسلوى بكر وسحر توفيق وميرال الطحاوي وصفاء النجار وريم بسيوني وياسمين مجدى وشرين فتحي وغيرهن. 
   الغلاف
   صور سيدة أو فتاة تمثل البطلة تمشي في طريقها شامخة مثل برج القاهرة خلفها بالضبط تنظر أمامها ولا تلتفت مكتفية بذاتها تلك الجملة التي قالها عزيز لبطلة الرواية وفي خلفية الصورة رسم مصغر جدا لإثنين في قارب وكأنهما يطلان علينا من الماضي البعيد.

   العنوان 

  أجادت المبدعة اختيار عنوان الرواية: قلب مسه الفقد فهو معبر عن مضمونها سواء كان الفقد ماديا أو معنويا وسواء كان للبطلة أو لشخصيات الرواية 
ميسون فقدان الوطن والأهل
حورية فقدان الأم 
عزيز فقدان الأب 
وأيضا الفقد على المستوى المعنوي: فقدان الدفء العائلي والحب والسكينة والأمان هذا الفقد الذي نلمسه طوال الرواية.

التقسيم

     يأتي بعد العنوان سؤال طرحه التقسيم الشكلي للرواية:
    ما الغرض وراء تقسيم الرواية إلى ثلاثة فصول وكأنها مسرحية وكل فصل مقسم داخليا لأرقام وأحيانا عناوين جانبية؟ لا أرى حدودا فاصلة بينها وكان يمكن أن ترقم المقاطع فقط دون إخلال بنظام الرواية.

الفصل الأول

    أتي الجزء الأول من الفصل الأول وكأن بطلة الرواية حورية كامل والراوية في نفس الوقت تقدم لنا سيرة ذاتية موجزة أو C.V.  عن نفسها أين تقيم الكلية التي تخرجت فيها عملها الذي سوف تلتحق به وملخص لحياتها الشخصية والاجتماعية حب خطوبة فاشلة ثم زواج وطلاق لتفرد فيما بعد عبر صفحات الرواية تفاصيل حياتها.

متن الرواية

   أجادت المبدعة خلال الرواية تتبنى وتقديم عددا من القضايا الخاصة بالمرأة حب الجامعة وزواج الصالونات وزواج الأقارب والزوجة الثانية وحق الزوجة الأولى في الطلاق وحق المرأة بعد الخمسين في الزواج مرة أخرى وإعادة اكتشاف حياتها من جديد بالإضافة إلى الطلاق وأسبابه المختلفة وما يمثله العمل بالنسبة للمرأة التحقق فيه وقضية الحجاب.

الشخصيات

   شخصيات الرواية في مجملها شخصيات معقدة ومشوهة تعاني صراعات داخلية وخلل نفسي بمستوياته ودرجاته المتعددة أدى إلى اضطراب في علاقاتها بالآخرين:

    الأم ميسون تعيش مع زوجها بالقاهرة بينما عقلها وقلبها مع أهلها في سوريا وتحاول أن تنقل ذكرياتها وشكل دارهم إلى منزلها في مصر الجديدة وتعيش يومها مع صوت فايزة أحمد ابنة بلدها متناسية زوجها والتعبير عن مشاعرها نحو ابنتها حورية بصورة مباشرة ونجد خالة حورية سهاد التي ظهرت فجأة آخر الرواية تفسر لها موقف ميسون وتقول: عائلتي يا حورية بخلاء في إظهار مشاعر بعضهم مع بعض كأننا حصلنا على صك بضمان أن علاقتنا ستبقى جيدة مدى الحياة من دون الحاجة إلى التعبير عنها نشأتنا كانت جادة مؤكد أننا نحب بعضنا بعضا لكن لم نعبر عن محبتنا بالكلمات المنمقة أو الحضن أو اللمس عموما. الحضن في بيتنا لا نعرفه.

   حورية كامل التي تفتقد حنان أمها سواء في حياتها أو بعد موتها وهي ما زالت طفلة لم تتجاوز ثلاثة عشر سنة. كانت أمها ضنينة بمشاعرها لا تظهر لها حبها. تحمل حورية على كتفها وزر ثلاث علاقات فاشلة حب ثم خطوبة ثم زواج أدت بها إلى أن تكون شخصية مترددة ومذبذبة فعندما تدخل في تجربة حب جديدة مع شخص – عزيز - هي من اختارته بمحض إرادتها لا تستطيع أن تمضي في تجربتها للنهاية ونجد عزيز يقول لها: ما ينقص اكتمالك حورية هو نظرك المستمر إلى الماضي. وفي موضع آخر: كأنك إلى الآن لا ترين في الحاضر سببا للحياة. وفي النهاية تصل حورية لنتيجة مفادها كما تقول: لا انتظر من أحد تعويض ما فاتني فقد تلقنت درسا من عجز البشر جعلني أوقن بأنه لا أحد يعوض آخر فمن يأتي محملا بماضيه يضيف وخزا آخر إلى حمولتي.

   سامح ابن عم حورية وهو أحد الشخصيات المرسومة جيدا في هذه الرواية بكل ملامحه الخارجية والنفسية تزوج حورية عله يجد فيها صورة ميسون أمها التي تعلق بها أو أحبها أضافة إلى تعلقه المرضي بالماضي وذكريات الطفولة. 

    عزيز الذي عاش طفولة مقيدة من أمه خاصة بسبب مرض قلبه منذ الولادة ومحاولاته التمرد على هذه القيود ومروره هو الآخر بتجربة حب محبطة دفعتة لعدم الاقدام أو التفكير في الزواج مرة أخرى. 

    عبد الرحمن زوج العمة الذي يتزوج من فتاة من عمر أولاده.

    طارق وطليقته وكيفية تعملهما مع بعضهما البعض واقدامه على عمل غير سوي وهو إجراء جراحة لعدم الإنجاب فوجئت بها زوجته عندما أخبرها بها وأدت لطلاقهما رغم قصة الحب بينهما. 

     الشخصية السوية الوحيدة التي لمستها في الرواية تقريبا هي العمة زوزو صاحبة القرار الإنسانة المحبة للحياة التي تبحث عن سعادتها بغض النظر عن آراء الآخرين كما أنها تخشى الموت لدرجة أنها لا تذهب إلى أماكن العزاء وتكتفي بالمكالمات الهاتفية.

الوصف

    أتي الوصف في أماكن كثيرة من الرواية مضفرا مع السرد بصورة جيدة وجميلة عدا بعض الأماكن أغرقت الكاتبة فيه بلغة جامدة جافة ومباشرة وكأنها تصف مكان تصوير location  مثل صفحة ٥٧ و ٥٨. عكس ما فعلته في مواضع أخرى كان فيها الوصف مضفرا مع السرد رائقا وجميلا مثل الصفحات ٦٦ إلى ٦٩ .
المعلوماتية.

      يحسب للمبدعة وصفها لتفاصيل هندسية دقيقة وتفاصيل تتعلق بالفن والرسم رغم أنها خريجة كلية الآداب مما ينم عن مجهود وبحث ( المعلوماتية).
لقطات إنسانية 

    تمتلئ الرواية بمشاهد بديعة وإنسانية مؤثرة كنت أتمنى من الكاتبة أن تبني عليها تفرد لها مساحة أرحب لأنها مشاهد روائية بجدارة
 مثل :
    قصة موت أبي ميسون وأخيها في يوم واحد 

    موقف حورية عندما أرادة استعادة أغنية يا حبيبي يا أخويا لفايزة أحمد التي طالما ذكرت أمها ميسون بقصة أخيها وأبيها: بمجرد أن بدأ اللحن سرت نغماته وترددت في البيت وتعرفت جدرانه عليه وقبل أن يبدأ صوت فايزة أحمد في بث روحه في المكان بسرعة البرق أطفأته لأنني لم أتحمل صوت بكاء أمي من جديد.
   عودة عزيز لرؤية جثمان أبيه بعد أن غادر المستشفى ليعود مرة أخرى ويكشف عن وجهه حيث وجده  متوردا ومبتسما وعندما عاد مرة ثانية رأى أن وجهه كان متجهما وكأنه غاضب من عودته.

    قصة دفن الطفل الصغير مع الأب
    مشهد الشابة التي تتعرى أثناء انتظار حورية في إشارة المرور وهي جالسة إلى جوار أحمد خطيبها السابق وكيف استمدت منه الشجاعة لاتخاذ قرارها النهائي.

    لغة السرد في الرواية في مجملها إخبارية ومباشرة تأتي بلا تزيين أو تنميق ( لا يوجد لعب باللغة ) تريد أن تصل بالقارئ لما تريد الكاتبة قوله من أقصر طريق وتعتمد كثيرا على الحوار الذي يطول أحيانا بشكل مبالغ فيه ليصبح ما يشبه المونولوج كنت أفضل أن تستعيض الكاتبة عن هذه المقاطع الحوارية المطولة بسرد يتخلله بعض الحوارات القصيرة. أرى الحوار أيضا حائرا بين الفصحى أحيانا وبين العامية أحيانا أخرى. من خصائص لغة السرد لدى الكاتبة استخدام الأساليب الاستفهامية بدلالات مختلفة مثل: أين يجد عمو شكري ... وكيف سيجد مخرجا.... و فماذا فعلت أنا....هل ستكون أعمال عزيز في المستوى..... وأي حديث كان يحكيه؟ وأي غربة يشعر بها؟ وكيف لا يقتني أحد أعماله؟ تفرط الكاتبة في استخدام حروف العطف الفاء وبل والواو وثم ويلاحظ ذلك من الصفحة الأولى وكذلك أدوات الوصل التي والذي وتكرار كلمات مثل بالإضافة ورغم ومن خلال وفقط ولكن. هناك بعض التعبيرات والكلمات المنحوته عن العربية والتي استغربت استعمالها لعدم اعتيادها رغم أنها قد تكون صحيحة أو مجازة من مجمع اللغة العربية مثل طاولة مدولبة والمفرنزات

    أخطاء اللغة قليلة جدا: كونه مكتظ الصواب مكتظا 

    هناك ملحوظة طبية أن من يقوم بعملية القسطرة طبيب أمراض قلب وليس جراح قلب
البناء في قصة حورية وعزيز  
    منطقية قصة حب حورية وعزيز لم تكن بالقوة الكافية ولم تقنعني أسبابهما في عدم اكتمالها وكيف اقتنعت حورية برأي عزيز بأنها السبب وعليها التخلص من عبء الماضي رغم أنني لم أرها مقصرة كانت دائما تلاحقه بالرسائل والمكالمات وأن عزيز هو الذي ابتعد عنها بحجة انشغالها بمرض ابيها ولم تعطه أي انتباه أو اهتمام  ويظهر هذا في أحد حواراتهما يقول عزيز: ص ١٣٣ وتقول حورية: ص ١٤٨ وتقول حورية في نهاية الرواية: ص ٢١٧ وكنت أرى أن عزيز كان عليه دور كبير من أجل تخطي حورية هذه المرحلة السابقة من حياتها ولم يكن عليه الابتعاد عنه. 
                                                    

Post a Comment

أحدث أقدم