كيف تم إخراج أو تسريب آثارنا؟
عاطف محمد عبد المجيد
في الطبعة الثانية من كتابه "سرقات مشروعة..حكايات عن سرقة آثار مصرية ومحاولات استردادها" الصادر عن الدار المصرية اللبنانية، يُرجع الكاتب والروائي أشرف العشماوي تحمسه لصدور هذه الطبعة المنقحة والمزيدة من كتابه هذا الذي صدرت طبعته الأولى قبلها بتسع سنوات تقريبًا، إلى أنه اكتشف أن المجرمين ما زالوا يتبعون الوسائل القديمة، وأن بعض القوانين تخرج بثغرات حتى ولو بدت أضيق عن ذي قبل، وقليل من الدول الغربية التي تحوز آثارنا لا تريد إعادتها بحجة أننا غير قادرين على الحفاظ عليها.
في هذا الكتاب الذي له مكانة متفردة عند كاتبه، يكتب أشرف العشماوي عما يحيط بعالم الآثار المصرية قديمًا وحديثًا، وما تعرضت له على مدار سنوات وسنوات من سرقة وإتجار وإهداء، متحدثًا عن تجارة الآثار وكيف نسترد متحفًا، وكذلك يكتب عن تاريخ سرقة واستعادة آثارنا من الداخل، وعن سرقة المتحف المصري خلال القرن الماضي وكذلك السرقة الأخيرة التي تعرض لها المتحف يوم 28 يناير من العام 2011 أثناء ثورة يناير. في مقدمته يقول العشماوي إنه منذ 177 عامًا، كانت مصر من أولى دول العالم التي شرعت قوانين ولوائح لحماية الآثار بدءًا من عام 1835، وتلت ذلك عشرات القوانين واللوائح التي تتحدث عن حماية الآثار وضوابط خروجها والإتجار فيها، وحتى نقلها بالسكك الحديدية وغيرها من وسائل النقل.
جرح غائر
هنا يطرح العشماوي على نفسه، وعلى قارئه بالتبعية أيضًا، سؤالًا لم يجد له إجابة شافية حتى يومنا هذا، وهو كيف تم إخراج أو تسريب آثارنا، رغم كل هذه القوانين والضوابط واللوائح والقرارت التي كانت لدينا؟ وكيف لم نتمكن من استعادتها كاملة رغم كل المحاولات التي جرت لذلك؟ هنا يرى العشماوي أن سرقة الآثار عبارة عن جرح غائر لا يزال ينزف ويبدو أنه لن يندمل، مثلما اكتشف بعد البحث والقراءة والتطبيق أن تلك القوانين قد اكتسبت أهم ما يميز الآثار ذاتها من غموض، فهي تحوي أسرارًا لا تزال تبوح بها حتى الآن كما يقول الأثريون، وعلى ما يبدو أن قوانينها قد اكتسبت منها الصفة نفسها. هنا يؤكد الكاتب أن ما قرأه في هذا المجال أثار اهتمامه وفضوله ودفعه ليتعمق أكثر بعد أن وجد متعة كبيرة في دراسة القوانين واللوائح وتأمّلها، واستطاع أن يستنبط جانبًا مهمًّا من الحياة الثقافية المصرية من خلالها، خاصة وأنه يرى أن التشريع هو مرآة المجتمع التي تعكس صورة شبه كاملة لما كان عليه حال المواطنين، فمن خلال نصوصه التي تحكم سلوكهم في فترة من الزمن نستطيع أن نتوصل إلى جوانب مختلفة من حياتهم في هذه الفترة، وكذلك نوعية الجرائم التي كانوا يُقْدمون على ارتكابها.
من الأسئلة التي يطرحها العشماوي في كتابه هذا هو هل نجحنا في الحفاظ على آثارنا بالقانون، أم أن بعض القوانين ساعدت البعض على تملّك جانب من تراثنا دون حق، فصار أمرًا مشروعًا فخرج به ولم يعد؟
التراث الثقافي
ما يؤكده الكاتب هنا كذلك أن سرقة التراث ستظل دائمًا في نظر التاريخ جريمة كبرى، ولكن في بعض دول العالم النامي ساهمت بعض القوانين في جعلها عملًا مشروعًا لبعض الوقت، ذاكرًا أن الاعتقاد بأن من يعثر على خبيئة آثار مدفونة فإنها تكون ملكًا خاصًّا له لا للدولة، فهذا لا يزال قائمًا إلى يومنا هذا. هذا الاعتقاد يسود لدى كثير من المنقبين خاصة في صعيد مصر، مما جعل السرقة عملًا مشروعًا لدى البعض، وليس جريمة يعاقب عليها القانون.
هنا يكتب أشرف العشماوي عن صفحات من تاريخ النظام القانوني لحماية الآثار المصرية بداية من الوالي محمد على، كما يكتب عن صفحات من تاريخ نظام القسمة والملكية الخاصة وتجارة وإهداء الآثار المصرية. هنا يذكر الكاتب أن الإتجار في الآثار المصرية عن طريق البيع والشراء يُشكل فصلًا كاملًا من مأساة الآثار المصرية التي استمرت لسنوات طويلة، مضيفًا أن قانون تجارة الآثار وتصديرها قد سمح في خروجها واستقرارها في متاحف أجنبية ولدى هواة جمع الآثار بالخارج بكميات كبيرة يصعب حصرها الآن.
ما يؤكد عليه أيضًا هنا الكاتب أن التراث الثقافي والأثري يمثلان في حقيقة الأمر كيانًا وتاريخًا وحضارة لأي دولة، وقد يظن بعض حكامنا أن استخدامهم هذا التراث كهدايا يرفع من شأن بلادنا، لكن يجب أن ندرك، يقول العشماوي، أننا لن نكون في نظر المؤرخين سوى أمة فرطت في جزء من ماضيها، في محاولة منها للحفاظ على حاضرها، غير عابئة بما قد يقوله التاريخ عنها مستقبلًا.
هنا أيضًا يقول الكاتب إنه مع كل ما اشتملت عليه مصر ومتاحفها من آثار عديدة لا تزال تجذب أنظار العالم إليها من كل مكان، فإن بعضًا من هذه الآثار الرائعة كانت ولا تزال تعاني من الغربة عن أرض الوطن الذي نشأت فيه.العشماوي الذي كان مسئولًا عن استرداد الآثار المهربة من الناحية القانونية، معتمدًا على المستندات التي كانت متاحة له، يرى أن المجلس الأعلى للآثار لم يتهاون أو يقصر في استرداد أية قطعة أثرية يثبت أنها خرجت من مصر بطريقة غير مشروعة.
أيضًا يذكر الكاتب هنا أن كلمة السر في استرداد الآثار المهربة هي الاتفاقية الصادرة عن منظمة اليونسكو بشأن منع استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة.
خروج آمن
العشماوي الذي كرس كتابه هذا للحديث عن الآثار وسرقتها والإتجار فيها، يكتب هنا قائلًا إذا ما كان القانون وحده لا يكفي، وكان جانب كبير من آثارنا قد خرج خروجًا آمنًا، وبعضه ذهب بلا عودة، فالأمل الآن في الحفاظ على ما تبقى من آثارنا. كذلك يؤكد أن التراث والحضارة ليسا آثارًا ومخطوطات قديمة فحسب، وإنما منظومة كاملة، لا يصح أغفال أحد عناصرها على حساب عناصر أخرى، فالميراث الثقافي لا ينبغي التعامل معه من منطلق الأهم فالمهم، بل باعتباره وحدة واحدة في غاية الأهمية، لأنه يعكس مدى رقي الأمة وثقافة مواطنيها ووعيهم بمشاركة الدولة في الحفاظ عليه. كما يعتقد أنه قد حان الوقت لوضع قانون موحد للتراث الحضاري لمواجهة جميع جرائم البيئة الثقافية والأثرية من ناحية، ومن ناحية أخرى فرض قواعد تنظيمية للحماية وتداول المقتنيات الثقافية.
نهاية يختتم أشرف العشماوي كتابه سرقات مشروعة بقوله: السرقة لن تتوقف..ولا أعمال الحفر والتنقيب والتهريب و..وربما الكتابة عن ذلك أيضًا..!
إرسال تعليق