الإخطبوط
هوشنك أوسي
مَدَدتُ لها يدًا مِن وردٍ،
وأُخرى مِن حَنين،
وثالثة مِن قصائدَ كتبتُها،
عندما كنتُ قرصانًا سجينًا؛ محكومًا بالإعدام.
مَدَدتُ نحوها يدًا من وجعِ الكُرد،
وأخرى مِن حُزنِ الأرمن،
وثالثة مِن قهوةِ اليمنِ والحِجاز.
مَددتُ يدًا نيلاً، أشيرُ بها إلى قلبي
المسحوقِ بين حَجَري رحى.
ويدًا مِن نبيذٍ فرنسيٍّ،
وأخرى من شوكولاته بلجيكيّة،
يصنعها رهبانُ وراهباتُ فلاندرز
من آثامهم وحيواتهم السِّرِّيَّة.
صافحتني، واقتلعتْ أصابعي أقلامًا
تكتبُ بها قصائدَ لرجالٍ آخرين.
حين عانقتها، وددتُ لو أنّني إخطبوطٌ بألفِ ذراع،
كي أحاصرها،
أتحسَّسُ كلَّ ثغورَها والعيون.
***
لئيمةٌ، كقطّةٍ لدودةٍ، رابضةٍ على شهوتها،
تتابعُ صوري ومناشيري.
تتبَّعُ إعجاباتِ الرّجالِ، أسفلَ نصوصي.
تتفحَّصُ القلوبَ التي توقِّع بها النِّساءُ على قصائدي،
قلبا، قلبا...
قبلةً، قبلةً...
تقرأ ما وراءَ التّعليقات.
تفتعلُ الصَّمتَ والتَّجاهُلَ،
فتجلدُها الغيرةُ على قلبِها والكبد.
تهربُ كطفلةٍ ارتكبت خطأً فادحًا،
تتوارى كجريمة،
ترتمي في حضن حوض الاستحمام،
تستمني كمراهقةٍ خجولةٍ ومرعوبةٍ.
تكاتبني معاتبةً، كعاشقةٍ في العقد الثّالثِ من عمرها،
وتبكي عليَّ كأرملةٍ فقدتني في حرب.
***
في النّورِ؛ سمراءُ من قومٍ فرعون.
في الظّلِّ؛ شقراءُ من قوم إسكندر.
وبين يديَّ؛ عجينةٌ من طحينِ الفضَّةِ والنَّبيذ،
أطهو منها خبزًا،
تتقاتلُ على التهامهِ الملائكةُ والشّياطين.
***
كَلصَّةٍ مبتدئةٍ، تدخلُ على الماسنجر.
تبدي ندمها. تتلعثم.
تعتذر عن الغياب، وتتعثّر.
تقول: أُحِبُّكَ، يا أخطبوطيَ الجميل،
حتَّى لو كان كلُّ ذراعٍ مِن أذرعِكَ،
في عبِّ امرأةٍ أخرى،
يداعبُ نهدها.
"أهواك بلا أمل" غنَّتها فيروز.
ولستُ أعرفُ؛ ماذا أغني لكَ،
حين نلتقي، ونموتُ مرَّةً أخرى،
وتشيّعنا شوارعُ المدينة، إلى مثوانا
الأوّل ــ الأخير؟
14/2/2024
Oostende
إرسال تعليق