نجاة وغناء بطعم الحلاوة!


كتب / حسين عبد العزيز



وهذا يكفيها أن تذكر (نجاة) دون ألقاب دون مقدمات ودون حواشي من أى نوع يكفي فقط أن تقول نجاة حتى نتذكر متعة من الغناء حرمنا منها لأسباب غامضة نجاة التى أمتعتنا بالغناء إلى حد السُكر بالكلمات والأداء والألحان.

كنت صغيرا لم أتعد العاشرة عندما قلت لأخى السيد حسن ، والذى كان لا يفارق سماع نجاة (هو يعنى مفيش غير نجاة) فكان رده حكيما وبليغا للغاية ، حيث قال (بكرة تعرف يا حسين) وتجرى الأيام سريعا وكبرت ورحلت إلى القاهرة فى مهمة (ما) وفى عصرية أحد الأيام كنت واقفا فى المطبخ اقلى بطاطس والزملاء فى الحجرة يتحدثون ونجاة تغنى من إذاعة أم كلثوم وفجأة اسمع نجاة تغنى (حتى فساتين التى أهملتها فرحت به رقصت على قدميه) تركت تقليب البطاطس وأسرعت إلى الغرفة آمراً أحد الأصدقاء. أن يتجه للقيام بمهمة قلي البطاطس وجلست أنا بجوار نجاة.
ومن هنا بدأت رحلتى معها.

الطفولة

ولدت نجاة فى حى عابدين لأب كان يعمل خطاطا وكان بارعا فى عمله فنال شهرة واسعة من وراء تلك البراعة التى كان يتحلى بها ورغم ذلك كان الجو العائلي مشحون بالمشاكل العائلية ما بين الأب والأم المغلوبة على أمرها وتطلق الزوجة من زوجها محمد حسني البابا وكان سن نجاة فى تلك اللحظة لم يتعدى الرابعة وعاشت مع والدها حزينة منطوية على نفسها نتيجة لتسلط والدها. وكانت أسعد لحظات طفولتها هى تلك اللحظات التى يغادر فيها البيت إلى عمله أو إلى المقهى فتستغل الفتاة تلك الفترة فى أن تغرد بينها وبين نفسها مقلدة أم كلثوم وعبد الوهاب وفى أحد الأيام عاد الأب الى بيته وفتح الباب واستسرق السمع فسمع صوتا جميلا يصدر من ابنته التى تخاف منه ..

لكنه أسرع وحمل أبنته إلى متعهد حفلات الغناء وإلى المسارح فلم تذهب الفتاة إلى مدرسة وإنما من حفلة على أخرى وأبيها ورائها يجني الأموال ؟!

حققت الفتاة من الغناء الذى كان عبارة عن تقليد أم كلثوم التى تحفظ أغانيها. وكانت تقلدها فى حركتها وفى أدائها. شهرة جعلها معروفة ومطلوبه من الكل ..وايضا حققا المال الذى جعل الأب يؤمن بأن إبنته كنزا لبد من استغلاله الى اخر ما فيه من جواهر .
الفرصة

وفى عام 1944 تمكن والدها فى تسجيل اسمها فى سجل حفلة وزارة المعارف والذي كان سوف تحيه أم كلثوم لكنها اعتذرت فى آخر لحظه وبهذا تكون الفرصة أتت إلى نجاة على طبق من ذهب .. وينجح الحفل وصوت نجاة ويتم اعتمادها مطربة وتزداد الحفلات التى كانت تقدمها على مسرح (بديعة مصابني) وتلقفتها السينما لتقدمها فى دور صغير فى فيلم (هدية) للمخرج محمود ذو الفقار.

وكان محمد حسني البابا يتعامل مع ابنته نجاة بمنطق التاجر الذى يريد المكسب بعيدا عن أى اعتبارات أو حسابات أخرى ومن هنا لم يراعى طفولتها. وإنما أهتم بصوتها لكي يبقى مصدراً للدخل مهما كانت الظروف والأحوال مما دفعا بمحمد التابعي وفكرى أباظة ومحمد عبد الوهاب بمطالبة الهيئات الفنية بالعمل لإنقاذ الطفلة وحماية موهبتها من الاستغلال على اعتبار أن موهبتها مازالت فى طور التكوين وتريد الرعاية والحماية. وليس العمل الكثير والاستغلال.

الزواج

يأتى عام 1955 لتتزوج – نجاة من كمال منسي صاحب أخيها. وما أن خلعت ثوب الزفاف حتى خلعت ثوب أم كلثوم وأردت ثوبها الغنائي الخاص بها وقد ساعدها زوجها كمال منسي فى ذلك بأن كان يحضر لها المؤلفين والملحنين من أجل صنع أغاني تليق بها وبصوتها. وتنطلق كالسهم فى المنطقة التى تركتها ليلى مراد بتوقفها عن الغناء واتجاه شاديه للتمثيل واختفاء أسمهان بسبب الموت المأساوى.
عرفها الجمهور وعرف أغانيها وحلوة صوتها وصفق طويلا لموهبتها الأصلية وفى المقابل تذوقت (نجاة) طعم النجاح لأول مره فى حياتها لما أحست بأن الناس أحبتها لصوتها وأدائها هى وليس لتقليدها لأم كلثوم وهذا بسبب نجاح زوجها الذى تحول إلى مساعدها أو بمعنى آخر مدير أعمالها الذى يبحث عن الألحان والكلمات الجيدة والمميزة ويقدمها لها لتقول (كلمتها باختيارها المناسب لها – واستمر هذا التناغم العائلي والعملي 4 سنوات ثم بعد ذلك تحول كل شيء إلى النقيض العش الهادئ إلى جحيم. الزوج الحنون إلى زوج لا يطاق فكرهته وكرهت تدخلاته فى حياتها وفى عملها .. ولم تنتهي تلك الأزمة إلا بالطلاق)

وبعد أن فاقت من الطلاق وتوابعه .. عادة نجاة إلى نجاحاتها (تليفونك ليه مشغول) كلمات عبد الوهاب محمد والحان بليغ حمدى إلى (ساكن قصادى) كلمات حسين السيد وألحان محمد عبد الوهاب – إلى (قدرت تنام) كلمات مأمون الشناوى وألحان الموجي قصيدة (أيظن) التى أهداها لها نزار قباني ولحنها عبد الوهاب وكلها ألحان تلاقت نجاحات ساحقة .. ورفعت من شأن (نجاة) بين نجوم الغناء.

ونجاح قصيدة (أيظن) لم يمر هكذا (.. وإنما حدثت مشكلة لم يحلها غير مؤلف القصيدة نزار قباني).

فقد معرف عن الموسيقار محمد عبد الوهاب أنه يسجل الأغنية التى يلحنها بصوته وغضبت وثارت نجاة لذلك ولم يقدر أحد يحل تلك المشكلة إلا نزار الذى قال أن تلك القصيدة مهداة لنجاة ولا يحق لعبد الوهاب أن يغنيها أو يسند لحنها لأى مطرب آخر فهو أى عبد الوهاب كان يسجل أى أغنية من تلحينه بصوته .. معدى أغاني أم كلثوم التى اشترطت عليه عدم تسجيل الأغاني التى يلحنها لها بصوته.

نجاة على تواجه نجاة الصغيرة

ذهبت السينما إلى نجاة وهى تعلم أن نجاة مطربة فى المقام الأول – لذا فكانت الأدوار تناسب مطربة قبل أن تناسب ممثلة فهى تخلف عن شادية فى هذا المجال وهى تقترب للغاية من فايزة أحمد فى تلك المنطة ، حيث أن فايزة أحمد مطربة اتجهت إلى التمثيل كذلك كانت نجاة ، حيث وقفت أمام المطربة (نجاة على) فى فيلم (الكل يغنى) وكان دور ثانوياًً وفى هذا الفيلم أطلقوا عليها الجمهور لقب (نجاة الصغيرة) للتفرقة بينها وبين نجاة على – التى كانت تتمتع بشهرة واسعة فى ذلك الحين.

وتوالت عليها الأدوار وحصلت على دور البطولة فى فيلم (غريبة) والذي يعد البداية الحقيقية لنجاة فى السينما .. ففيه قررت نجاة أن تظهر قدرتها على التمثيل والغناء معا أمام نجوم كبار من الصف الأول مثل عماد حمدي وعقيلة راتب وأحمد رمزي ثم تقدم بعده فيلم (العيد الكبير) أمام أحمد رمزي وفيه قدمت 4 أغنيات لـ مرسى جميل عزيز وألحان محمد الموجي وكمال الطويل ثم نراها فى فيلم (أسير الظلام) وفيه غنت عددة ألحان من ألحان عبد الوهاب .. وبعد نراها فى الفيلم الرائع للغاية (الشموع السوداء) أمام صالح سليم وفى فيلم (ابنتى العزيزة) مع رشدي أباظة وعمر خورشيد إخراج حلمي رافلة غنت 4 ألحان لبعد الوهاب والموجي وبليغ .. ويلتقطها المخرج حسام الدين مصطفى ويقدمها فى الفيلم الغنائي (شاطئ المرح) وقد نجح الفيلم نجاحاً ساحقاً ويتزوجها حسام الدين مصطفى لفترة قصيرة ثم تقدم فيلم 7 ايام فى الجنة أمام أمين الهنيدي ثم تختم مشوارها السينمائى بفيلم (جفت الدموع) أمام محمود ياسين.
وبعد هذا الفيلم تعنزل السينما قبل أن تعتزل الغناء.

أن سيرة نجاة فى الغناء سيرة طويلة .. حيث أنها من خلال تلك المسيرة قدمت للغناء العربي عدد لا بأس به من أفضل وأحسن الأغاني العربية والتى لا يمكن أن ينسها المستمع العربي مهما تغيرت الظروف والأحوال من ساكن قصادي إلى أيظن إلى عيون القلب إلى (العوازل ياما قالوا) إلى (اسهر وأنشغل أنا) إلى آخر تلك الاغنية الجميلة والعظيمة جداً.

Post a Comment

أحدث أقدم