وحوى يا وحوى أنشودة مصرية



وحوى يا وحوى أنشودة مصرية
وحوى يا وحوى أنشودة مصرية



بقلم: كمال مغيث




منذ ما يزيد علي الخمسين عاماً، كنا نحمل فوانيسنا الصغيرة المتواضعة، والمصنوعة من الصفيح والزجاج الملون، حيث كان ثمن الفانوس لا يتجاوز القروش الخمسة، ونضع بداخلها الشمعة المشتعلة  ونمر علي البيوت وهي في النهاية بيوت أقاربنا وجيراننا، ونحن ننشد وحوي يا وحوي.. إياحة، حالو يا حلو رمضان كريم يا حالو، وكان هؤلاء الأقارب يجودون علينا ببعض التمرات، أو ببعض ثمار الفاكهة كاليوسفى والموز لا أكثر من ذلك.
وعندما كبرنا قليلاً، دخلت الكهرباء إلي بلدتنا - الباجور منوفية - سنة ١٩٦٥، وانتشرت أجهزة الراديو، وكبرنا علي اللف بالفوانيس علي البيوت والبيبان، ومع ذلك فقد راحت تسحرنا أغنية «وحوي يا وحوي إياحة» من غناء المطرب أحمد عبدالقادر وكلمات حسين حلمي المانسترلي وألحان أحمد الشريف، وتقول بعض كلماتها: 
"وحوي يا وحوي إياحة / رحت يا شعبان إياحة / جيت يا رمضان إياحة / جيت في جمالك سقفوا يا عيال / ياللا الغفار / محلا صيامك فيه صحة وعال / ياللا الغفار / نفدي وصالك بالروح والمال / وحوي يا وحوي"

المهم أنه رغم استمتاعنا بالأغنية، التي أصبح الناس جميعاً يعتبرونها علامة مميزة علي الشهر الكريم، فقد رحت أحاول أن أفهم معني كلمات: «وحوي يا وحوي إياحة»، لاهتمام أصيل يدفعني لمحاولة فك رموز الثقافة الثرية لشعبنا المصري العظيم، وكان من المنطقي أن أبدأ بالبحث في القواميس والمعاجم العربية عن معني كلمتي: وحوي... إياحة.. فلم تسعفني المعاجم بشيء، فانطلقت إلي معيننا الخالد وخزانة ذكرياتنا وتراثنا الخالد. وأوصلني البحث إلي الملكة العظيمة «إياح حتب» أو «إياحة» كما ندلل بناتنا فنحن نقول: لـ«تحية» توحة، أو لـ«ندي» دودا. 
ورحت أتتبع أخبار تلك السيدة العظيمة، فإليكم- ما اهتديت إليه، وأرجو أن يكون مفيداً.
 في أواخر القرن الخامس عشر قبل الميلاد كانت الدولة الفرعونية الوسطي قد تدهورت وتفككت، مما أطمع فيها شعوب الرعاة، البدو، القاطنين علي حوافها الشرقية، حيث يدفعهم قفر الصحراء وجدبها إلي أن يتلمظوا دائماً لنيل مصر الجاري وأرضها الخصبة وبقلها وقثائها، فتجمعوا في جحافل شرسة مقاتلة - سميت الهكسوس - لتحتل شرق البلاد وتفرض سيطرتها علي مختلف أقاليمها، وتجبر أمراءها علي دفع الجزية، أو الإتاوة، لحاكمها في عاصمتهم «أواريس» صالحجر حاليا، وفعلوا جميعاً.
واستمر حكام الأقاليم المصرية يخضعون لسيادة حكام الهكسوس فى اواريس لما يزيد على مئة وخمسين عاما، حتى تولى حكم طيبة الأمير تاعا الثانى زوج الأميرة "أياح حتب" والتي كانت تمتلئ حماسا ووطنية وحب لبلادها وأجدادها فراحت تحرضه علي رفع راية العصيان في وجه الغزاة الهكسوس، واستعادة مجد وبلاد آبائه من الفراعنة العظام، فأعلن الرجل استقلاله عن الهكسوس وتسمى باسم الملك سقنن رع على عادة الملوك الفراعنة وراح يعد العدة ويجند الجند ويقوم بالتدريبات، وتنقل «العيون» الأخبار إلي ملك الهكسوس الذي يرسل رسالة سخرية إلي تاعا، يقول فيها: أسكتوا أفراس النهر التي تصيح في طيبة.. إنها تزعجنى وتقض مضجعى
فيعلن تاعا نفسه ملكا على البلاد باسم "سقنن رع" ويعلن الحرب على المحتلين ويتقدم الجيش الطيبي، وتحت أسوار قلعة اواريس تدور رحى معركة حامية الوطيس وينال سقنن رع ضربة دبوس فى فكه وضربة بلطة في جمجمته، ويمكن للقارئ الكريم رؤية الضربتين ماثلتين لو وقف أمام مومياء ذلك الملك المناضل العظيم في قاعة المومياوات بمتحف الحضارة بالفسطاط
وربما تدفعك نفسك لزيارة قاعة الذهب بالمتحف المصرى لتشاهد قلائد وأساور الملكة إياح حتب، من بينها نوط الشجاعة ذو الذبابات الذهبية الثلاث والتي أقيم المتحف المصرى الشامخ حولها بالتحديد، وتلك قصة أخري، المهم عادت «إياح حتب» بجثمان زوجها الشهيد، وبمجرد الانتهاء من مراسم وداعه ودفنه، انطلقت إلي ابنها البكر «كامس» ودعته للثأر لأبيه فأعلن نفسه ملكا واستأنف مشوار أبيه ومات ميتته، محارباً في سبيل الاستقلال، ولم تهن عزيمة إياح حتب، فدفعت إلي أتون المعركة بابنها الثاني «أحمس»، وينتصر أحمس علي الهكسوس ويهزمهم، ويطارد فلولهم إلي البادية التي دهتنا بهم ويهربوا إلى سيناء ومنها الى فلسطين حتى شمالها وأمه معه تشد من أزره  وتقويه، حتى يطمئن إلي أنه قد شتت شمل الهكسوس ولن تقم لهم قائمة، يعود أدراجه إلي بلاده، وتعود معه أمه «إياح حتب» بعد أن رضيت وقرت عينها، وحققت الاستقلال الذي سعت إليه وقدمت زوجها وابنها البكر قرباناً له.
والآن أود أن اخبركم: إن إياح، معناها، «قمر». وحتب معناها، « سعيد أو راضى او مطمئن»، أما كلمة وحوي الفرعونية فمعناها: مرحباً أو أهلاً.

وهكذا وتقديراً للتضحيات وللدور البطولي لـ«إياحة»  ولمكانتها فى القلوب خرج المصريون حاملين المسارج والمشاعل والمصابيح وهم يهللون ويهتفون لها: "وحوي وحوى إياحة" أي: مرحباً يا قمر، أو أهلاً يا قمر.

وهكذا أصبحت وحوي إياحة، أو أهلاً يا قمر، تعويذة المصريين وشعارهم لاستقبال كل قمر يحبونه وعلي رأسها: قمر شهر رمضان المعظم.

Post a Comment

أحدث أقدم