سوء تفاهم، لألبير كامي



بقلم: شريف الوكيل


عندما سئل ألبير كامي في حديث أدلى به إلى مجلة "باري تياتر" الفرنسية، عما أراد التعبير عنه كمؤلف مسرحي ، اجاب قائلا:
"لم أقصد التعبير عن شيء، ولكني أردت خلق شخصيات وانفعال وإحساس بالمأساة
وفيما بعد فكرت كثيرا في المأساة الحديثة فكانت "سوء التفاهم " وغيرها مما كتبت محاولات بطرق مختلفة واساليب متباينة للإقتراب من هذه المأساة .

حيث يبدو لي أنه لا وجود لمسرح حقيقي إلا بالكلام والأسلوب، ولا وجود لعمل مسرحي إلا بتدخل المصير الإنساني كله بما فيه من بساطة وجلال، كما هو الحال في مسرحنا الكلاسيكي، أو المأساة اليونانية."

وكانت مسرحيات "ألبير كامي" ترسم خطا موازيا لقصصه ومقالاته، وتعكس تطورا فكريا متصلا بالتجربة والحياة، فكانت سوء التفاهم تعبر عن ميتافيزيقا اللامعقول
(الذي لا معنى له)، العالم لا معقول وكذلك الإنسان والصلة التي بينهما وهي صلة مواجهة صدام الوعي، ذلك الوعي الذي يستكشف فناء رغباته... وقد كانت مرحلة مهمة من مراحل انتاجه الأدبي كله، فكان اللامعقول هو المناف للعقل ذاته، أو مواجهة الوعي لما يتنافى والعقل .
ومايتنافى العقل والشجى الإنساني واللامعقول الذي ينشأ عن وجود كل منهما مع الآخر، هما الشخصيات الثلاث 
لمسرحيته الرائعة"سوء التفاهم" .
المأساة دائما سوء تفاهم بالمعنى الحقيقي للكلمة، أو بعبارة أكثر شمولا، صمم .
إن مأساة "سوء التفاهم" هي قلة تبصر الشخصيات فيما يختص بعلاقتهم المتبادلة وحدة بصيرتهم فيما يختص بمشاعرهم الشخصية، وعجز العقل والقلب عن التنبؤ بوقوع أي كارثة ... ومن هذا المنطلق تقع جريمة قتل مريعة، فلو أن كلمة واحدة قيلت لما وقعت الجريمة، لكن القدر بالمرصاد ولا مناص من سوء التفاهم .

تحكي المسرحية عن قصة بسيطة لأم وابنتها يمتلكان فندقا صغيرا لكنه نظيف وأنيق، دفعتهما ظروف العيش القاسية إلى حبك خطط لاغتيال نزلاء الفندق وسلبهم أموالهم بتواطؤ مع الخادم الكهل الأصم. حيث يتم تخدير الضحية ثم إلقائها في مياه البحيرة... وكان للأم إبن هاجر منذ صغره إلى بلاد بعيدة فيها إمكانية جمع المال، يصادف أن يقرر العودة إلى الديار، فيقصد الفندق لكن الحرج الذي داهمه هو كيف يقدم نفسه لأمه وأخته، وقد تغيرت ملامحهم جميعهم .
قرر الإبن النزول في الفندق وحده، تاركا زوجته في مكان آخر لمدة، حتى يجد طريقة ليكشف عن هويته. لكن الخطة الموضوعة سلفا لقتل النزلاء، وكذلك عزيمة الأخت كانت قوية فأوقعت به ومات نتيجة "سوء تفاهم".

ليقتبس كاتب السيناريو مصطفى محرم الحكاية ويحولها إلى فيلم “المجهول” مأخوذ  مباشرة عن النص الأدبى الذى كتبه كامي، والغريب أن هذه المسرحية لم تتحول إلى فيلم في أى بقعة أخرى من العالم، بأى من اللغات، أى أنها حالة فردية، وبالتالي فإن الاختلافات بين النص الأدبي، والفيلم الذى تدور أحداثه في كندا يرجع وجودها إلى كاتب السيناريو .

قدم الثالوث الرائع بقيادة رائدة الفن المسرحي والسينمائي سناء جميل، وقد قدمت دوراً متميزا لما لها من قدرة على
 سبر أغوار الشخصية التى تقدمها. ولا عجب أن سماها البعض سيدة الأحاسيس، كما سميت ملكة المسرح وزهرة الصبار، ولا ننسى لها دور ونفيسة في بداية ونهاية لنجيب محفوظ، وكان خلفها نجلاء فتحي
  في دور الإنسان المحبط، أو الذى يحمل عبء العالم، حيث تحمل حزنا وألما أكبر من عمرها، وذات ملامح قاسية طول الوقت، ويأتي الداهية عادل أدهم في دور لا يستطيع تقديمه سوى عادل أدهم من خلال أداء ميلودرامي رائع، وكان دور عزت العلايلي بسيطا هادئاً ويناسب شخصيته 
كل هؤلاء يحدث بينهم  إذا سوء التفاهم عندما يكون الصمت بديل التواصل.. ذلك الفهم الخاطئ، لكثيرٍ من الأقوال والأفعال معا، فى حياتنا.

ومن هنا نصل إلى أن هذه القصة المبهرة من صناعة كاتب فرنسي  دقيق الصنعة وهو ألبير كامي، إلا أن مفهوم التمثيل وتجسيد الأدب المكتوب، وتقمص الشخصيات لدرجة الإقناع، من صناعة السينما المصرية، في واحد من أفضل أفلامها منقول عن نص مسرحي رائع.

(شريف الوكيل)

Post a Comment

أحدث أقدم