خليل المخاوي، للكاتبة أليس جابر
بقلم: سيد صابر
يقول العظيم غالي شكري في مقدمة كتابه النقدي الرائع المنتمي ...لا يوجد ادب مقطوع الصلة عن بيئته ومنعزل عن انقلاباتها السياسية وصراع طبقاتها الاجتماعية ...
هذا هو بالضبط ما فعلته الكاتبة أليس جابر في احدث روائعها خليل المخاوي ... عين ترصد و عقل يطبع وشلال من الأحداث الأنية في قالب ادبي سلس الا من بعض الأخطاء اللغوية التي يقع فيها معظمنا وهي هنا مسئولية دار النشر والمدقق ...
خليل المخاوي ... من الاهداء ... إلى كل الخراف التي لم يلتفت لها الراعي ... تشعر انك امام مجموعة قصصية تموج بالاحداث التي يمور ويفور بها المجتمع ...
القصة الأولي طبلة ... طبلة .. هنا ترصد أليس ظاهرة قديمة قدم المصري القديم .. جديدة وحديثة حداثة ماتقدمه التليفزيونات كل ليلة .. عن الطبلة التي يضعها كل طالب في طريقه للمدرسة تحت ابطه وكل عامل وموظف وكل رجل وكل سيدة كلهم يضعونها تحت ابطهم لتكون جاهزة للتطبيل ...
ظاهرة التطبيل نفسها ليست جديدة ولكن استخدام مصطلح بيتطبل هو الجديد وقد ظهر قبل عشرة سنوات وازيد قليلا ...
وهنا وكأن أليس تقول لنا أن هذا المجتمع الذي كان شعاره التعليم كالماء والهواء .. أصبح شعاره التطبيل كالماء والهواء ...
أما في قصتها الثانية زمزم ... فهي تكتب لنا عن حادثة القطار الذي هرس زمزم والناس تصرخ ... ثم هرس صديقات زمزم والناس تصرخ .. ثم البئر الذي يسقط فيه الاطفال ولازال الناس تصرخ ... وهنا تذكرنا أليس بأفة من افات الشخصية المصرية وهي التعود أو التكيف ... مع الموجود والتحايل عليه ... يختفي الناس ولايتبقي سوي الصراخ ... فقط الصراخ هو الباقي ...
أما القصة الثالثة ... ثمن الغربة عن الزوجة التي يتركها زوجها ويسافر ... ويراودها اخو زوجها ويأتي اخوه الأكبر ويتلصص عليهم ثم سرعان ما يدخل هو كذلك ليأخذ نصيبه الحرام من زوجة أخيه ... والاخ أو الزوج في الغربة يعاني الأمرين وعندما يهاتف أمه ترد عليه ... مراتك .. اخواتك يحافظون عليها ويلبون لها طلباتها ومش ناقصها حاجة ... هنا الكاتبة لاتقصد المعاني الحرفية لمقولات الشخوص بل إنها تحلق بنا فيما وراء الحرف فالأم المدلسة هنا هي المجتمع ... المجتمع الذي يري أن الغايب مالوش نايب ... الغايب مالوش نايب ... انت قررت تسافر وتقبض بالاخضر وترجع لابس بالطو جوخ وحامل للترانزسيستور الذي يتحول الي تليفزيون ملون ثم فيديو ثم دش وموبايل بزارير ... قررت انت تأخذ كل ذلك نظير سفرك ... أذن انت ليس لك نايب لانك كنت غايب ... ليس لك نايب في الميراث ... في الأرض ... في الحضن ... و كأن لسان حال المجتمع (الأم والاخوان ) بيطلعوا لسانهم له ويصرخون الغايب مالوش نايب ...
القصة الرابعة ... خليل المخاوي ... مأفون القرية الذي يتلصص علي النسوة أثناء استحممهن في الترعة ويضبطه زوج أحدهم وهو يصرخ بعلو الصوت ذاكرا مفاتنها ... وعندما قام الرجل بضربه انقسم الناس بين أن خليل مخطئ ولابد من عقابه لانه ذكر مفاتن زوجته وبين ياحرام ... حرام .. ده راجل بركة ... ولابد أن نعمل له مقام ...
وهنا يحضرني موقف للتعليق علي تلك القصة ... فاكرين جاموسة البحيرة التي كانت لا تتعدي السنتين من عمرها وخرج الأهالي يقولون إن الجاموسة حامل وأنها مولودة حامل ... وهذه معجزة وبداءوا يتبركوا ويتمسحوا في الجاموسة وهبت القري المجاورة للتبرك بالجاموسة وذهبت الكاميرات والميكروفانات للقرية حتي خرج أحد كبارات القرية ونظر للكاميرا وقال ... هنعملها مجام ... سيعمل للجاموسة مقام ... وبعد عرض الجاموسة علي الطب البيطري ثبت أن سبب كبر بطنها واثدائها فتق واضطرابات هرمونية ... تلك القصة حدثت منذ ست شهور ... منذ ستة شهور وهناك أناس في مصر قرروا يعملوا لجاموسة مقام لمجرد كبر بطنها واثدائها ... وهنا طبيعي أن يقوموا بعمل مقام لخليل المخاوي ...
عندما تمر المجتمعات بأضطرابات سياسية أو اجتماعية أو أقتصادية تلجأ الي الغيبات ولكن نحن هنا في مصر نلجأ للغيبات في كل حين وذلك لأننا نعاني أزمات في معظم الأوقات ... تقريبا كل حكامنا يقولون وقالوا لنا .. نحن نمر في منعطف تاريخي ... مصر تمر في منعطف تاريخي منذ مينا موحد القطريين وتلجأ للغيبيات منذ ساعة تاريخه ... خليل المخاوي أو جاموسة البحيرة موجودين في كل زمان ومكان ...
شكرا أليس جابر عمل رائع والروح التي تكتبين بها والتناول هي نفسها المدرسة التي أنتمي لها في الكتابة ...
إرسال تعليق