قنديل أم هاشم ليحيى حقي
ورمزية الصراع بين العلم والموروث.
بقلم: شريف الوكيل
في إضاءة الناقد والكاتب سيد الوكيل حول صاحب "قنديل أم هاشم"، يغوص بنا سيد الوكيل في بحور الكاتب يحيى حقي الثمانية وعشرون، وقد خص بالذكر رواية قنديل أم هاشم والتي تمثل بداية المطاف لرحلة جديدة بالنسبة للرواية الواقعية، نحو آفاق أرحب عند جيل روائى من طراز جديد ...
ويحيى حقى وكما ذكر سيد الوكيل في اضاءته، كاتب من كتاب الرواية الواقعية التى تجسد مشاكل الحياة بمصر بصفة عامة، وتجسيد مشاكل الإنسان بصفة خاصة .
يمكن اعتبار هذه الرواية رواية رمزية لأن السمة المميزة لقصة الحدث الرمزي أنها قصة تكتب أساسا من أجل تقديم موضوع ما تقديما دراميا، ومن هنا حكم الكاتب موضوعه وفكرته قى إطار درامي قصصي رمزي من خلال الشخصيات التي تعبر كل منها عن جانب يرمز إلى جانب محدد من جوانب فكرته...
ومن هنا تبدأ الأحداث بالتوتر والتصاعد عبر صراع أعلنه الطبيب الشاب فما لقي سوى الاستنكار والاستهزاء،
وعندما تجرأ وحطم القنديل ثار المريدون في شكل من أشكال الهستيريا الجمعية غير المفكرة والذاهبة باعتقادها إلى حد التقديس ، أوليس هم بشر يؤمنون بحب السيدة أم هاشم والذى أصبح يتحكم فى كل تصرفاتهم وأفكارهم حتى القداسة ، فأخذوا يعنفونه ويحاربونه بأقسى ما يمكن، وليس غريبا، بطبيعة الحال، هذا الموقف من بشر تفشى الجهل فيما بينهم ،وأصبح عبأ يتحمله الطبيب فى محاولة إخراجهم من هذه الظلمات .
وهكذا وعلى حد قول سيد الوكيل "جسدت ملامح الارتباك الثقافي والنفسي الذي عاشه طبيب العيون وهو يبحث عن طريق وسط بين الطب الغربي الذي درسه وخبرة تجاربه ونتائجه العلمية ، وبين المعتقد الشعبي وقدرة زيت قنديل مسجد السيدة زينب علي شفاء المرمودين" ...كما تتفاقم المواجهة لتتحول لداخل بيت الطبيب، بينه وبين أمه المصرة على معالجة ابنة عمه وخطيبته بزيت القنديل رافضة كل الرفض علوم وخبرات ابنها الطبية، مؤيدا لها موقف والده الذي ناضل لأجل أن يكون ابنه طبيباً، ومع ذلك وقف إلى جانب الأم في لحظة مشحونة بالعنف لأجل المعتقد والموروث ، وهو ينهره" ايه الكلام اللى بتقوله ده...هو ده اللى اتعلمته من بلاد بره...كل اللى كسبناه منك انك ترجع لنا كافر... إحنا عايشين في ركاب «الست» وفي حماها أعياد «الست» أعيادنا، ومواسمها مواسمنا، ومؤذن المسجد ساعتنا...
ومن خلال هذا الكشف عن الجانب الموروث فى ثقافات الناس، يغزو صاحب قنديل أم هاشم الوجدان الشعبي والذاكرة الثقافية لهذا الحي فباتت في مكانة القداسة المطلقة، ومأمل رجائهم يتوجهون إليها طوال اليوم بالدعاء وأداء الصلوات وإقامة ليالى الذكر والإبتهال تبركا بالست .
في لوحة حية هائلة إستطاع يحيى حقي إبن حي السيدة زينب مسرح أحداث روايته، والمحمل بمشاعره الروحانية التى صاغها بكثافة المجرب والعائش هذه المعتقدات على نحو ما ينبغي أن يكون سواء بالتحرر من هذا العالم الاستثنائي الذي لا يرمز إلى شيء سوى الجهل والتخلّف والابتعاد عن الدين نفسه، أو تحطيم آليات هذا التخلف الفكرى بالعلم الحديث وبخاصة الطب .
ليلتقط المخرج السينمائي كمال عطية هذه اللوحة بتفاصيلها الكاملة، ويحولها للسينما
فقد إستطاع توظيف فريق التمثيل توظيفا جيدا، بقدرات الفنان "شكري سرحان"والذي عودنا التفوق على نفسه في معظم ما يقدمه وخاصة شخصية طبيب العيون الحائر ماببن القديم والجديد ، العقيدة والمعتقد ،الخرافة والعلم، وكالعادة كان بسيطا ومقنعا فى أدائه، مثلما كان اداؤه في فيلم البوسطجي وكان أيضا عن قصة الكاتب الكبير يحيى حقي، ويتصادف أن تقدم السينما المصرية العملان سنة ١٩٦٨، وكتب لهما السيناريو صبري موسي .
(شريف الوكيل) .
إرسال تعليق