الفنون خير سفير بين الثقافات
عاطف محمد عبد المجيد
في مقدمته لكتابه " الموسيقى بين الفن والفكر " الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وقدّم له د. ناجي فوزي، يقول د. إيهاب صبري إن الموسيقى تمثل جانبًا رئيسًا في بناء الحضارة الإنسانية، لذلك ترتبط بها في رحلتها الطويلة عبر الأجيال ومن خلال التطور الحضاري الكبير، وهي تشكل بالتبعية وفقًا لملامح كل عصر وفكره وأحاسيسه ووفقًا لملامح كل بيئة، ذاكرًا أن هناك تطورات لافتة طرأت على الموسيقى العربية في القرن العشرين، ارتبط تأثرها بتراث الغرب من جهة وبشكل من أشكال العولمة من جهة أخرى، فحقق قبولًا عند بعض الشرائح والبعض الآخر رفضها.
أهمية الفنون
صبري الذي يرى أن الفنان يعبر عن انفعالات لا تصدر عن تجربة ودراسة شخصية بقدر ما تصدر عن تجربة اجتماعية سبقه فيها غيره من الفنانين، لا سيما فنان بيئته الاجتماعية، يؤكد أن الفنان مدين للمجتمع الذي يعيش فيه.
في كتابه هذا يقول صبري إن الفنون عمومًا هي من الآليات التي تستعين بها الحضارات لكي تستمر وتدوم وهي وسيلة تبين مدى ما وصل إليه مجتمع من تطور ونمو يتماشي ويتنفس ويندمج ويتوالد مع أمم العالم أجمع.
هنا أيضًا يؤكد المؤلف أن الفنون هي خير سفير بين الثقافات، استطاعت أن تتخطى حاجز اللغة والأنماط السائدة لتعزيز التفاهم بين الشعوب، وهذا يؤكد أهمية الفنون في تقارب الشعوب ويعطي رسالة للعالم حول الاعتدال واحترام الآخر والمساواة.
ولقد لعبت الفنون كالموسيقى والرقص والسينما والمسرح والتصوير، يقول الكاتب، دورًا مهمًّا في تقارب الشعوب، حتى أثناء الحروب كانت الفنون محط تقدير وتقديس، لأنها من أرفع القيم، وهي الكفيلة بتحقيق الحوار الثقافي بين الحضارات لنبذ كل ما يمتُّ للعنصرية والإرهاب والاستعمار بشتى ألوانهم.
هنا يعلن صبري أن تحولات الحياة الحديثة قد أثرت في تشكيل ملامح القطاع الموسيقي الحالي بتحرير مكونات الواقع التقليدي.
الكاتب الذي يعتبر أن الموسيقى لغة حية، يرى أنها يجب أن تكتسب صياغات جديدة وتعبيرات أكثر روعة لتحمل معناها في مجتمع متغير الآراء، وهذا هو مبدأ أي لغة.ولأن الموسيقى لغة حية، على حد وصف الكاتب لها، إذن يجب أن يكون لها مرادفات جديدة وأن تأخذ أدوات متنوعة ولحنًا وتناغمًا متوافقًا، وإذا ما رفضت تحقيق هذه التغيرات فإنها سوف تصبح قديمة.
فهم الموسيقى
الكاتب متحدثًا عن فكر الحداثة / الجمال، يقول إن البحث الجمالي في الموسيقى بمعناها الأرقى كفيل بأن يضيف وعيًا جماليًّا بهذا الفن، ويزيد من قدرة متذوقيه على فهمه والاستمتاع الجمالي به.
في كتابه الموسيقى يدعونا إيهاب صبري إلى فهم الموسيقى العالمية وتبديد الوهم الذي أشاعه البعض بأنها لا تتفق مع ذوقنا، غير أنه لابد من التفرقة بين موسيقى الأغاني الأوروبية والمؤلفات الموسيقية التي تتبوأ مكانة مرموقة في الحياة الأوروبية، إلى جانب الفنون الأخرى.
ما يركز عليه المؤلف هنا أيضًا هو أن تنوع الثقافات هو الذي يحدد تنوع المجتمعات، إذ إليه تعود الاختلافات الكثيرة والكبيرة في الأحوال والأوضاع وطرق التفكير وأنماط السلوك، كما أن التنوع الثقافي هو الذي يحدد المستويات الحضارية للمجتمعات، وهو السبب في هذا التفاوت الشاسع في درجات التخلف أو التقدم.
هنا أيضًا ينفي الكاتب كون الثقافة مفهومًا شديد الوضوح، كما يتوهم البعض، بل إن هذا المفهوم يحتاج إلى بحث وتعريف.مثلما يرى أنه جدير بالملاحظة أن من أكبر العوائق في استساغة الموسيقى العالمية أو الموسيقى الخالصة هو ما يبدو من غموض معانيها، مما أشاع أن هذه الموسيقى غير قادرة على التعبير الواضح عن مشاعرنا وأفكارنا، أو على الارتباط بالواقع والتعبير عنه.
ما يرفضه أيضًا الكاتب هنا هو المزج بين ثقافتين موسيقيتين إذ يسيء هذا المزج إلى كليهما، بينما تجاورهما وتقابلهما هو الذي يغنيهما معًا، ويبعث على التفكر والتأمل.
التراث الشعبي
إيهاب صبري الذي يرى أن الثقافة لدى أي أمة تعتبر الركيزة الأساسية في تطور قدرات الإنسان وتوجيهها نحو التقدم وبناء الحضارة، يرى كذلك أنه لابد من نزع الثقافات السلبية من المجتمعات لأنها لا تؤدي إلا إلى طريق مسدود، كما يؤكد أن الأصالة لا تعني الانتماء إلى التراث بل تعني الانتماء إلى جوهر الأمة وحضارتها.
وعودة إلى الماضي يذكر المؤلف أن الموسيقى قد انحصرت في الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام في الغناء الذي كان يُردد في منتديات اللهو والشراب، وكانت وثيقة الصلة بالشعر الجاهلي الذي اعتمد على الإيقاع الموسيقي لعلم العروض كما عُرف بعد ذلك. مضيفًا أن الموسيقى العربية قد استمرت تسير في طريق الانتعاش والازدهار حتى بلغت ذروة مجدها خلال حكم العباسيين، وانتقل مركز النشاط الموسيقي من دمشق إلى بغداد.
كما يؤكد المؤلف هنا أن التراث الشعبي يظل على الدوام معينًا لا ينضب، ينهل منه كل متعطش للغوص في أعماقه، وكل راغب في البحث عن الأصالة في حياة أي شعب من الشعوب. كما أن الفن الشعبي له دوره في التطور الموسيقي العالمي.
هنا أيضًا وفي كتابه هذا يكتب إيهاب صبري عن جدلية العلاقة بين التنوع الثقافي والإبداع الموسيقي في زمن العولمة، وعن التناص بين المؤلفات الموسيقية والتراث الشعبي، وعن هوية الفكر الموسيقي بين الشرق والغرب، مختتمًا كتابه قائلًا إن الموسيقى المصرية أمامها فرصًا كبيرة للخروج من نطاقها الضيق المحصور في أرض الوطن والبلاد العربية، وإننا إذا أمكننا وضْع مؤلفاتنا المصرية في إطار فني لائق، وعلى الأسس العلمية السليمة، فلن يكون بعيدًا اليوم الذي نقدم فيه مؤلفاتنا الموسيقية في الحفلات العالمية.
إرسال تعليق