أم كلثوم وألاغنية الحزينة ومتعة فلسفة الفن
بقلم: حسين عبد العزيز
إن سبب استمرارية أم كلثوم على القمة ، منذ ان بدأت الغناء " بياليل يا عين " وهى ترتدى بالطو وعقال ، لأنه كان لديها رغبه ملحه فى تميزها وتفردها من خلال الطريق الذى وجدت نفسها فيه ، وكان هذا الطريق طريق الغناء ،وهذة الرغبة نفسها هى التى كانت موجودة لدى العقاد وطه حسين وعادل إمام و والمثال محمود مختار ولدى محمد صلاح فى مجال الكورة
فهؤلاء جميعا كان شعارهم فى الحياة " أكون أو لا أكون "، والذى لديه خطة كلثومية محكمة فى التعامل مع الجمهور ، ألا وهى فن التعامل مع الجمهور بكل طبقاته ، فنحن جميعا نحب أن نشاهد جمهور الست وهى تغنى وهى تتعامل مع جمهورها فى مهارة وفن ، فهى تعلم متى تجعل الجمهور يخرج عن شعوره بنشوتا وإنبساطا ،كذلك يفعل الممتع والفنان محمد صلاح مع جمهوره فى الإستاد وأمام الشاشات حول العالم وهو يتعامل مع الكورة كما كانت الست تتعامل مع الكلمة واللحن لتشجى جمهورها.
إن الوعى الثقافى الذى تحلت به الست طول تاريخها الابداعى ، هو الذى جعلها تتربع على القمة ، دون وجود منافس غير رغبتها فى التميز والتفرد ، لأنها تعلم وتعرف أصول الصنعة ، وهذا يذكرنا بالفنان عادل امام بلديات الست الذى يعرف أصول صنعته فحافظ عليها وعلى مركزه..
ومن هنا سوف نقول ان اى عمل إبداعى يريد التفانى والتضحية من أجل أن يكون أطول عمرا وأكثر عمقا ، وأكثر تحديا للزمن و مستجداته ، التى لم تكن فى الحسبان
وهنا أجدنى مضر أن أذكر قول للموسيقار السويسرى " آنست ليفى ( ستبدأ الأنسانية بالتحسن عندما تأخذ الفن على محمل الجد كما الفيزياء أو الكيمياء أو جمع المال )
وأيضا قول الشاعر اللبنانى ، أنسى الحاج ( ..واحدة من أهميات الفن هى أنه يذكر الجسد بأنه مخلوق أصلا للمتعه لا للكلام )
ومن هنا سوف أقف عند عمل فنى مميز قدمته الست وهو عمل له حكاية وتلك الحكاية لبد أن تروى. وهى عن " الشيخ زكريا أحمد " الذى كان لدية ولد اسمه محمد وابنتان ..وكان تركز الشيخ على الولد لكى يكون سنده فى تلك الحياة ،لكن فى ربيع ١٩٤٤ أصيب الولد بحمى لم تمهله إلا بضع ساعات ورحل الى الدار الآخر ، فأنتشر الخبر بسرعه ، وبسرعة اسرعت الست الى بيت استاذها ومعلمها الرابع بعد أبيها والشيخ أبو العلا محمد وأحمد رامى ..
فوجدته على عكس ما تخيلت ،حيث وجدته رجلا متماسك للغايه ويباشر مهام الدفن والجنازه بكل هدوء ، فندهشت الست من حالته فسألت عن معنى هذا فقالوا " تلك حالة من ينكر شئ جلل حدث له ، لكن ما أسرع أن يفوق ويصاب بما لا يحمد عقباه "
وهنا أصاب أم كلثوم الهلع والخوف على الشيخ زكريا أحمد وبحثت عن صديق عمره بيرم التونسى فعرفت انه فى الاسكندرية يزور عائلته وانه سوف يعود بعد يومين ..فطلبته من خلال الهاتف وطلبت منه أن يعود إلى القاهرة الآن وليس غدا.
فحاول أن يشرح لها ما يقوم به فى الاسكندرية فقالت له شارحه وضع زكريا احمد ، وما هى الا بضع ساعات وكان بيرم التونسى يدق باب الشيخ زكريا .الذى لحن له ثلاث اغنيات" أنا فى انتظارك و حبيبى يسعد اوقاته و الآهات )
_ الباقيه ف حياتك ياشيخ زكريا
_ حياتك البقيه يابيرم
_ قلبى معك يازكريا
_ الحمد لله يا بيرم .
وبعد ان شرب الرجلان الشاى والقهوة ، طلب بيرم من الشيخ زكريا ورقه وقلم .. فكتب بيرم ليقرأ زكريا
( الأولة بالغرام والحب شبكونى
والتانية بالامتثال والصبر أمرونى
التالتة من غير ميعاد راحوا وفاتونى)
فيقول الشيخ زكريا يا حلاوتك يا بيرم كمل كمل.
( الأولة بالغرام والحب شبكونى بنظرة عين قادت لهيبى.
والتانية بالامتثال والصبر أمرونى ،، واجيبو منين ،واحتار طبيبى
والتالته من غير ميعاد راحو وفاتونى .
قلولى فين سافر حبيبى )
وهنا يقول زكريا
_ الله الله يا بيرم ايدك تتلف فى حرير ،كمل.
فيكمل بيرم
( سافر فى يوم ما واعدنى / على الوصال وعاهدنى/ وكان وصاله وداع من بعد طول امتاع )
وعندما قرأ الشيخ
( حطيت على القلب إيدى وانا باودع وحيدى ، واقول ياعين اسعفينى وابكى وبالدمع جودى )
هنا صدرت عن الشيخ آهه هائلة وارتمى على الأرض يخبطها بيديه ويبكى بحرقة ولوعة ويصرخ " آه يا ضنايا "
ويكمل بيرم : من يوم ما سافر حبيبى ، وأنا باداوى جروحى ، اتارى فى يوم وداعه ودعت عقلى وروحى
طالت عليا الليالى ، وانت ياروحى انت لا قلتلى فين مكانك ولا حترجعلى امتى؟؟ )
وقد استمر بيرم مع زكريا يكتب وهو يلحن ويعزف ويبكى ، وبعد يومين أتصل الشيخ زكريا احمد بأم كلثوم ليقوم لها انه وبيرم قد اعدا لها مولا مميزا من مقام نهاوند إسمه " الأولة فى الغرام " ويوم غنائها طلبت الست من منظم قاعة الحفلة أن يجلس الشيخ زكريا ، الذى لم يكن يحضر أغانيه فى القاعة _ أمامها فى أول صف وراحت تغنى بكل اللوعة " اسعفينى يا عين وابكى وبالدمع جودى" والشيخ يبكى
لان تلك الاغنية عظمة الكلمات واللحن والاداء ، ما هى إلا مرثية للشيخ زكريا احمد فى مصابه الجلل .
وهذا يجعلنا أن نعيد القول بأن الفن قادر على علاج ومناقشة اى قضية من القضايا التى توجد فى حياة الانسان .. وهذا يدعونا إلى مناقشة أخرى من خلال عمل فنى.
إرسال تعليق