مرسي جميل عزيز، شاعر الأغاني الخالدة. بقلم: سيد الوكيل
مرسي جميل عزيز
1921 ـ 1980
شاعر وكاتب أغاني مصري،
ولد في 9 يونيو 1921 بمدينة الزقازيق، عاصمة محافظة الشرقية. وتوفى في 9 فبراير 1980 بالقاهرة، ودفن بمسقط رأسه.
كان أبوه تاجر فاكهة، ميسور الحال،
فنال حظهً في التعليم النظامي بمدارس مدينة الزقازيق، حتى حصل على شهادة
البكالوريا عام 1940م ( الثانوية العامة حالياً ) ثم التحق بكلية الحقوق حتى حصل
على الليسانس. وحين أنشيء معهد السينما عام 1936م التحق به وحصل على دبلوم في
كتابة السيناريو. ورغم احترافه كتابة الأغنية إلا أنه ظل وثيق الصلة بعمل أبيه في
تجارة الفاكهة.
اطلع على عيون الشعر العربي القديم
والحديث، وكان شغوفا به منذ صباه، وقد بدأ بكتابة الشعر الفصيح وهو في الثانية عشر
من عمره ، عندما كتب في رثاء أحد أساتذته، واستمر يراوح ـ في شعره الغنائي ـ بين الفصحى والعامية، ومن أشهر ما ُغني له في االفصحي
قصيدة بعنوان:( لم لا أحيا ) ونشيد:( بلدي أحببتك يابلدي).
وربما نتيجة لاختلاطه بالطبقات الشعبية، من تجار
وباعة جائلين، فقد فتن بالعامية المصرية، ووجد فيها ثراء فنيا جعله يتجه إلى كتابة
الشعر العامي والأغنية ويبدع فيهما. وكان قد عرف الكثير من قواعد الموسيقى والطرب وأجاد
العزف على العود ، وقيل أن العود كان لايفارق يده. فامتزج شعره بالموسيقى وصار
فارسا للأغنية المصرية الأصيلة، معبراً بها عن مشاعر وأحلام وثقافة المصريين ،
لغتهم، أفراحهم وأتراحهم ،أساليب وممارسات
حياتهم اليومية. حتى صار شعره الغنائي سجلا للعواطف والمشاعر والانفعالات المصرية.
حياته الفنية:
أذيعت له أول أغنية في الإذاعة عام 1939م ولم
يتجاوز الثامنة عشرة بعنوان: " الفراشة " ولحنها الموسيقار رياض
السنباطي، غير أنه اشتهر كمؤلف
أغاني عندما غنى له المطرب عبد العزيز محمود أغنية ( يامزوق ياورد في عود )، بعد
ذلك كتب العديد من الأغاني التى لحنها وغناها كبار الملحنين والمطربين، وتنوع في
موضوعاته فكتب الأغنية بألوانها المختلفة: العاطفية والوطنية والشعبية
والدينية، والي جانب ذلك كتب
الأوبريت الغنائي والقصة القصيرة والسينمائية وسيناريوهات بعض الأفلام وأيضا كانت له
مقالات أدبية في الصحف والمجلات المصرية حتي اعتبره النقاد ظاهرة أدبية وفنية بارزة.
كان عاشقاً للحياة والغناء والطرب، لهذا لامست أغانيه
المشاعر الإنسانية، ولاسيما تلك الأغاني التى تناولت موضوع الحب العاطفي، وجسدت
الأشواق ولواعج الحب للفتاة المصرية. ولايعجزه معجمه الثري أن يجد من المفردات
شديدة البساطة، قوية التعبير، يستمدها من بيئتها في المدينة والقرية خاصة، لتعبر
عن أحوال الطبقات الاجتماعية بمشاربها وثقافاتها كافة، يدهشنا بوفرة انفعالاته
وثراء قاموسه الشعري بالصور والأخيلة الطازجة. فضلاً عن الرموز كثيرة الدوران في
شعره الغنائي مثل استخدامه لمفردتي العطش والري وتنويعاتهما ( القلة ـ الأبريق ـ
القناني ـ السواقي) لتدل على الحرمان وتأجج العواطف، أواستخدامه لمفردة المنديل،
ليدل ـ وفقا للسياق ـ إما على الفراق وإما على اكتمال الحب بالزواج على ماجرت
العادة المصرية باستخدام المنديل في طقوس عقد القران.
كما تنوعت
موضوعاته، بين الأغنية العاطفية والسياسية والدينية والشعبية، وكان يمتلك معجماً شعريا، ينصت لصوت
المغني داخله، ويجسد طبيعة شخصيته وتكوينه
الثقافي والاجتماعي مستفيداً من مفردات بيئته الاجتماعية حيث تظهر ـ هذه المفردات
ـ كخلفيات شارحة أو معادلات بصرية للشخصية من قبيل: البيوت والشجر والغيطان
والملابس والأشياء.
وربما كانت
الأنثي أو البنت المصرية التى تنتمى إلى الطبقة الشعبية، هى الأكثر حضوراً في
أغانيه، إذ تحضر بمفرداتها وأشيائها الأثيرة مثل: توب الفرح و الخلخال و الطرحة
المكحلة و الحناء والشربات و الستائر والشبابيك. لتجسد أحلامها وأشواقها إلى حبيب شاب
من نفس بيئتها، يحتويها ويصونها، إنه الشاب الأسمر الذي يطرف عينيها بالشال
ويشاغلها بالطاقية الشبيكة وينتظرها تحت أشجار الفاكهة ويلوح لها بالمنديل كوعد
بالزواج.
وقد تميزت كثير من أغانيه بنوازع درامية أسهمت الصورة في
إكسابها قدراً من الحيوية ووضوح المعنى على بساطته. وفي هذا يعتبره بعض النقاد
أبرز الشعراء الذين جسدوا دراما المجتمع الشعبي، من حيث قدرة أغانيه على حمل
الموروثات والعادات والتقاليد الاجتماعية. على نحو مايظهر في المناسبات مثل
الأفراح وجلسات الصلح والعتاب واتقاء الحسد ومراوغة العزول وأماكن ومواعيد
اللقاءات الغرامية، وما يتعلق بها من محذورات تستدعي التوسل بالرموز والإشارات بين
العشاق، بعيداً عن أعين الرقباء وصرامة النظام الاجتماعي. ولكنها لاتخلو من تصوير
لأنثى عصرية شجاعة، لاتخجل من الإعلان عن عواطفها مادامت نبيلة على نحو مانجد في
أغنية ( عطشان يا سمراني محبة ):
يامايل وجاي
يمتنا ومعاك الهوى بيميل
اسقيني على محبتنا
قدام العزول ياجميل
اسقيني على طول
ولاتسأل في عزول
أسقيني وأنا أقول
عطشان يا اسمراني
كمانجد هذا التحدي الجميل بإعلان الحب والفرح به في
أغنيات أخرى مثل: قول ياعزول مهما تقول.. احنا حبايب وانت عزول، وأغنية بتلوموني
ليه؟
شخصيته الفنية:
إمتلك شخصية فنية فريدة نتيجة لهذا
التركيب الثري بين الحس الشعبي والثقافة الرفيعة المتنوعة، والذائقة الجمالية
الراقية، فاستطاع أن يعبر عن
مشاعر الأنثى وإحساسها بلحظات الحب الصادقة، في كلمات اتصفت بالشعبية الراقية، ونجح ـ كذلك ـ في تطويع اللغة العربية الفصحى إلى
لهجة الحياة اليومية ونسجها مع الموسيقى والإيقاع من خلال ظواهر أسلوبية عدة
من بينها التكرار، ليس فقط لمجرد التنغيم، بل لتأكيد المعنى وتفخيم الشعور وإشباع
المشاعر.
لقد كانت مشاعره
الرهيفة، وحساسيته المرهفة تجاه النغم والكلمة وجموع الناس، هما دليلاه وبوصلته في
الشعر الغنائي، بل يمكن القول إنهما كانا دليلاه في ضبط إيقاع حياته كلها، فيحكى
أنه قد مر بظروف محبطتة جعلته يفكر في الانتحار، فأقدم على تجرع نوعاً من السموم، وفيما
هو يعد نفسه لاستقبال الموت تناهى إلى مسامعه صوت المطربة اللبنانية فيروز يشدو
بأغنيته: ( لم لا أحيا وظل الورد يحيا في الشفاة) فاستكثر على نفسه أن يكون هو
كاتب هذه الأغنية التى تدعو للتفاؤل، فيما هو مقدم على الانتحار،عندئذ أشرقت
الدنيا في عينيه وذهب ما في نفسه من ألم
وإحباط، فصرخ في طلب النجاة.
ونتيجة لهذا التركيب الفريد لشخصيته تميز مرسي جميل عزيز
واشتهر على مستويات شعبية وعلمية وفنية متنوعة، فكانت أخباره تسري في الحياة
الفنية، ترتبط باسمه الكثير من الطرائف والحكايات، من ذلك ـ مثلا ـ أن اشتهرت
أغنيته ( فات الميعاد ) بأنها أغنية النبوءة بنكسة يونيو 67، فقد اتفق أن غنتها أم
كلثوم من ألحان بليغ حمدي لأول مرة مساء الخميس 2 فبراير 67، وجاءت كلماتها وكأنها
تنذر بعام تكسوة المرارة والندم:
فات
الميعاد وبقينا بعاد
والنار بقت دخان ورماد
تفيد بإيه يا ندم
وتعمل إيه يا عتاب
طالت ليالي الألم
واتفرقوا الأحباب
إنتاجه في الشعر الغنائي:
قدم للحياة الفنية أكثر من ألفي أغنية، غناها كبار
المطربين مثل: أم كلثوم وعبد الحليم حافظ ومحرم فؤاد ووردة الجزائرية وفايزة أحمد ومحمد قنديل وغيرهم، كما لحن له كبار الملحنين
مثل: رياض السنباطي ومحمد عبد الوهاب وبليغ حمدي، ومحمد سلطان ومن أشهر أغانيه:
مال الهوى يامه ـ أنا قلبي إليك ميال ـ وقفوا الخطاب ـ الحنة ياقطر الندى ـ كعبه محني ـ
توب الفرح ـ شربات الفرح ـ الشمعتين
ـ يابياعين الفرح ـ ياليله بيضه ـ ياليالي
ملاح ـ الليلة دي ـ مكاحل ـ الكحل رباني ـ
يامه القمر ع الباب ـ قلبي دق لما بابنا
دق ـ انا بستناك ـ ـ شبيك لبيك ـ اسبقني ياقلبي ـ ياسمر ياجميل ـ يا أسمر، ياسكر ـ عطشان يا اسمراني ـ رمش عينه ـ يا نور عينيه ـ يابو الطاقية الشبيكة ـ أما براوه ـ الحلوة داير
شباكها ـ شباكنا ستايره حرير ـ ـ يابيت
أبويا ـ بيت العز ـ فايت على بيتنا ـ قلبي عليك ياخي ـ بستاني ـ ملو البدرية ـ يابو الدلال ـ جلاب
الهوى ـ لأ يا حلو لأ ـ يا حلو مالك؟ ـ ياخلي القلب ـ تلات سلامات ـ سلامات ياحبايب ـ
أعز الناس ـ رمان الجناين ـ حب الرمان ـ شفت بعيني ماحدش قاللي ـ ياغزال اسكندراني
ـ بحر الغزال ـ رمش عينه ـ ألف ليلة وليلة
ـ سيرة الحب ـ فات الميعاد ـ بحلم بيك ـ حبك نار ـ ياقلبي سيبك ـ ليه تشغل بالك ـ ياقلبي خبي ـ بلاش عتاب ـ بعيدة منسية.
ومن أشهر أغانيه الوطنية أغنية : ( م الموسكي لسوق الحميدية
) التى جسدت روح الوحدة بين مصر وسوريا في سياق شعبي طريف وبسيط يخلو من النبرة
الوطنية الزاعقة، وكذلك أغنية: حنبني
السد، في مناسبة تشييد السد العالي الذى اعتبر رمزاً للتحدي والإرادة الشعبية.
· لقب
بشاعر الألف أغنية.
· حصل مرسي جميل عزيز على
وسام الجمهورية للآداب والفنون من الرئيس جمال عبد الناصر، رائداً للأغنية الشعبية
وفارسا للأغنية العاطفية عام 1975م.
· أمر الرئيس أنور
السادات بعلاجه على نفقة الدولة، حينما
اشتد به المرض عام 1979م، وسافر للعلاج بالخارج، ثم عاد إلى وطنه ليموت عام 1980م على تراب الأرض التى
عشقها وخلدها في أغانية وبين الناس الذين غنى لهم وعنهم.
المراجع والمصادر:
1ـ أحمد عنتر مصطفى : مرسي جميل عزيز شاعر الألف أغنية
.. وألف ليلة وليلةـ أدب ونقد ـ مارس 2010مـ العدد 395.
2ـ خيري شلبي : مرسي جميل عزيز موسيقار الكلمات ـ الكتاب
التذكاري ـ الهيئة العامة لقصور الثقافة ـ يونيو 1995م.
3ـ محمودالحلواني: مرسي جميل عزيز، تأبط شعرا في أما
براوة ـ مجلة الثقافة الجديدة ـ مارس
2000م ـ العدد 138.
4ـ
ويكبيديا ـ الموسوعة الأليكترونية الحرة: http://ar.wikipedia.org/wiki
إعداد : سيد الوكيل
إرسال تعليق