عرض يكتبه إسحاق بندري: كتاب تاريخ مصر منذ العصور الأولى وحتى الآن.
A History of Egypt: From Earliest Times to The Present
By: Jason Thompson
AUC Bookstores Egypt
The American University in Cairo Press (AUC Press)
المؤلف مؤرخ أمريكي وله أصول مصرية، في هذا الكتاب المرجعي في حوالي 400 صفحة من القطع الكبير من إصدار دار نشر الجامعة الأمريكية بالقاهرة، يأخذ على عاتقه مهمة شاقة وهي تقديم التاريخ المصري الطويل في كتاب واحد، بدايةً من الحضارة المصرية القديمة وحتى فترة حكم حسني مبارك (صدر الكتاب في عام 2007 قبل الإطاحة بنظام مبارك في 2011).
الرقائق المتعددة للتاريخ المصري بكل فيها من تفاصيل متداخلة تجعل من عمل من هذا النمط أمرًا معقدًا حتى لا يقع المؤلف في إطار التعميمات الجائرة أو الإغراق في التفاصيل بما يشتت القارئ عن المضمون الرئيسي للكتاب.
يطوف مع القارئ الذي يريد أن يتعرف على التاريخ المصري ويتنقل به في رحلة حافلة بالتفاصيل من مصر القديمة إلى مصر البطلمية ثم التاريخ المسيحي القبطي وعصر المجامع المسكونية بكل ما يحيطها من تفاصيل متضاربة ثم التاريخ الإسلامي وعصور الخلفاء ومراحل التاريخ الأيوبي والفاطمي والمملوكي والعثماني وبعدها حكم أسرة محمد علي وصولاً إلى يوليو 1952 وما تلاها من عصور الجمهورية.
في حين أن الكتاب موجه للقارئ الأجنبي، ولكنه مفيد للقارئ المصري الذي يفتقر كثيرًا لتلك النوعية من الكتب الشاملة.
سيكتشف القارئ في متن الكتاب لمحات كثيرة عن تاريخ بلده كان يجهلها من قبل. البطل الحقيقى في الكتاب هو ذلك الامتزاج بين المكان و الإنسان .
كتاب ممتع ومفيد، يستحق قرائته أكثر من مرة.
يذكر المؤلف في الفصل السادس عشر عن الاحتلال البريطاني لمصر وعن إيفيلين بارينج أو اللورد كرومر:
بدأ الاحتلال البريطاني لمصر في العام ١٨٨٢ بعد إخماد الثورة العرابية، كان الهدف في البداية هو استعادة سلطة الخديوي ثم الانسحاب من مصر، و لكن هذا لم يحدث واستمر الاحتلال قرابة سبعة عقود لسببين: أولهما أن الانسحاب لو جاء مبكراً، فقد تتدهور الأحوال السياسية من جديد، والأخطر هو وقوع مصر فريسة لبقية القوى الأوربية الطامعة في السيطرة على قناة السويس ، ولذلك جاء اختيار رئيس الوزراء جلادستون على إيفيلين بارنج الذي عُرِفَ بعد ذلك باللورد كرومر ليكون القنصل العام بمصر في سبتمبر ١٨٨٣ وهو من ضباط الجيش البريطاني وسبق له أن خدم في السكرتارية الخاصة لحاكم الهند ومن أعضاء لجنة الدين العام بعد ذلك. في خلال عام أدرك كرومر أن الانسحاب المبكر من مصر أمر مستحيل بسبب تدهور البنية التحتية وما لحق بنظام الري من إهمال مما هدد الزراعة فضلاً عن أن النظام الإداري كان بحاجة ماسة لإعادة التنظيم من جديد.
اعتقد كرومر أن المصريين غير أكفاء لحكم أنفسهم وبلدهم، ومن ثم جاء تعامله المتعالي مع الخديوي توفيق، ولم يرضَ أبداً عن وزرائه لما رآه فيهم من غياب الجدية واحتياجهم الدائم لمن يدفعهم للعمل بمثابرة، لدرجة أنه قال إن مصر لم تنجب رجلاً بعد يقدر على مهام الإدارة. ورغم براعة كرومر الإدارية، إلا معرفته بالمجتمع المصري كامت سطحية وتقريباً لم يتعلم اللغة العربية، على عكس مساعده المقرب Sir Harry Boyle المعروف بطلاقته في اللغات والذي اعتاد أن يتنكر في هيئة رجل تركي ليتجول بين الناس في أرجاء القاهرة ويتعرف على حقيقة ما يجول بينهم، فأصبح بمثابة الأذن والعين للورد كرومر.
على الرغم من أن مصر كانت ماتزال ولاية عثمانية و أن كرومر يعمل رسميًّا بدرجة قنصل فقط لأن منصب السفير يُعتَمد رسمياً لدى اسطنبول فقط، لكن صلاحياته في مصر قد فاقت السلطان وأمكن له التحكم في الخديوي، ففي كل وزارة تواجد مستشار بريطاني هو المتحكم فعلياً في الإدارة، ومما زاد من قوة كرومر وجود ثكنات عسكرية بريطانية قوية مع إمكانية وصول البحرية الملكية إل قناة السويس في أي وقت فصلاً عن وجود مسؤول بريطاني على رأس إدارة قوات الشرطة المصرية.
كل هذا لم يسر فرنسا التي كانت ما تزال ممثلة في لجنة الدين العام وحاولت قدر استطاعتها عرقلة الاحتلال البريطاني فضلاً عن أثر الثقافة الفرنسية في مناحي الحياة وقتها.
اهتم البريطانيون بتطوير نظام الري في مصر بتنقية القنوات وتوسيعها وإنشاء قناطر القاهرة وأسيوط وخزان أسوان بالقرب من جزيرة فيلة ساهم كل ذلك في ازدهار الزراعة و لاسيما محصول القطن المصري الفاخر. لم يهتم البريطانيون بتطوير الصناعة في مصر، ولكن جرى تمديد خطوط السكة الحديدية وتركيب خطوط التليفون. أما في مجال الإدارة الحكومية فقد حدث إنجاز كبير في إزالة الفساد الإداري ولكن لم تهتم بريطانيا بتطوير النظام القضائي المحابي لمصالح الأجانب، و لكن رغم ذلك اتسم النظام القضائي بالحسم والسرعة وكان اختيار القضاة دقيقاً وخاضعاً للمحاسبة.
كما لم يهتم البريطانيون بنشر التعليم، وربما لم يأتي إنشاء الجامعة المصرية إلا بمبادرة المصريين أنفسهم.
تزايدت أعداد الجالية البريطانية بمصر ولكنها اتصفت بأنها جالية مغلقة على نفسها لا تختلط مع المصريين إلا في أضيق الظروف بل ولاقت التشجيع على ذلك.
كانت للبريطانيين نواديهم المغلقة عليهم مثل نادي الجزيرة الرياضي و نادي العشب Turf Club بشارع عدلي الذي احترق بالكامل في حريق القاهرة، كما أنشئت الفنادق الفاخرة ذات الطابع الأوربي مثل فندقي شيبرد و سيميراميس القديمين.
بعد وفاة توفيق خلفه ابنه عباس حلمي الثاني الذي اتسم بأنه صعب المراس بعكس أبيه ولم يخضع لكرومر، بل وكان يشجع الحركة الوطنية.
في عام ١٩٠٦ وقعت حادثة دنشواي الشهيرة التي أثارت ردود فعل العالم الغاضب تجاهها بسبب أحكامها الجائرة، كان وقتها كرومر يقضي إجازته الصيفية وقطعها ووجه توبيخاً لمساعديه وإن لم يعتذر عنها، ليدرك المصريون أن العدالة لن تأتيهم من الأجانب. وما ساهم في إشعال الأمور تعيين بطرس باشا غالي رئيساً للوزراء عام ١٩٠٨ ( وكان من قضاة محكمة دنشواي ) وما صاحب ذلك من جدل إزاء تمديد فترة امتياز قناة السويس لأربعين عاماً جديدة، و برغم رفض العرض من الحكومة المصرية، إلا أن أحد المتطرفين اغتال بطرس باشا غالي عام ١٩١٠.
في تلك الفترة ومع تقدمه في السن وبسبب ظروفه الصحية أصبح كرومر متسلطاً وسهل الاستثارة ويصدر الأوامر مباشرةً للوزارات متجاهلاً أي مسؤولين.
وصف كرومر الزعيم الكبير سعد زغلول بأنه رجل أمين صاحب قناعات راسخة ويملك من المواهب الكثير وجدير بالترقي.
استقال اللورد كرومر في العام ١٩٠٧ وربما لم يدرك جيداً أن قاعدة حكمه لمصر قد تقوضت.
إرسال تعليق