الذي كان شامخًا..
تيسير النجار
قاصة وروائية مصرية
الحزن يدرك بالعيون الدامعة والوجه المقتضب، لذلك لم يلحظ أحدهم حزني كنت منبسطًا أحوي كل ما تجود به أيديهم، يركض الأطفال فوق سطحي، تلقي النساء قاذوراتها على جانبي، وتلك التي تهرب من الآذان المتلصصة على حديثها. تحدث حبيبها الذي لا يأتي في "الموبايل" فوق قمتي والرجل المهموم يناجي ربه عند المساء ويشكو فقدان زوجته وعلى ركني يبكي، أنا الأعلى في منطقتنا، يبلغون قمتي بشق الأنفس، إن صعدت فوقي.
سترى النهر منسابا والمراكب حيارى على صفحته كلوحة تركها الرسام ليحتسي قهوته ولم يكمل ما بدأه خلف النهر الرمال الصفراء، وإن نظرت أسفل قدميك ترى أطنان القمامة وكل ما استغنوا عن خدماته قدموه لي في وقفة العيدين أو أيام التنظيف مرحب ومتسع لهم دوما. وإن كانوا يشركوني في حياتهم ولا يشتركون في إسعادي وذلك لجهلهم، لذلك أعفو وأسامح، الناس هنا يلعنون الجبال لقصر نفسهم، ومع ذلك يثنون على الاتساع ساخطين سعيدين بالشيء ذاته ربما يدركون أن لا أحد يحصل على كل شيء لكني أستبعد هذا الاحتمال لجهلهم.
أنا أحب مساء يوم الخميس يتحلق الرجال ويشدون الأنفاس من السجائر العامرة تدفئني الأدخنة يضحكون كما الأطفال.
وإن لم تنمح التجاعيد العابسة في الصباح سكبت فتاة ماء مخلوطًا بالجير عقب أن طليت منزلها وقالت لرفيقتها التي تحمل دلوا ممتلئًا بالفضلات:
- ستنفذ الحكومة، وعدها الرئيس الجديد يبدو صادقًا.
لم تتحمس الأخرى لكنها صاحت:
أتمنى فعلا ... سنستريح منه.
وأشارت أسفل قدميها واستطردت "وسنصبح كالمدن".. لم أفهم فيما تتحدثان لكني صبرت كعادتي حتى لم أعد أعلم هل الصبر غايتي أو وسيلة؟
تراصت السيارات والماكينات أمامي، تناثر ذوو الخوذات حولي يركضون هنا وهناك غرباء لم أعتد خطوات أحذيتهم ذات نعال صلبة تؤلمني، كدت أصرخ من ضجيجهم، لم يمهلوني حق الألم خررت على أثر ضربات حفارهم، هتكوا شموخي وانحنيت لكثرتهم، بذات السرعة بدأ الحفر في صخوري التي تفتت، اخترقوها وصنعوا بئرًا ضخمة، عرفت فيما بعد أنها مستقر لفضلاتهم شيدوا العمارات ارتفعت الأدوار، تأتيني رائحة النهر عاجزًا عن رؤيته في منخفضي ينظرون نحوي من شرفات منازلهم الضيقة، ويمرون على رفاتي في الذهاب والإياب ما لهم لا يسمعون أنيني، بل أكثر من ذلك قسوةً صاروا يضعون القاذورات فوقها، هذه عاداتهم غير أنني انسل مني الصبر عند انحسار قوتي.
إرسال تعليق