تحليل مسرحية ناجا ماندالا للكاتب المسرحي جيريش كارناد

التراث الهندي والأساطير في مسرحية ناجا ماندالا

رمزية الأفعى في الأساطير الهندية

النسوية في مسرحية ناجا ماندالا


تحليل مسرحية ناجا ماندالا للكاتب المسرحي جريش كارناد Naga Mandala
تحليل مسرحية ناجا ماندالا للكاتب المسرحي جريش كارناد Naga Mandala
 

هاني منسي 


الهند وجريش كارناد:

        تتكون الهند من أقاليم مختلفة، لكل إقليم لغته المحلية،  بها 23  لغة، الكاناندا إقليم، الكاناندا لغة جيريش المهمة المحلية بالإضافة إلى الإنجليزية وهو يريد أن يغوص في المحلية، وهو الذي ترجم المسرحية إلى الإنجليزية بسبب تأثره بالاحتلال الإنجليزي.


كارناد ومسرح الجذور:

       نشأت حركة مسرح الجذور، في فترة ما بعد الاستعمار، حركة لخلق ترابط بين الأشكال المسرحية الغربية والأشكال التراثية بالهند، لذا يمكن القول إن ذلك المسرح كان مسرحًا يتسم بدمج ثقافتين مختلفتين. الغرب والشرق، وكان الهدف من العودة إلى التراث هو إعادة تقديم التراث بتفسيرات جديدة وثيمات معاصرة يمكنها أن تثري المسرح الهندي في مرحلة ما بعد الاستقلال، حيث لم تعد الأشكال المسرحية، التي تم استعارتها من الغرب، كافية للتعبير عن تطلعات الشعب الهندي، ونمط الحياة، والمشاكل الأساسية في الهند المعاصرة.

     

جيريش كارناد وإعادة تناول التراث


      يعد كارناد من أهم مؤسسي تلك الحركة المسرحية وأهم من أثرى المسرح الهندي الحديث بنصوصه التي أعادت تناول التراث الأسطوري الهندي وإعادة طرحه مرة أخرى في شكل معاصر لطرح أنساق ثقافية ومجتمعية جديدة. وبالإضافة إلى تناول «كارناد» للتراث الأسطوري الهندي في معالجاته المسرحية، ومن خلال إعادة تجسيد الأحداث التاريخية والحكايات الشعبية داخل نصوصه المسرحية.


نبذ القبح من التقاليد 

     تأثر كارناد بثقافة عصره التي كانت تدعو إلى نبذ التقاليد والأعراف البالية، وسعي كارناد إلى الكشف عن الانساق التي تشكيل النص التراثي في مضمره النهائي. فقد عمل كارناد من خلال القراءة الثقافية للتراث التاريخي والأسطوري على كشف مضمر القبح والزيف فيها.

جريش كارناد والرؤية المعقدة

في حديثه عن استخدامه لتقنيات المسرح الشعبي، يقول الكاتب المسرحي جيريش كارناد: "تأتي طاقة المسرح الشعبي من حقيقة أنه على الرغم من أنه يبدو وكأنه يدعم القيم التقليدية، إلا أنه يمتلك أيضًا وسائل التشكيك في هذه القيم... التقاليد المختلفة - الجوقة، والموسيقى، والفواصل الكوميدية التي تبدو غير مرتبطة ببعضها البعض، والاختلاط بين العوالم البشرية وغير البشرية - تسمح بعرض متزامن لوجهة نظر بديلة ... إنها تسمح، باستعارة عبارة من برتولت بريخت، "الرؤية المعقدة "


دمج اسطورتين في ناجا ماندالا 


في ناجا ماندالا، ينسج كارناد حكايتين شعبيتين معًا. يعلق الأول على الطبيعة المتناقضة للحكايات الشفهية بشكل عام: فهي لها وجود خاص بها، مستقلة عن الراوي، ومع ذلك فهي تعيش فقط عندما تنتقل من راوي إلى آخر. وتتجلى في هذا قصة راني التي تختلق حكايات لملء الفراغ في حياتها، يعكس مأزق راني بشكل مؤثر حاجة الإنسان إلى العيش بالخيال وأنصاف الحقائق.


الكوبرا (الناجا) في التراث الهندي

     الأفعى تم تجسيدها في مختلف الثقافات لتمثل المظاهر المختلفة للحياة من النقيضين؛ الخير والشر، ومن الهلاك إلى الخصوبة والتجدد، فتمثل الأفعى في الكتاب المقدس صورة للشيطان مما يجعل النظرة إليها سلبية، رمز للإغواء ومعصية الله، وهناك عداء بينها وبين نسل المرأة، لكن في التراث الهندي تتخذ الأفعى شكلا مغايرًا تمامًا للصورة النمطية المعروفة عنها، فالكوبرا المُقنعة (أو ذات النظارة) التي تعرف في الأساطير الهندية باسم "ناجا" لها مكانة مهمة في المشهد الأسطوري بالثقافة الهندية، إذ إنها ترتبط بالخصوبة والحكمة، هناك أضرحة مقامة للأفاعي طلبًا وتيمنًا للحصول على محصول وفير (خصوبة الأرض)، وأملًا في أن يرزقوا بالأطفال (خصوبة النساء).


معنى الأفعى لغويًا

     معنى الأفعى لغويا فهي الحية الخبيثة، والحية، من الهوام- الحيوانات الضارة - سواء ذكر أو أنثى، من أصل الفعل حوى بمعنى جمع فسميت حية لتجمعها، ويري آخرون الأصل إلى الحياة نقيض الموت لادعاء باطل يزعم أن الحية لا تموت، أما كلمة ثعبان فأصلها من الثعب بمعنى امتداد الشيء وانبساطه.

      وتحتل الأفاعي في الثقافة الهندية موقعا مميزا بتأثيراتها على المعتقدات والأساطير والفولكلور الهندي، هناك جوانب مختلفة للنظر إلى الأفاعي في الثقافة الهندية.


الأفعى في موسوعة القصص والاساطير الهندية:

              وفي موسوعة القصص والأساطير الهندية المعروفة ب (البيورانا)؛ الركن الركين في الثقافة والتراث الهندي، نجد أن (كادرو)، أم الأفاعي، تتنافس مع أختها (فيناتا) على جذب انتباه زوجها، وتنجب (فيناتا) ابنها؛ النسر (جارودا)، الذي سيصبح ملك الطيور، ينتهي التنافس بين الأمهات؛ كما التنافس الرهيب بين النسور والأفاعي، بالتهام النسور للأفاعي، وفي المقابل التهام الأفاعي لبيض النسور والطيور، الوحيد الذي يمكنه القيام بدور وسيط السلام، هو الإله الهندوسي (فشنو)؛ الرمز الأعلى في الديانة الهندوسية، ولهذا يظهر في أيقونات يمتطي الحية ويقودها في جولة حول الكون أو على ظهر النسر (جارودا).


الافعى في نيبال:

        في نيبال يحكون أنه كان هناك ملك قام بالقضاء على كل الأفاعي التي كانت تعيش بأرضه، وكنتيجة لذلك أصيبت أرضه بالجفاف، وقد نصحه الحكماء بإعادة الأفاعي إلى أرضه، والعجيب أن الأرض استعادت خصوبتها، وهطلت عليها الأمطار، وهذه القصة تربط بين الأفاعي، والمطر، والخصوبة.


       الأفعى في النص الهندي المقدس

         في النص الهندي المقدس(الباجافاتا) أو (تاريخ الإله المحب)، نجد أن الأخ الأكبر للإله الهندوسي (كريشنا) يعتبر أيضاً أحد الشخصيات التي هي نصف أفعى، ونصف إنسان.

الكوبرا في الأسطورة الهندية (الحركة والسكون- الروح والمادة):

        بالنسبة لأسطورة أفعى الكوبرا الهندية، فبالرغم من أن هناك العديد من أنواع الثعابين في الهند، فإن أفعى الكوبرا هي التي تتم عبادتها في الهند، والسبب وراء ذلك يكمن في القناع الموجود فوق عينيها، أو الغطاءين اللذين يشبهان النظارة، والذي يسهل تمييزها في سكونها وحركتها، وهي تقوم برفع قناعها فقط عندما تكون في حالة سكون، وملتفة حول نفسها، فالسكون يمثل الروح، عالم الآلهة، أما الحركة فتمثل الهيولي، العالم الدنيوي المادي المعتاد.


 (طقس إثبات العفة موجود بالفعل في الهند )

الطقس المستخدم لكشف العفة، باستخدام سيخ محموم، إن احترقت كاذبة، إن لم تحترق فهى عفيفة، لیس باستخدام لدغة الناجا.


طقوس قديمة أخرى

        هناك طقسًا كان شائعًا في الهند بعد وفاة الزوج وحرق جثته، تحرق الزوجة معه، والعكس غير صحيح فالزوج يعيش حياته بعد موت زوجته، ومن هنا جاءت نظرة القرية والحكماء إلى راني نظرة دونية - قبل إثبات براءتها -، رغم إنها لا تكذب وتقول الحقيقة، في حين إنه لا يوجه أي إتهام إلى أبانا الذي يقوم بالزنا والجميع يعلم ذلك، فهي مذنبة وإن كانت بريئة وهو الزاني برئ، ولا يُقدم له أي لوم.


الاستعمار والطقوس

-         الاستعمار البريطاني حرم بعض هذه الطقوس مثل الطقس الذي يشبه المرأة الهندية بكائن طفيلي يعيش على شجرة هي الزوج، حيث كانت تحرق النساء مع أزواجهن إذا ماتوا، وإن رفضت الحرق مع زوجها يتهمها المجتمع بعدم الوفاء، وهنا نجد النظرة الهندية الذكورية والمأساوية للمرأة.


السخرية من مفهوم العفة:


         کارناد يسخر من مفهوم العفة، وإن حملت من آخر لكنها لا تزال عفيفة، (المجتمع يسمح بالشيء وعكسه يفرق بين الرجل والمرأة)، فنجد في المسرحية أبانا يحترم العرف (الأسطورة) أكثر من العقل، فمفهوم العفة جملة ثقافية، ( يربطها المرء شرف المرأة، فهو مفهوم يحمل ثقافة وعادات وسلوك المجتمع.


الأداء الجسدي والمحاكاة

       الأداء الجسدي (خلال الإشارات)، يصف كارناد دخول أبانا أولا ثم زوجته خلفه، ثم يغلق الباب عليها بقفل – رمز السجن - لكن في النهاية تجلس راني على الأريكة ويجلس أبانا تحت قدميها، وهنا الدلالة هامة: تغيرت الأوضاع، أصبحت إلهة.

        فهنا يخلق كارناد سردية مغايرة للسرديات التي جاءت في الكتب التاريخية التي كتبها المستعمر البريطاني.

        يحاول كارناد خلخلة هذا النسق، فعكس ترتيب الأدوار جعل الأولوية للمرأة ثم يليها الرجل، فنجد راني تتبع زوجها أبانا في البداية، يجلس تحت قدميها في النهاية.

        يستخدم الكوبرا لكن بطرقة مختلفة عن الطقوس الهندوسية القديمة - السنسكريتية، طقس هندي معروف، فالكوبرا لها قدسية في الهند، لا يستخدم لإثبات العفة، لكن نجد كارناد هنا يستخدمه كطقس إثبات العفة بدلا من السيخ المحموم، كما يقوم بدمج أسطورتين من التراث الهندي، أسطورة اللهب وأسطورة الناجا.


مسرحية داخل مسرحية، ميتامسرح، ميتادراما، ميتاتياترو:

-         مسرحية إطار؛ عن الرجل المؤلف الذي يريد تجنب الموت بالسهر طوال الليل، نجده تارة كراوٍ يحكي مأساته في بداية المسرحية ويخاطب الجمهور.


كسر الحائط الرابع 

 ويوجه الكاتب المسرحي الفاشل كلامه إلى الجمهور - كسر الحائط الرابع عند بريخت- يقول " قد أكون ميتًا في غضون الساعات القليلة القادمة، أنا لا أتحدث عن تمثيل الموت، بل موت فعلي، قد أموت أمام أعينكم مباشرة"


تأكيد على كسر الحائط الرابع

       وتأكيدًا لكسر الحائط الرابع، يقول الكاتب مخاطبا الجمهور مباشرة" الآن أنت تعرف لماذا يتم تنفيذ المسرحية، ليس لدي اختيار، تحمل معي، من فضلك، كما ترون، إنها مسألة حياة أو موت بالنسبة لي" هنا يحاول أن يؤكد على فهم الجمهور للمسرحية، ويرجوهم أن ينتبهوا للعرض، ويتحملوا المشاهدة دون نوم هذه المرة لأنها مسألة حياة أو موت بالنسبة له، يقصد بكل هذا أن يعتذر للجمهور – لهذا العرض وهذه المسرحية- نيابة عن الجمهور، كل الجمهور- الذي لم تعجبه مسرحياته في الماضي، وتسبب في نومهم على الكراسي أثناء عروضه المملة.


معانٍ مضمرة


        وقي نهاية المسرحية حين يأتي الصباح تنتهي المسرحية على جملة "إنه الصباح، يمتطي الرجل بقوة ثم ينحني إلى الجمهور، ويخرج" بعد أن حلت اللعنة عنه، فينحني لهم شاعرًا بالشكر والامتنان، الجمهور الذي وقف بجواره طوال العرض، فهو ينحني لهم ليشكرهم هم لا ليشكروه هو، فهذا معنى مضمر وتفسير جديد بعيدًا عن المعني الواضح في هذا الجزء عن لعنة النوم الجماعي للمشاهدين التي تسببت في لعنة الكاتب، ومن ناحية أخرى، نجد الكاتب المسرحي - داخل المسرحية - من خلال تفكيك الأسطورة ومحاولة لفهم أنساق مختلفة ومساهمته في تحفيز القصة على طرح نهايات مرضية ومقنعة ومحاولاته لإيجاد معنى جديد ومختلف عن نهاية القصة الطبيعية هذا في حد ذاته تفسير مضمر وله دلالات جديدة ومؤكدة على نجاح تفكيك الأسطورة الهندية الناجا ماندالا بتفسيراتها وبمعانيها ودلالاتها الجديدة، فنجاح الكاتب المسرحي داخل المسرحية كدالٍ مؤكد على جريش كارناد نفسه – مدلول - في تناوله للأساطير الهندية في نسق اجتماعي مغاير للوصول إلى معانٍ جديدة مضمرة.

 

تطور شخصية الكاتب المسرحي داخل النص


        مع إنه في البداية وعد بعدم كتابة وعرض المسرحيات مرة أخرى، لكنه لم يجد مفرًا من أن يعد القصة – الراوية- أن ينقل القصة لآخرين وإلا لن تُحكى له الحكاية التي تساعده على السهر ومن ثم فك اللعنة - لعنة النوم الجماعي - عنه، معبرًا بذلك عن لعنة الفن التي يصاب بها المبدعين، وفكرة أن تسهر وتتعب لتقدم عملا جيدا يحترم الجمهور، ويجعله يستمتع، لا أن ينام على الكراسي في بؤس شديد، وأن تستحوذ على عقل المشاهد وتراقب تلقيه للعمل وتتأكد؛ هل تحققت المتعة؟ وهل تم نجاح الرسالة بشكل واضح إلى المتلقي؟ وهنا رسالة هامة عن الاهتمام بالمتلقين واحترام مستوياته، ونجد الرجل الكاتب المسرحي يوجه كلامه إلى القصة متوسلًا " يجب ألا أغفو أثناء الحكاية إذا فعلت ذلك، فسوف أموت، وكل ما بذلتيه سوف يضيع هباء." تعبيرًا عن أهمية دور المتلقي للعمل عمومًا، لأنه ما فائدة أعظم العروض إن لم تجد المشاهد، وما فائدة أعظم الكتب إن لم تقرأ.     

 

النسوية في ناجا ماندالا 


القصة الراوية للحكاية أنثى واللهب شخصيات نسائية تأكيد على النسوية في المجتمع الذكوري:


       تأتي بعد كل ذلك ألسنة اللهب، لهب متحرك، يتجمعون في المعبد المهجور للنميمة، لكل منهن قصتها التي تفضح المجتمع وتعري السلوكيات أمام الجميع، وهنا يقوم جريش كارناد بأنسنة اللهب كما في الأساطير، للتعبير عن أنساق ثقافية مختلفة وتفكيكها لتعطي مدلولات مختلفة، فهن نساء، عكس الراوي الذكر، أو الكاتب المسرحي صاحب اللعنة، لكل منهن قصصًا يجب أن تنقل وتروى لآخرين، وإلا سيكون مصير حجب القصص كما حدث للمرأة العجوز التي كبتت القصة والأغنية وقتًا طويلًا دون أن تنقلها، "المرأة العجوز تعرف قصة وأغنية، لكن كل هذه السنوات احتفظت بهم لنفسها، لم تحك القصة أو تغن الأغنية ابدًا، لذا فأن القصة والأغنية اختنقتا محبوستين داخلها" فضجرت القصة والأغنية وتمردت، وخرجت منها تاركة إياها في بؤس شديد، وبحر من الشكوك القاتلة في زوجها، وتقول القصة

" وهكذا، صنعت (القصة والأغنية) شقاقا في الأسرة انتقاما من المرأة العجوز"

فترد لهب 1 " إذا حاولت إسقاط قصة واحدة، تحدث قصة أخرى" فلا ولن تنتهي القصص، وجدت كي تبقى وتنقل، وإن حجبت تأخذ بثأرها، وتبدأ في الحال قصة أخرى في البعث من جديد، وسنرحل جميعا وستبقى القصة للأبد تتكاثر، وتتوارث البشر، والبشر عليهم لعنة حكي القصص ونقلها إلا تعرضوا للعنات، وهنا تأكيد على الحضور النسوي المؤثر في المسرحية، بالإضافة إلى النهاية التي تؤكد على أن راني أصبحت إلهة ومبجلة من جميع القرية.


اللهب يعيش في مجتمعات - تأكيد حضور النسوية: 

        نحن لا نرى مجتمع اللهب كإنسان في صورته المفردة فقط، بل نراه في مجتمعات وطبقات متفاوتة وبيئات مختلفة وطعام-وقود – مختلف، فنجد فوارق تحدد هذه الطبقات وهذا الوقود؛ زيت الكوسبي، الكيروسين، زيت الخروع، زيت بذر الكتان، زيت الفول السوداني، زيت جوز الهند، وهذا الأخير أعلى درجة لأن عائلة أنثى هذا اللهب تأتي من الساحل، فيكشف اللهب مشكلات الطبقات في المجتمع، ويعطي صورة للمجتمع النسوي في الهند، حكايات الجدات والنميمة.

            كما نقلت الشعلات ما يحث في غرف النوم من علاقات توضح حضور الجسد، وروائح كريهة وسعال وبلغم وقيء وبول يكشف أمراض المجتمع، فمن خلال تقديم لهب مختلف محترق على زيت مختلف، يعلق كارناد بشكل رمزي وساخر على الوضع الاجتماعي والاقتصادي السائد في الثقافة الهندية لعدة قرون، الانقسامات الطبقية، وتنعكس في مواقف الناس، إن أفراد الطبقة العليا يسخرون من أفراد الطبقة الدنيا ويظهرون عدم احترام لهم.


الشعلات ونساء القرية 

         فتشبه أحاديث النيران المناقشة التي تجريها نساء القرية النموذجية في الهند. يتحدثون عن أسيادهم وعشيقاتهم، وعن منازلهم، وعواطفهم، وحياتهم الجنسية. كما يتجادلون مع بعضهم البعض حول جودة المنازل التي يضيئونها. إنهم يحددون خلفية المسرحية ويعدون مزاج الجمهور تجاه الموضوع، يصفون الأخلاق السيئة للأزواج المختلفين، وتلمح حلقة الزوجين إلى المشاكل التي يوجهها الزوجان في نظام الأسرة المشتركة في الهند، يحاول الكاتب المسرحي إبراز الموقف النموذجي لشعب الهند من خلال النيران ليس فقط من خلال نبرة الافتراء والسخرية ولكن أيضًا من خلال حرصهم على سماع حكايات جديدة عن الناس والسخرية والضحك والاستمتاع بالمرح. النميمة، ورواية القصص، وممارسة الحب، وإشعال الشعلة وإطفائها، كلها أنشطة ليلية.

-          كما أن القصة - الراوية للحكاية - ذاتها تبدو كمعادل موضوعي لقصة الناجا، الفارق إنها هنا الأنثى التي تحاول إرضاء الزوج المسكين الذي حرمته زوجته متعة القصة والرواية وحجبتها عنه لأسباب لم يذكرها كارناد لكن يعطي الفرصة للمتلقي أن يضع أفق توقع أن يعتمد على خياله الخاص في ملء الفجوات التي تركها كارناد –في الأغلب- عن عمدٍ.

-         جعل كارناد اللهب عين الحقيقة التي لا تكذب، فتفضح دون خجل ولا تخاف معاقبة من رقيب، ولا تخشي لائم، هي فقط تعرض بحيادية ما يتم، وخصوصًا في الخفاء، وبالأخص المخجل منها، ربما للتعبير عن رمز الحق، النور الحقيقي، نور العالم، ومن جانب آخر يمكننا اعتبارها الكاتب الواعي - وتمثل الكتابة عموما - نور المجتمع، الذي يفضح المجتمع والسخرية منه للوقوف على السلبيات والعمل على تقويضها، ونجد اللهب تستمعن باهتمام للقصة الراوية - مع إنهم على مسافة بعيدة – وتوقفوا عن النميمة للاستماع لقصة (القصة الراوية)، ونجد الكاتب المسرحي الذكر يستنجد بالقصة الأنثى لإنقاذ حياته وهذا تأكيد آخر على حضور النسوية ودورها الفعال والإيجابي في المجتمع.

                    الرجل (مؤلف مسرحي) لكنه لم يحك الحكاية، بل ترك المهمة للقصة (الفتاة) لأن المسرحية تحكى عند قهر تعرضت له نساء المجتمع الهندي، كارناد أراد أن تُحكى الحكاية على لسان أنثى وليس رجل، كما كانت النساء تفعل في الهند قديماً (خلال طفولة كارناد نفسه)، كذلك جريش كارناد استلهم من التراث الأدبي والفني الهندي، ووظف عنصر الموسيقى في المسرح، فالرقص والموسيقى أهم عناصر المسرح الهندي.


كشف علاقة المرأة بالرجل بوجه عام من خلال (شخصية أبانا وراني)

ظهور ناجا طور شخصيتها (من خوف إلى ثقة إلى حيرة) كانت في الطفولة تتعامل مع العالم بسذاجة، متعلقة بالوالدين، سلبية في اختيار الزوج، قد اختاره لها والدها، فأراد كارناد أن يتقدم بنقد العادات والتقاليد البالية من خلال توضيح:

  • صورة المجتمع الذكوري في الهند من نظرة نسوية
  • قفل الذكورية في وجه النسوية
  • المرأة رد فعل وليس فعل
  • النساء مفعول فيهن وليسوا فاعلات
  • البيت سجن المرأة الهندية
  • الرجل له الحقوق والمرأة عليها الواجبات
  • النساء البريئة تتهم بالدونية والرجال الدنيئة تهنأ بالحرية

كشف علاقة المرأة بالرجل بوجه عام من خلال (شخصية أبانا وراني)


       فنجد سيطرة المجتمع الأبوي البطريركي على اختيارات الزواج في المجتمعات الهندية، والمرأة عليها أن تنفذ وعليها الطاعة التامة، حتي بعد الزواج نجد راني منكسرة، لا تستطيع أن تطلب حتى العلاقة المشروعة من زوجها، لأنها اعتادت أن تٌؤمر فتلبي، أن تكون رد فعل ليس فعل، أن تكون مفعول به وليس فاعل، لا تستطيع حتى أن تعبر عن أبسط احتياجاتها في الخروج من المنزل، لهذا جاء القفل على الباب رمزا موفقا للتعبير عن السجن الذي تعيش فيه راني، فهو ليس فقط سجنا ماديا يمنعها من الخروج من البيت بل هو سجن لحرية التعبير عن حاجتها للأمان والحب والحرية والجنس المشروع، هو سجن للأنوثة التي حرمت من الاستمتاع بها كأنثى مع زوجها، في حين أن الزوج يلهو مع الزانية طوال الليل، ولا يأتي إلى البيت إلا لقضاء حاجات فسيولوجية، وحواره معها مقتضب أوامر فقط من كلمة واحدة، لا ينطق بالجملة كاملة فنجده يقول "حليب" و "أرز" بدلا من أريد بعض الأرز مثلا، ويخرج سريعا دون تحيات الصباح والمساء، وفي مواقف كثيرة يضربها ودفعها كشيء وأقل بكثير من معاملته للنمس أو الكلب الذي يمسد شعره الذي احضره للامعان-المغالاة- في حبس حرية راني - التي تمثل المرأة في الهند - مهيضة الجناح بالأساس، والمغالاة في منع الرحمة من الآخرين – المتمثلة في كورودافا- من الوصول إليها، في المقابل نجدها تنفذ أوامره مجبرة، وطائعة، رغم كل ما يفعله أبانا فهي ترفض أن تعرض الزوج للمخاطر المحتملة عندما يأكل من العجينة بالجذور التي أعطتها لها كورودافا، فبعد تجهيز العجينة وخلطها التوابل، نجدها تخاطر بنفسها وتخرج من البيت ولأول مرة بمفردها لتلقي بها على عش النمل، وتعرض نفسها للضرب والإهانة من أبانا بعد دخولها، لا لشيء إلا لأنها رفضت – فقط - إيذاءه، لا تعترض حتى على علاقه زوجها بعاهرة قالت لأبانا: أكرس حياتي كلها لك.. أعيش اليوم لأجلك.


مفهوم باثي براتا

     نجد راني تجهز الطعام في وقته، تخدمه، فهي نموذج للزوجة الفاضلة، مفهوم باثي براتا: الزوجة الفاضلة، موجود في الهند من قديم الأزل يحافظ على النظام الأبوي (البطريركي)، نظام يحدد قواعد دور المرأة، وقواعد دور الرجل، نظام يعتقد إن الرجال أنقياء أقوياء، أما النساء يفتقدن ذلك.


أهمية ودلالة (الكوبرا- الناجا) في ناجا ماندالا

     اختيار الناجا له علاقة بشخصية راني وتحولها، فهناك تلميح من كارناد في البداية إن راني تلف شعرها كثعبان مائل.

       يتم توظيف الناجا وهو عنصر أساسي في المسرحية، جريش حاول يفكك لبعض الأفكار المترسخة في ذهن المجتمع ويهز الصورة الذهنية للمرأة وتناول الأسطورة بشكل مختلف، من خلال تفكيك الأسطورة وخلق معنى مختلف ونسق ثقافي مختلف عن الأسطورة، لأن الأساطير تكرس لقهر المرأة والراوي ذكر والمرأة مهمشة، الأساطير تساعد في ترسيخ ورسم صورة ذهنية ( العادات والتقاليد ) وتسمى أنساق مضمرة غير واضحة ،تستند إلى حكايتين شفاهيتين، يبدأ بحكاية ترويها النساء للأطفال والنساء للنساء كأنها اتصال مواز لأفراد الأسرة.

 

العلاج الأعشاب -رمز المساعدة في إصلاح الوضع النسوي- (كورودافا) :

تقدم كورودافا لراني أعشابًا في صورة جذور أحجامها مختلفة- تعطي صورة المجتمع والتقاليد والتراث في الهند في طريقة تعامله لإصلاح العلاقات بين الزوجين ومحاولة نقدها في نفس الوقت -  فقد جربتها بنفسها، وساعدتها على الزواج في الماضي، وتريد أن تساعد راني بها، وهنا السؤال الذي يطرح نفسه: هل كورودافا كانت تريد أن تساعد راني التي لا تعرفها- بدافع نسوي- أم تريد أن تساعد أبانا -ابن صديقتها- بدافع أموي واجتماعي؟ أرى إنه بدافع نسوي واجتماعي معا، فبالرغم من معاملة أبانا السيئة لها إلا إنها لا تبالي بذلك ولا تغضب منه إرضاء لروح صديقتها أم أبانا وتريد له الابتعاد عن الزانية وتود أن تراه سعيدا مع أسرته، وفي نفس الوقت تتعامل مع راني كأنها ابنتها، لا تريدها أن تتعرض للألم أو الأذى من أي نوع فنجدها تكرر لها أنا لم تأتي لها لتسبب لها البكاء، وأيا كان الدافع فجاء معبرا بصدق عن المرأة الهندية، الأم أو الجدة المسؤولة عن تعديل وإصلاح التقاليد والقيم المغلوطة، والدفاع عن المرأة في المجتمعات الذكورية.

قصة تحول راني هو تحول لكل النساء وانتصار للمرأة الهندية

-          راني فتاة مدللة ساذجة، ثم بعد الزواج والقهر، صدمت، شعرت بالتردد والخوف والحيرة، ثم بشك وحيرة؛ خلال أبانا الذي يظهر بالنهار كوحش وفي الليل حبيب، بعد الحمل نضجت واستعدت للأمومة، بعد البراءة تحولت إلى إلهة في نظر الناس واستردت ثقتها بنفسها.

-         كانت مقهورة وخاضعة مع أبانا لدرجة قالت لناجا: الضرب لم يوجعني. سألها: هل تريدين أهلك؟ بكت فقط فهي تطيع زوجها لأبعد حد، وهنا تتبع الصورة النمطية للمرأة المخلصة في المجتمع الهندي، ثم أصبحت إلهة واستردت ثقتها وتمردت،  سيميولوجيًا: راني تتمرد فأصبحت أقوى، إلهة، أما بالنسبة للحكاية التقليدية راني أثبتت عفتها وعاشت في سعادة مع زوجها، وهذا ما نجح غي التعبير عنه كارناد من تفكيك الأسطورة وخلق معان مغايرة متفقة مع أنساق اجتماعية وثقافية جديدة

-         اليد العليا من الحكاية هنا ليست للرجل، بل للفتاة (القصة)

-         الحكاية لا تقدم من خلال وجهة نظر ذكورية، كما عهدنا في الأساطير، أغلب الأساطير تحكى من وجهة نظر ذكورية، لا نسمع فيها صوت المرأة.

-          ألسنة اللهب التي فضحت البيوت ، كانت كائنات أنثوية .

-         ألسنة اللهب تفضح الزيف والأوهام في عقلية الرجل الهندي

 

ازدواجية معايير وقيم المجتمع:


ازدواجية المجتمع المتمثلة في ازدواجية أبانا (الأصلي والمزيف)

       المجتمع لما يتقبل خيانة راني لأبانا (وسرعة إتمامها بالخيانة أمام الجميع) في حين أن المجتمع يقبل بأبانا كزوج خائن لزوجته كل يوم ولم يوجه له أي إتهام.

       يمكن اعتبار محاكمة راني بأكملها مع قيام الكوبرا الملك بغطاء رأسها عليها على أنها ذات أهمية رمزية، ففترة العلاقة بين راني وأبانا والناجا هي فترة التعلم والتقييم لكليهما، في الزيجات المبكرة التي كانت شائعة في الهند قبل حوالي خمسة أو ستة عقود، كان النضج الجسدي يسبق النضج العاطفي والنفسي، مما تسبب في الألم والمعاناة في معظم الحالات، وهذا ما يرمز إليه في المحاكمة، راني على استعداد لمواجهة الموت لإثبات إخلاصها وصدقها يؤدي إلى تغيير قلب أبانا فيما بعد.


محنة الثعبان للنساء فقط

يريد كارناد الإشارة إلى حقيقة اجتماعية تتعلق بمحنة الثعبان: لماذا لم يطلب شيوخ القرية من أبانا إثبات براءته؟ لماذا هناك مدونة سلوك أخلاقية للنساء فقط لماذا لا للذكور؟ لماذا تواجه المرأة كل هذه المشاكل؟ كل هذه الأسئلة تبقى بلا إجابة أو بالأحرى لا يوجد إجابة على هذه الأسئلة. من خلال تقديم هذا الواقع الاجتماعي والثقافي، يجبر كارناد المجتمع على محاربة انعدام الحساسية الأخلاقية والعادات اللاإنسانية والخمول الثقافي في العصر. راني: راني هي الشخصية المركزية في المسرحية. القصة كلها تدور حولها. قصة راني تمثل قصة كل امرأة. راني، مثل كل فتاة في الهند، تعيش مع والديها حتى تتزوج؛ وفجأة أصبح منزل زوجها هو منزلها. محنة راني في المنزل المغلق تصف بشكل رمزي موقعها في المنزل حيث ليس لديها اتصالات ضد رغبة زوجها. كفتاة صغيرة، راني لديها رغبات وأحلام واحتياجات وضروريات، لكن عليها قمعها جميعًا في مواجهة نظام الهيمنة الصارم والقوي. إن العامل الرئيسي وراء صمتها وخضوعها هو أنه تم نصحها وتكييفها لتكون ودية ومتعاونة؛ خجولة وخاضعة، خجولة ومتسامحة في حياتها الزوجية. ونتيجة لذلك، فإنها تفشل في جمع الشجاعة والثقة للتشكيك في النظام الاستغلالي والقمعي. "هذا الحبس الانفرادي لراني من قبل أبانا في المنزل يرمز إلى حزام العفة في العصور الوسطى، واختزال مواهب المرأة في الأعمال المنزلية واستبعاد المرأة من التنوير والمتعة" (سارات بابو.م 239)


راني رمز التحمل الأبدي للمرأة لهذا الظلم الاجتماعي

      راني مثل غيرها من الزوجات الهنديات، تعاني من إحساس حاد بالخسارة والإرهاق داخل إطار الزواج. إنها تقمع دوافعها الجنسية والاجتماعية والنفسية. تلتزم راني بجميع واجباتها المنزلية التقليدية بإخلاص. على الرغم من أن زوجها جعلها أسيرة في المنزل، واستغلال مشاعرها وتعرضها للتعذيب النفسي، إلا أنها تظل وفية له. إنها لا تشتكي من أي شيء. إنها تتسامح مع كل سلبياته وظلمه بشكل صامت مثل الزوجة الهندوسية التقليدية. تظل مطيعة و هي بالفعل زوجة مطيعة على الرغم من وقاحة وقسوة أبانا، كما هو الحال مع الزوجات الهنديات، فهي أيضًا قلقة على سلامة زوجها: "لو حدث شيء لزوجي؟ ماذا سيكون مصيري؟ سامحني يا إلهي. هذا شر. كنت على وشك ارتكاب جريمة. أبي، أمي كيف هل يمكن أن توافق ابنتك على مثل هذا العمل الشنيع" (كارناد).

        لا توجد امرأة هندية مرتبطة بالتقاليد تحب أن ترى زوجها يموت قبل وفاتها وتريد أن تصبح أرملة، فهي ولدت وترعرعت في النظام الوضعي، وهي تكره حتى فكرة موت زوجها وهي على قيد الحياة لأنها تعلم أن حياة الأرملة ليست ضعيفة فحسب، بل مؤلمة أيضًا. في الواقع، راني امرأة فاضلة ثقافياً ومتدينة، تفانيها والولاء لا شك فيه لذلك فهي ترمز إلى الأخلاق الحميدة.


       ازدواجية الزوجين (بين الحقيقي والمزيف، فالمزيف يكسب) مقابل ازدواجية المجتمع (الرجل زاني والمرأة عفيفة، والمرأة تتهم في عفتها) والعامل المشترك (لا تسأل)؛ في الازدواجية الأولى راني ليس من حقها أن تسأل أي من الزوجين ولا المجتمع، وفي الازدواجية الثانية المجتمع كله لا يسأل أبانا عما يفعله.


     راني  فتاة صغيرة ساذجة، ترى زوجها في بشكلين مختلفين اختلاف الليل والنهار؛ غريب وقاس أثناء النهار، وعاشق ورقيق في الليل، في المجتمع الهندي، يُتوقع من المرأة أن تؤدي الطاعة المطلقة لزوجها كما تفعل راني في هذه المسرحية، ليس من حقها أن تسال أي منهما، تسمع وتنفذ فقط، وليس لها الحق ليس في استجوابه، تقاد إلى محكمة علنية وليس من حقها الاعتراض.

     في المقابل، يرتكب أبانا الزنا علانية ودون خجل، لكن لا أحد يعترض عليه؛ شيوخ القرية الذين يجلسون للحكم لا يجدون فيه أي خطأ، لم يكن أحد مستعدًا لتصديق براءة راني، تنام مع الناجا دون أن تعرف هويته، لم تكتشف هوية الناجا التي تتخذ شكل ‏أبانا باستخدام قوته السحرية، فشلها في اكتشاف الحقيقة هو قمع عقلها وحدسها من خلال التحذير القوي من أبانا و الناجا‏ بعدم السؤال، أي سؤال، فلو اكتشفت هوية الناجا الحقيقية لما سمحت له بدخول منزلها، ولكونها امرأة لا يجب أن تسأل أو تناقش، فكان اكبر رد على الظلم الواقع عليها أن تتمرد على التقاليد وتنتقم من المجتمع الذي اوجد مثل هذه الازدواجية وقررت ان تهزم المجتمع، وتنتقم لكل من سبب لها الأذى، فنجدها في النهاية الثالثة إلهة، يجلس زوجها تحت أقدامها، تخدمها عشيقة زوجها السابقة، حكماء القرية يبجلونها، وتحتفظ برمز وسر ألوهيتها في شعرها حيا يرزق في الخفاء، إنها حقا صفعة قوية من المرأة لمحاولة تصحيح الأوضاع المزرية، نجح كارناد في خلق معنى جديد للأسطورة وعبر عنه بشكل رومانسي منتصرًا للمرأة ، فنجد راني تقول بهدوء، إلى الكوبرا

 "أنت؟ ما الذي تفعله هنا؟ سوف يقتلك. اذهب. ابتعد. لا! ليس بهذه الطريقة. أنه هناك. ماذا عسانا نفعل؟ ماذا عسانا نفعل؟ لماذا عدت إلى هنا أيها الغبي؟ (فجأة) شعري! بالطبع، تعال بسرعة. تسلق فيه. (تترك شعرها ينسدل على الأرض.) بسرعة الآن. ادخل. هل أنت بأمان هناك؟ جيد. الآن ابق هناك. وكذب لا يزال. أنت لا تعرف، كم أنت ثقيل. دعني أعتاد عليك، سوف تفعل؟"  تتحدث معه كحبيب وعاشق وتعطيه أوامر وتعنفه وتطمئنه تعبيرا وتأكيدًا على إنها إلهة على الجميع بما فيهم ملك الكوبرا.


رموز ودلالات في ناجا ماندالا

     تعكس مسرحية ناجا ماندالا الحياة الثقافية والدينية والنفسية والاجتماعية الهندية من خلال استخدام الرموز، إنها تبرز العيوب في الثقافة الأبوية وأنماط سلوكها والقيم التقليدية القديمة ونظام المعتقدات الموجود في الماضي، وتتناول قضايا مختلفة مثل علاقة الرجل والمرأة، ومكانة المرأة وهويتها، وتأثير الأوضاع الاجتماعية والثقافية على الحالة النفسية للمرأة، والمفاهيم المختلفة المرتبطة بالثقافة الهندية، والشفرات/ الرموز الثقافة في المسرحية التي تعكس القيم، المواقف، المعتقدات، الافتراضات، الخرافات وممارسات الثقافة والمجتمع الهندي؛ تقليدية أو طقسية أو اجتماعية.


الساري والأغنية:


      يبقى الرجل والقصة على المسرح طوال المسرحية بينما تستمع النيران أيضًا من مسافة بعيدة. في الدراما، تسير الأغنية والقصة جنبًا إلى جنب على المسرح. أنها تثري كل منهما الآخر. أداء الآخرين وخلق موقف واضح من خلال تحفيز المشاعر بين الجمهور. ومن ثم تأتي القصة على المسرح وهي ترتدي الأغنية مثل الساري الخاص بها. الساري هو اللباس الهندي التقليدي الذي ترتديه النساء منذ قرون. إنه يعكس تاريخ وثقافة المجتمع الهندي. يقدم الدور الذي لعبه الكاتب المسرحي عنصرًا من السيرة الذاتية لجريش كارناد. يتحدث عن سبب بدء جيريش كارناد في كتابة المسرحيات مرة أخرى بعد الابتعاد/ النفي عن المسرح حتى عام 1987. وعلى الرغم من أنها مجرد حكاية شعبية، إلا أنها تسلط الضوء على ضرورة نقل المعرفة إلى الآخرين. لأن الثقافة لا يمكن إثراءها إلا من خلال مشاركتها ونقلها.


اسماء راني وأبانا:


        اسماء الشخصيتين الرئيسيتين في القصة، راني وأبانا، مهمة. إنها الاسماء الشائعة الموجودة في كل مكان في الهند. يستخدم اسم راني بشكل شائع لأي امرأة عزيزة على زوجها أو والديها. الاسم أبانا هو أيضًا اسم شائع جدًا موجود بين الجمهور. من خلال الأسماء، يشير كارناد بشكل غير مباشر إلى أنها قصة أي رجل عادي. ومن خلال إعطاء هذه الأسماء العامة، يهدف كارناد إلى تعميم الشخصيات في المسرحية. يستطيع المشاهدون والقراء التعرف على أنفسهم مع الشخصيات، وهذا يعطي المسرحية طابع العالمية.


أحلام راني:


       راني تشعر بالوحدة والخوف لأنها مسجونة في المنزل وتترك وحدها. تكرر بنفسها حكاية الحضانة التي يتم فيها أخذ الفتاة إلى والديها الذين يهتمون بها بمودة. إنها تشعر بالأمان عند الانغماس في مثل هذه الأوهام. في الحلم، يأخذ نسر راني إلى والديها. إن البيئة المثالية للحديقة التي يحملها النسر هي نموذج لجميع الحكايات الشعبية الهندية، عبر البحار السبعة، في الجزيرة السابعة، في حديقة سحرية. تصبح الحديقة السحرية رمزًا غريبًا لعالم مثالي يتوق إليه كل فرد، ولكنه موجود فقط في مخيلتنا. راني تحلم بوالديها وتحتضنها. أثناء نومها وبكائها، يواسيها الوالدان ويؤكدان لها أنهم لن يسمحوا لها بالرحيل.

 "راني: ثم يحتضنها والدا راني ويبكون. يقبلونها ويداعبونها. في الليل تنام بينهما. لذلك لم تعد خائفة بعد الآن. "لا تقلق. لقد وعدوها "لن نسمح لك بالرحيل". بعيدًا مرة أخرى في الصباح، يأتي الأيل ذو القرون الذهبية إلى الباب وينادي راني، وترفض الذهاب، ويوضح أنني لست أيلًا (كارناد 255)

تُظهر أحلام راني الأعمال الداخلية لنفسها، فهي تعبير عن رغباتها وأشواقها الداخلية المكبوتة في اللاوعي. أحلام راني رمزية للغاية وطبيعة تمثل الأفكار المخبأة في اللاوعي. عندما تحلم راني بوالديها لأول مرة، تتخيل نسرًا يأخذها إليهما. النسر الذي يطير في السماء بجناحين عريضين يرمز إلى القوة والشجاعة. كما أنه يمثل الهروب والحرية مما يعبر عن شوق راني للتحرر من حبسها. يذكرنا الأيل ذو القرون الذهبية الذي يأتي إلى الباب وينادي بمحنة سيتا في رامايانا. إنها لا تبحث عن العزاء فحسب، بل تسعى أيضًا إلى القوة من أجل البقاء. إنها تشعر بالرضا في خيالها من خلال حكاية الحضانة المفضلة لديها.

 

كورودافا رمز الحكمة:


يمثل كورودافا شخصية نموذجية في الحكاية الشعبية، والتي تساهم في تصعيد الأحداث في المسرحية. إنها تشبه عادة الأم الهندية التقليدية التي تقلق بشأن صحة ابنتها. تمهد مبادرة كوروداففا الطريق لاستخدام الأسطورة التي تشكل جانبًا ضروريًا من الحكاية الشعبية. تلعب كوروداففا، السيدة العمياء، والدة كابانا وصديقة والدة أبانا المتوفاة، دورًا مهمًا في المسرحية. مثل امرأة مسنة تقليدية في الهند، تعتبر أن من واجبها الأخلاقي إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح في منزل ابن صديقتها المتوفاة. إن عمى كورودافا يدل على الحكمة التي تحملها بداخلها. وتكشف كلماتها عن الحكمة الفطرية التي تمتلكها.


كورودافا؛ أمومة وخفة ظل، وذكاء فطري، بصيرة رغم ضعف البصر:

 بالطبع هذا سخيف! كيف يمكن لأي شخص أن يكون بالداخل عندما يكون هناك قفل بالخارج على الباب؟ أخبرني، هل يمكنك رؤية الملابس تجف بالداخل؟ أي نوع من الملابس؟ أي الساري؟ التنانير؟ أم أنها ملابس للرجال فقط؟ (كارناد 257)

لها مواقف كوميدية تكشف عن خفة ظل المرأة الهندية

كورودافا تمثل الملاك الحارس بالنسبة ل راني


       أغلب حوار كورودافا مع كابانا مضحة، تحاول أن تستعطفه بدموع مزيفة كأم كفيفة أحيانًا، وتأمره أحيانًا أخرى، وكرمز للمرأة الهندية الاصيلة تصف ملامح راني الجميلة عندما تتحسس وجهها تستخدم ألفاظ البيئة الهندية، ثم نجدها تنصحها أن تستخدم الجذور الصغيرة، فبجمال راني لن تحتاج أكثر من ذلك للنيل من قلب ومشاعر أبانا، تعلق عندما وقعت مع كابانا على الأرض ساخرة منه ومن ضعف نظرها، وفي مشهد محاكمة راني نجدها - هي الكفيفة- تبحث عن كابانا المبصر.

       تكشف محادثة كورودافا مع راني عن أمومتها الفطرية ويأس راني من التحرر. وصف كورودافا لراني هو أيضًا هندي نموذجي. لديها طريقتها الخاصة المكتوبة بنمطية لوصف راني مثل الأذنين مثل الكردية والجلد مثل أوراق المانجو والشفاه مثل لفات الحرير. إنها تشعر بالأسف لأن جمال مثل راني يعاني من الوحدة. إنها تريد أن تعرف ما إذا كانت راني قد تأثرت بزوجها من قبل ولكن لم تتلقى راني تعليمات بشأن العلاقة بين الرجل والمرأة من قبل والدتها. العلاقة الحميمة المتزايدة بين الكوبرا، وتحدد راني مدى تعقيد الموضوع. تم تصوير الاقتران بين راني والكوبرا من خلال الحوارات بين راني وكورودافا.

الرد الإيجابي لراني على استفسار كورودافا عما إذا كانت "بدأت حياتها الزوجية" وممارستها للعلاقة الجنسية، ملاحظة كورودافا الضاحكة تؤكد فكرة خجل راني وطبيعة تناول النساء في الهند لتناول هذه الأمور بطريقة رمزية -التلميح- دون التصريح بها، وهذا يكشف سطوة ذكورية المجتمع التي تمنع حتى مجرد الكلام في الجنس وإن كان مشروع، فنجدها تتحدث عن التعب هنا وهي تقصد العلاقة الجنسية، ولفظة "سيلدغك"، جاءت تنبؤ عن العلاقة مع الكوبرا وليس الزوج، أبانا.


"كورودافا (تضحك) هل أنت متعبة؟ يا للمسكين! فترى قوة جذوري، ألم أقل لك إن زوجك سيلدغك إذا ذاقها؟"

ملء الفجوات لحياة كابانا

-         هناك قصة عكسية تحدث مع الشخصيات الثانوية مثل كابانا، فنجده يقف مسحورًا عند رؤية فتاة جميلة، ليست من بنات القرية، تظهر له بقصدية خاصة، يتعلق بها، ونجد كورودافا تظهر قرب نهاية المسرحية تبحث عنه ولا تجده، ومن خلال هذه الأساطير نتعرف على مانسا أنثى الكوبرا التي تتشكل في هيئة فتاة جميلة وتظهر للرجل الذي تعشقه، وربما عشقته مانسا للدور النبيل الذي يقوم به تجاه أمه، وتعزيزًا لفكرة الخير للبشر، الخصب والنماء، والعشق والنبل عند الناجا.

-         إن إخلاص كابانا وعاطفته وواجبه تجاه والدته الكفيفة هو علامة أكيدة على الثقافة الهندية. على الرغم من معاناته من آلام الظهر، يحملها كابانا على ظهره ليلاً ونهارًا. إنه مخلص عظيم للأم، لذلك يصلي إلى اللورد هانومان أن يمنحه القوة، ليس للمصارعة أو القتال، ولكن لحمل والدته. نادرًا ما يوجد الواجب والخدمة عند الشباب ويظهر أخلاق كابانا الطيبة. العلاقة بين الأم والابن هي علاقة حب ومودة لا تتأثر.

 

العشبة :

         ومن اللافت للنظر أنه إلى جانب استعمالها في أسطورة الكوبرا، يستخدم كارناد عددًا من المعتقدات الخارقة للطبيعة السائدة في الثقافة الهندية، عشبة الإغراء تذكرنا بتأثير زهرة الحب في مسرحية ليلة منتصف الصيف لشكسبير، هنا العشبة مثيرة للشهوة الجنسية، هو اعتقاد آخر منتشر في قرى الهند. يعد استخدام الأعشاب والجذور أمرًا شائعًا جدًا في قرى الهند لخلق الحب أو الانتقام من شخص ما. إنها ممارسة شائعة جدًا بين أفراد هذه الثقافة، حيث يتم وضع بعض الجذور أو الأعشاب على أجسادهم للحصول على الحماية من الشر أو للحصول على الخير. إنهم يؤمنون إيمانًا راسخًا بأن الأرض الأم تهتم بكل مشكلة يواجهها الناس وتقترح المخرج خاصة للمرأة. كلما عانت امرأة، تجعل الأساطير الهندوسية الأرض ملجأها النهائي. تقارن ‏ كورودافا بأم الأرض، "كورودافا هي أم الأرض الأسطورية التي نزحت في الاتجاه البشري المعقول." إنها مرتبطة بالمحاريث والجذور والحصى وما إلى ذلك. يجعل جيريش كارناد الأرض تنفجر على شكل كورودافا والجذور والمحراث وتلة النمل والثعبان لإنقاذ راني وانتقم من أبانا. (بريادارشيني 169-170)


 أبانا:

أبانا هو مثال للرجولة الهندية، إنه يمثل الثقافة الأبوية النموذجية. ويظهر تفوقه، ‏أبانا هو ملك منزله، الأناني الأعلى، إنه يمثل الرجل الشوفيني، بالنسبة له، الخضوع لدوافعه الجنسية يعني خضوع زوجته له، إنه يحبس زوجته حرفيًا في مسكنه. ويعامل راني وكأنها كائن بلا حياة ولا مشاعر. ويعتبر راني ملكيته الشخصية، ويتبنى موقف التملك تجاهها. هو لديه ازدراء بارد لها. فالمرأة البريئة وغير المؤذية هي في نظره مذنب أو مجرم محتمل يستحق الحبس الانفرادي. بينما يستمتع بالجنس خارج نطاق الزواج، فهو لا يحب حتى أن يتحدث معها أحد. 


أبانا والناجا وجهان لرجل واحد

ويمكن ملاحظة أن أبانا وناجا هما وجهان لرجل واحد، أحدهما يظهر في النهار والآخر في الليل، يرمزان إلى "المعايير المزدوجة" للإنسان. يقول كارناد "إن موقف راني في قصة ناجا ماندالا، على سبيل المثال، يمكن اعتباره كناية عن حالة فتاة صغيرة في حضن أسرة مشتركة حيث ترى زوجها فقط في دورين غير متصلين كغريب". أثناء النهار وكعاشقة في الليل، لا بد أن يكون نمط العلاقات التي أُجبرت على نسجها من هذه اللقاءات المفككة شيئًا من الخيال. بل تصبح امرأة" (بوفوار، 351) وهو كلام سليم تمامًا ويبدو أنه ينطبق أيضًا على الرجل. لا يولد المرء رجلاً، بل يصبح كذلك تحت تأثير القوى الاجتماعية والثقافية والاقتصادية القائمة. في هذه المسرحية، لم يولد أبانا رجلاً، بل أصبح رجلاً في ظل النظام الاجتماعي الذي يهيمن عليه الذكور.

 على العموم، فإن تفوق أبانا المطلق على زوجته، وقلة تواصله معها، وانفصالها عن جميع الرفقة الذكور والإناث، ومعاملته اللاإنسانية المتحيزة جنسيًا مع زوجته، هي بعض الأمثلة على طغيان الثقافة الأبوية ضد المرأة، والذي يمثل أبانا إياه. . أبانا ليس إنسانًا بل هو مثل وحش بري تحت ستار الإنسان، لكنه تحت غطاء النظام الأبوي يضطهد راني، وبالتالي يتجاهل وجودها كإنسان. والواقع أن كل معاملته وسلوكه يمثل أخلاقًا زائفة.


والد راني:

 يمثل والد راني دور الأب الهندي النموذجي. يقوم بترتيب زواجها من صبي يتيم ولديه ثروة كبيرة، لكن اختيار راني يتم التغاضي عنه مع الأخذ في الاعتبار أنها غير قادرة على اتخاذ القرار. فهو، مثل العديد من الآباء الهنود، ينظر إلى الزواج من منظور مادي، وبالتالي يتجاهل كل شيء، ومن جوانب أخرى للحياة الزوجية الصحية والهادفة: "وجد لها والدها المحب زوجاً مناسباً. وكان الشاب ثرياً وكان والديه ميتين" (كارناد 253). هنا يتم استخدام كلمة "مناسب" بشكل مثير للسخرية.


الكلب:

يرمز الكلب إلى قوة إرادة أبانا. موت الكلب يعني موت قوة إرادته وبالتالي يثير حفيظة أبانا. الكلب الذي تم إحضاره في البداية للمتسللين من البشر أثبت أنه عديم الجدوى. عند وفاة الكلب، يشتري أبانا نمسًا كحارس. النمس لا يستطيع حراسة البشر لذلك، بالنسبة للثعبان أو الذات الجنسية لأبانا، فهو الذي يقوم بتعيين هيئة رقابة في البداية نفسها. والنمس دليل كافي. تقول القصة أن النمس خاض معركة أكثر صرامة، وبالتالي لم يكن هناك أي علامة على وجود النجا خلال الأيام العديدة التالية، وعندما وصل، كان جسده مغطى بالجروح التي شفيت جزئيًا فقط.

 

الناجا:

في المسرحية استخدم كارناد الطريقة التقليدية رمز "الناجا" بشكل فني وفعال لإبراز العديد من الرسائل والدلالات، أثر دور الثعبان على حياة الكثيرين وأعاد تعريف العديد من العلاقات خاصة بين راني وأبانا. لقد أعطى الثعبان من خلال أفعاله أبانا طريقة جديدة للحياة. من خلال الثعبان الذي يُعبد من أجل الخصوبة ولدت راني وأحدث تغييرًا كاملاً في حياتها. تم استخدام الثعبان كرمز قديم للجنس الذكوري.


أما الاختلاف بين الليل والنهار، الليل باعتباره الجانب الشخصي للإنسان، والنهار كواجهة عامة. وفي قرى جنوب الهند، هناك طقوس بين النساء لسكب الحليب في تل النمل الذي تسكنه الكوبرا في يوم معين من السنة  لاسترضاء الرمز القضيبي.


الناجا؛ رمز القضيب

الناجا هو رمز القضيب الذي تعبده الفتيات غير المتزوجات والنساء العاقرات المفترضات، الأولى للحصول على أزواج صالحين والأخيرة لتصبح أمهات، والتي تصبح راني في ناجا ماندالا أمًا وتحصل على زوج صالح، يعد إنشاء أيقونات الناجا من طقوس الخصوبة الأخرى. ‏ناجا ماندالا  يصور الاتحاد الإلهي للثعابين من الذكور والإناث. عندما تجد راني معجنات الجذر الثاني تكتسب اللون الأحمر الدموي، تخاف من إدارتها لزوجها والتأثير عليه. لذا فهي تصب الطعام على عش النمل موطن الناجا ويقبله. في الممارسة العادية هي دعوة رمزية للرمز القضيبي. في عالم العلاقة بين الرجل والمرأة، يمكن اعتبار الناجا رمزًا للرجل القادر على تحقيق رغبة المرأة السرية، على حد تعبير راجيندر بول، "إنها مسرحية اللعب مع الكوبرا دور الحبيب ويثبت أنه أفضل سلوكًا من نظيره البشري الذي يكون عديم الحساسية مثل الزوج.


الناجا؛ العمود الفقاري للجسم

كوانداليني يوجا في الثقافة الهندية والتراث

اليوجا الهندية : أسلوب علاجي (طب بديل)  كما أن هناك ربط بين الأفعى والطاقة الأنثوية الموجودة في الإنسان.

        في السياق الثقافي الهندي، يمثل الناجا العمود الفقاري الموجود في جسم الإنسان، فلفظة كوانداليني تعنى ملفوف، ترمز للطاقة الأنثوية الكامنة في كل ذرة من ذرات الكون، في المثيولوجيا الهندية، هذه اليوجا تشبه أفعى ملفوفة حول نفسها، ذيلها داخل فمها، ترقد نصف نائمة، في اليوجا ثم يتم إثارة هذه القوة الإلهية لتشع داخل جسم الإنسان، وذلك من خلال توجيه الطاقات الموجودة في العمود الفقري ( الكونداليني) مع التأملات الواعية المستمرة، يُعتقد أن هذه الطاقات سترفع وتمنح البركات الإلهية التي يمكن للممارسين، ويُعتقد أن طاقة الكونداليني يمكنها حتى رفع الإنسان الدنيوي إلى مستوى دنيوي فائق.


استخدم كارناد للأفعى 
         فمثلا نجد راني تلف شعرها كالأفعى ليمهد للتمرد الذي حدث ل "راني" كأن هذا التمرد كان كامنا داخلها، في المسرحية أيضًا يظهر الناجا ويعطي حياة سعيدة لراني ويغير حياة راني من خلال تقديم كل ما سعت إليه ورفعها أيضًا إلى مستوى الألوهية.

 الناجا سيميولوجيًا:

 يدل على التطور والتحول - تحول شخصية راني - الهند ثقافة تقدس الكوبرا، هذا توظيف للعناصر التراثية الهندية، وفقًا للغة النظام اليوغي القديم في الهند، 


النهايات الثلاث

النهاية الطبيعية الأولى من الحكاية الشعبية:

راني  أصحبت إلهة، مات الناجا، عاشت مع زوجها حياة سعيدة (تقليدية)، حصلت راني فيها على زوج وابن وأصبحت إلهة لزوجها وقريتها بالكامل وبشهادة الحكماء، النهاية الأولى لم تكن مقنعة للكاتب، فتجادل مع القصة التي تروي الحكاية وتم إضافة نهايتين بعد النهاية السعيدة للأسرة.


وهناك نهايتان من خارج الحكاية الشعبية

أما النهايتان - الثانية والثالثة - تفككان الأسطورة، إذن كارناد ينقد الأسطورة، هو لا يعيد إنتاج الأسطورة، بل يفكك المعاني الموجودة فيها، الأسطورة تؤسس لقمع المرأة ولكن المسرحية تخلق انساق ثقافية مضادة كما فعل جريش كارناد كذلك في مسرحيات أخرى لتفنيد الأسطورة.


النهاية الثانية:

تمردت راني وقالت لأبانا أن ابنها سيقوم بطقس سنوي للناجا (أبوه)  ( طقوس تقام للأب فقط، سيقدس الابن ذكرى أبوه الراحل إلى الأبد)، نجد ذلك في التراث الهندي حيث أن الأفعى الملتفة والمعقودة حول نفسها، والتي يتم سحبها على الأرض، والتخلص منها في نهاية هذه الطقوس يتم ذلك من أجل جلب الحظ السعيد، وطرد الأرواح الشريرة.


النهاية الثالثة:

يعيش الناجا حي داخل شعر راني، ستخفيه - في خصلات شعرها السوداء الطويلة- عن زوجها والناس إلى الأبد فهو مصدر وسر سعادتها وسر إلوهيتها، مما يرمز إلى حضوره الأبدي: "هذا الشعر هو رمز نعيم زواجي. عش هناك بسعادة إلى الأبد" في اللحظة الأكثر رومانسية في المسرحية، تحتضن راني –الإلهة- خصلات شعرها وتظل تشكل خطرًا دائمًا على سلطة أبانا الأبوية

 

 

 


Post a Comment

أحدث أقدم