مفهوم التلقي، العلاقة المسرحية، آلية التلقي في المعجم المسرحي
المعجم المسرحي مفاهيم ومصطلحات المسرح وفنون العرض
د. ماري الياس و د. حنان قصاب حسن
مفهوم التلقي
في المعجم المسرحي مفاهيم ومصطلحات المسرح وفنون العرض تأليف د. ماري الياس و د. حنان قصاب حسن، مكتبة لبنان ناشرون، الطبعة الأولى 1997 تقديم سعد الله وانوس
مفهوم التلقي: هو الاستقبال reception من الفعل اللاتيني recipere بمعنى تلقى أو استقبل ومفهوم الاستقبال حديث نسبيا في الخطاب النقدي المسرحي، وقد استخدمه المنظرون الأنجلوساكسون في المجال اللغوي والإعلامي أولا ثم استعمل في المجال المسرحي فيما بعد مع انفتاح العلوم النقدية على بعضها، ودراسة الاستقبال في المسرح كآلية تعني بالعمل التفسيري (انظر تأويل ) الذي يقوم به المتفرج كفرد.
أخذ مفهوم الاستقبال عبر تطوره معاني متعددة، فهو يدل على:
1- كيفية تعامل مجموعة ما مع أعمال كاتب أو مؤلف أو فنان أو مدرسة أو تيار أو أسلوب عبر التاريخ وهذه هي نظرية الاستقبال الألمانية Rezeptionsgeschichte التي انصبت على البعد التاريخي لعملية الاستقبال، وقد ترافق ذلك بظهور الدراسات التي اهتمت بجماليات تأثير العمل Wirkungsäesthethik.
2- العناصر التي تتحكم بخلق جمهور ما للعرض المسرحي، فمع تطور سوسيولوجيا المسرح اهتمت الدارسون بالاستقبال على مستوى الجمهور كمجموعة، وصارت دراسة الاستقبال فرعا من استطيقا المسرح Esthétique théâtrale يعنى بتوصيف الصيرورة النفسية والظروف الاجتماعية والتاريخية والخلفية الثقافية التي تحدد مجموعة معينة كجمهور للمسرح (انظر علم الجمال والمسرح). يتم ذلك من خلال استبيانات تطرح على نماذج من المشاهدين فتبين انتمائهم ووضعهم الاجتماعي وتسبر ثقافات وما يتوقعونه من العرض ومدى استيعابهم لما قدم لهم وما يتبقى في ذاكرتهم من العرض الذي شاهدوه بعد مرور مده زمنيه.
3- الفعل الذي يمارسه المتفرج الفرد كإنسان له مكوناته النفسية والذهنية والانفعالية والاجتماعية لتفسير ما يقدم إليه في العرض المسرح وعمليه الاستقبال بهذا المعنى تتضمن عمليات متعددة يدخل فيها الإحساس والادراك والحكم أو بناء المعنى والذاكرة، ولم تهتم هذه الدراسات بالاستقبال وحسب وإنما أيضا بالبث، أي بصيغة العمل المسرحي نفسه على اعتبار ان مسار بناء العمل وطابعه وأسلوب بثه واحتمالات المعنى التي ينفتح عليها امر يؤثر على نوعيه الاستقبال.
والواقع أن الاهتمام بالاستقبال لم يغب في الدراسات التاريخية والاجتماعية التقليدية للمسرح لكن هذه الدراسات لم تتجاوز ولفتره طويلة البحث في تأثير التطهير وفيما بعد التغريب البريتشي والواقع أن دراسة الاستقبال في المسرح بالمعنى الثالث للكلمة ظهرت متأخرة فالبحوث البنيوية والسميولوجيا التي كانت المنهج المتبع في تحليل العمل المسرحي درست النص كمنظومه مغلقه على نفسها وظلت في مجال المسرح لفتره طويلة تهتم بدراسة وتوصيف البنى الدرامية فقط دون أن تنفتح على ما هو خارج النص، أي الواقع، وما هو بعد النص، أي البعد التفسيري التأويلي في عملية التلقي كذلك فإن نظرية التواصل والإعلام التي واكبت هذه البحوث تعاملت مع العرض وكأنه رسالة message مكونة من إشارات تبث لمتلق لا يتجاوز دوره تفكيك الروامز (انظر التواصل). ولذلك لم يتم التوصل إلى المعنى الثالث لمفهوم الاستقبال إلا من تطور العلوم النقدية وتداخلها.
العلاقة المسرحية:
يعتبر الشكلانيون الروس أول من طرح فكره وجود عناصر ضمن العمل الفني تعتبر إشارات موجهة للمتلقي، ولها دور التأكيد على الصنعة الأدبية وشكل إنتاج العمل وقد أعتبر هؤلاء أن تأثير هذه الإشارات على المتلقي هو بداية للعملية الدلالية في التلقي لأنها تأتي بشكل واع ومقصود فيه من قبل المرسل Emetteur وتنبه المستقبل Récepteur وقد بين الناقد الفرنسي بيير فولتز P. Voltz في دراسته حول ما هو غريب وشاذ في مضمون العمل أن هذه العناصر بغرابتها تلعب دور المحرض في عملية التلقي.
من ناحية أخرى يعتبر المسرحي الألماني B. Brecht برتولت بريشت (1898 1956) أول من لفت النظر إلى دور المتفرج واعتبر المسرح فن المتفرج لكنه لم يذهب أبعد من ذلك.
انطلقت الدراسات الحديثة من كل هذه المفاهيم وربطتها بما قدمته نظرية التواصل من أعماق جديدة لعلاقة التلقي فدرست الاستقبال علاقة بين المتفرج والمادة الدراسية فدرست الاستقبال كعلاقة بين المتفرج والمادة المسرحية أي العالم المصور فيها وبين المتفرج ومرجع هذه المادة أي الواقع وهذا مع أطلق عليه اسم العلاقة المسرحية La relation Théâtrale
ضمن هذا المنظور درست آلية الاستقبال كعملية خلاقة بحد ذاتها لأنها تشمل التلقي وعملية تركيب المعنى كذلك طرحت العلاقة ما بين الإنتاج والاستقبال كعلاقة تأثير متبادل لها طابع جدلي.
فمعد العمل المسرحي كاتبا كان أو مخرجا أو أي عنصر من العاملين في الإنتاج المسرحي يأخذ بعين الإعتبار المتفرج الذي يتوجه إليه وقدرته على تركيب المعنى ويتخير له نوعيه التأثير الملائمة وهذا ما يسمى استراتيجية العمل ومن جهه أخرى فإن المتفرج بدوره يستقبل العرض من خلال تكوينه الخاص (انفعال ادراك فهم تاثير وذاكرة ) أي إنه يجد لنفسه موقعا أو علاقه ما تربطه بالنص أو بالعرض وعملية التلقي هذه أو تأويل النص تشكل ما يطلق عليه اسم القراءة.
آلية التلاقي:
تختلف طبيعة الاستقبال حسب علاقة المتفرج بالعرض وبالمسرح ككل فذوق المتفرج وتكوينه المعرفي ومدى اعتياده على الروامز المسرحية ومعرفته المسبقة للنص بالقراءة أو من خلال عروض سابقة كلها عوامل تلعب دورها في مستوى ونوعية التلقي كذلك فإن عمليه التلقي والمتابعة تتم على المستوى الانفعالي والفكري والحسي المضمون الشكل الجمالي أو مستوى الأداء وهي التي تحدد مستوى المتعة وطبيعتها من ناحية وهناك عوامل أخرى تلعب دورها في الاستقبال لدى المتفرج منها عوامل مادية مثل موقع المتفرج في الصالة، ومنها عوامل ذاتية مثل درجه التمثل مع الشخصية ودرجة الانكار بالنسبة لما يقدم على الخشبة وغير ذلك.
وفي الواقع فإن المهم في عملية الاستقبال هو العمل الذي يقوم به المتفرج تجاه ما يراه، ففي كل عمل مسرحي يربط المتفرج بين مرجعه الخاص ومرجعية العمل، وبين العالم الوهمي المعروض عليه، وبين واقعه هو (انظر التواصل التأثير الادراك أفق التوقع)
إرسال تعليق