أحزان عبدالعال البستاني
قصة قصيرة
ماهر مهران
في سعادة ظل عبدالعال يقطع بمشرطه الحاد فرع شجرة تين بشكل مائل، ويصنع منها شتلات صغيرة وهو يحكي، ويقول إنه ظل يدخن القص حتى نام عياله ثم تسلل إلى زوجته، وركبها، وظل يكر ويفر حتى تكسرت عظامها ثم أكل خوابير القرص الغارقة في السمن البلدي، وعاد للتدخين.
يشعر اللموني بالغيظ، فكل يوم لا يمل عبدالعال من الكلام عما يفعله بزوجته من همس ولمس وغزل وتقبيل وكر وفر وتكسير عظام خاصة أن اللموني زوجته دميمة وقذرة، ومن ذلك النوع الذي كان الله سيخلقه رجلا لكنه قرر في اللحظة الأخيرة أن يخلقه أنثى؛ فجاءت خشنة وناشفة ودميمة وقذرة مثل خرشفة.
يضحك اللموني بأعلى صوته، ويخفي غيظه، ويظهر إعجابه بما فعله عبدالعال ثم يشعل سيجارة، ويقول له في همس:
_ بركة ولدك عمل إيه في الجيش؟
يقول عبدالعال إن بركة بعد أن حصل على دبلوم الزراعة جهز أوراقه، وسوف يذهب إلى تجنيد أسيوط أول الأسبوع المقبل، فيأخذ اللموني نفسا طويلا من سيجارته ثم ينفخ دخان نفسه الكثيف في وجه عبدالعال، ويقول له في استفهام:
_ إيه رأيك ف اللي يدلك على طريقة ياخد بيها إعفاء؟
يقول له عبدالعال في اهتمام كبير:
_ يبقا ليه الحلاوة.
، يقول اللموني:
_ أنا أجيب له إعفاء.،
، ويقول عبدالعال:
_ كيف؟
يأخذ اللموني أخر نفس من سيجارته، يدفن عقب السيجارة في طين شتلة عنب تحولت براعمها أوراقا خضراء، ويقول لعبدالعال إنه إذا طلق زوجته رسميا ثم تزوجها عرفيا يصبح ولدها بركة عائلا لها، وبذلك يحصل على الإعفاء، تعجب الفكرة عبدالعال، ويقول له مستفهما: عندك حد يخلص الموضوع؟
ويقول اللموني إنه يعرف محاميا اسمه شبط، معه موظف في التجنيد سوف ينهيان الموضوع، ويأخذان خمسة وعشرين ألف جنية، ويقول عبدالعال للموني إن ورقة الطلاق والنقود سيكونان عنده خلال ثلاثة أيام.
وعندما تكون العفاريت على وشك الانتشار في البيت المجاور للمستشفى، وعندما تنتهي مصرية من لبس قميص نومها الأحمر ورش عطرها الرقيق يقترب منها عبدالعال، ويقول لها إنه يحتاج بركة بجانبه في الغيط والبيت، وإنه سيحصل له على الإعفاء من التجنيد، ومن أجل ذلك سيطلقها رسميا ثم يتزوجها صوريا؛ فتتخشب مصرية، وتملأ الصفرة وجهها، ويشيب شعرها فجأة، وتلطم، وتقول إن أباها وأخاها وزوجها حبيبها ماتوا الآن، يشعر عبدالعال أنها جنت فجأة فهو تزوجها وهي يتيمة وليس لها أخ فكيف تقول إنهم ماتوا الآن،؟! فيقترب منها كي يأخذها في حضنه، ويوضح لها الأمر، ويطيب خاطرها كما تعود كلما تعكر الصفو بينهما لكنه يجدها وقد صارت حريقة، فيشعر بالندم، ويعتذر عما صدر منه، ويعرف بركة، ويقول لهما في حزم إنه لا يريد الإعفاء، وأنه سيدخل الجيش، وينال شرف الخدمة فيه ثم يصمت لحظة، ويقول لأبيه إن اللموني يريد أن يخرب بيتهم، ولن يحقق له مراده الخبيث هذا، وتسوء حالة مصرية، ويتذكر عبدالعال عشقها له، وأنها كانت تجد فيه أباها وأخاها وزوجها وحبيبها وولدها، ويتذكر تعبها معه حتى نصب طوله وسط أقاربه، وصار من أعيان القرية؛ فيقترب منها، ويعتذر لها، وبعد عناء يقنعها بالذهاب إلى الطبيب، فيستيقظان فجرا، ويذهبان إلى أسيوط، هو في الأمام وهي خلفه، يذهبان إلى أكثر من طبيب لكن حالة مصرية تسوء،؛ جسمها يهزل، ونفسها من عبدالعال تجفص، وتصبح حياتهما جحيما لكن عبدالعال لا ييأس، ويستمر في الذهاب بمصرية إلى الأطباء في أسيوط رغم بعد المسابقة ومشاق السفر، وآثناء عودته ذات ليلة يسمع أحد الركاب يحكي عن القبض على شبط المحامي الذي حصل على كلية الحقوق من خلال التعليم المفتوح ومعه عيد موظف التجنيد بتهمة النصب والاحتيال؛ فيلعن اللموني الذي خرب بيته، وجنن زوجته، وجعلها تطيق العمى ولا تطيقه وكان سيجعله فريسة لهذين النصابين، ويعود في الصباح إلى مشتله، ويجد شتلاته قد ذبلت، وشجرة الرمان التي يعشقها قد سقطت زهورها الحمراء وأوراقها الخضراء وقد انتشرت في جذورها دودة غريبة.
إرسال تعليق