رواية أجابي والسلام الداخلي 

روماني لطفي


رواية أجابي والسلام الداخلي
رواية أجابي والسلام الداخلي 

بقلم: الحسن محمد سعيد                         

 

كنت قد قرأت رواية  ( أجابي ) للروائي المصري الأستاذ روماني لطفي في فبراير من عام ٢٠٢٢ .. وأعدت قراءتها الآن في مايو ٢٠٢٤ ، بعد عودتي القهرية للقاهرة إثر حرب عبثية لعينة في السودان ..               


في المرة الأولى من عام ٢٠٢٢ ، تركت الرواية في نفسي اثرا" هلاميا" غامضا" ، فلم احتف بالرواية كثيرا" ، بل غادرنا سريعا" ، وغاب في مشاكل الدنيا التي لا تنتهي ، فلم اهتم ..        

في هذه الأيام اعدت قراءة هذه الرواية في زمن وجيز ، فظلت أحداثها تلاحقني ولا تفارقني لعظم قيمتها الذي شعرت به ..    

            

  الرواية كتبت بلغة بسيطة ، تغلب عليها اللهجة المصرية في الحوار .. والحوار هو الشكل الغالب في الرواية .. ورغم غرابة الفكرة وعدم معقوليتها من وهلة الاستيعاب الأولى، إلا أن قليلا" من الصبر في التأمل والتدقيق ، في ( الفكرة ) التي قادت الكاتب لكتابة هذه الرواية يجعل منها - في نظري على الأقل- عملا" روائيا" جديدا" وشجاعا" ،يستحق الاهتمام به ، والاحتفاء بفكرته ، والتحدث عنه ، والكتابة حول قيمته ..      

             

 والسؤال الذي يقفز من وهلته الأولى:  هل زمن المعجزات في زماننا هذا قد انتهت ، بعد مرحلة الأنبياء والرسل ، ام لا تزال حاضرة في زمن العقلانية والعلم ، الذي لا يؤمن إلا بالعقل والمنطق والواقع الذي يقوم على البرهان المسبب ، ويرفض المجهول حتى ثبوت وجوده وحقيقته ؟! ..      

رواية ( أجابي ) تقول لنا : أن المعجزات لم تنته من حياتنا ، وإنما لاتزال موجودة ، يعيشها بعض الناس الذين حباهم الله ( بعنايته الخاصة ) .. فالمعجزات لم تختف بعد من دنيا البشر ، وإنما لا تزال موجودة وفق تقدم البشرية ورقي حالها وتفرده وعلو مكناته  ..


 ملخص وقائع هذه الرواية يتمثل في حب صادق شاب  اسمه ( نادر ... وهو اسم على مسمى ) لزميلته وجارته التي تسمى ( مريم ) لدرجة الذوبان في ( الذات ) لبعضهما البعض .. تموت الفتاة بمرض في القلب ، لتبدأ مأساة الشاب ( نادر ) ومرضه النفسي ، نتيجة لهذا الفقد .. كان الحبيب يستبعد موت حبيبته وكأن الموت لم يكتب لها ، مع ان ( الموت ) هو الحقيقة اليقينية لكل كائن حي ، فالكل إلى زوال مهما طالت الإقامة ! ..مع وقت قليل جاءت الغرابة في الرواية ، إذ أصبح الفتى يري حبيبته ( مريم ) دون غيره من البشر بخلاف ( والدة مريم ) التي تراها وتتحدث إليها ! ..                    

من الطبيعي أن لا يصدقه احد بل يعتبر به لوثة عقلية ..       

               

عرض على طبيب نفسي، فظل الحال على حاله .. ظهور الفتاة له كان إيجابيا" ، إذ شجعته للمذاكرة والنجاح في شهادة الثانوية العامة ، ودراسة الطب بدلا" عن التربية الرياضية التي كان شغوفا" بها قبل ذلك .. تشجيعها له كان سببا" لتفوقه واحراز نسبة عالية (٩٩%) ليدخل طب القاهرة ثم ينجح في دراسته بتفوق ويحصل على أعلى الدرجات ويتخصص في أمراض القلب التي قتلت حبيبته .. ويلتحق بهيئة التدريس في الجامعة ويبعث للحصول على الماجستير ثم الدكتوراه .. ينجح في كل ذلك بتفوق وبمساعدة حبيبته التي كانت تظهر له وتساعده في دراسته وفي مهنته بتمكينه بكشف اصل الداء ومكانه ..عاد لمصر من بريطانيا ،أستاذا" في الجامعة وطبيبا" يعالج مرضى القلب وينجح في علاجه بمساعدة حبيبته ( مريم ) التي ظلت تلازمه.. 


عالج العديد من المرضى وانقذ حياتهم ، ونال شهرة كبيرة ، واضحى ملء السمع والبصر . ومن هنا قرر يكتب رواية عن حياته احتفظ بكل الأسماء الحقيقة للأبطال،  ماعدا اسمه ، فاطلق على بطل الرواية الذي هو نفسه اسم ( أمير ) .. فاقترح عليه عميد الكلية مناقشة الرواية في ندوة علمية أدبية ثقافية .. وهي الرواية التي نحن بصددها الآن..       

   

حضر الندوة الدكتور ( شريف صديق العائلة .. وهنا وقع الكاتب في خلط للأسماء إذ ظهر اسم الدكتور شريف من صفحة ٢٥ في الرواية وقبلها باسم سامح صفحة ٢٢.. وهو خطأ لا ينال من عمق الرواية ويمكن تصحيح ذلك في الطبعة الثانية للرواية ) ..  

          

 انتهت الرواية باقتناع وإيمان الدكتور ( ايمن ) وقد اختار اسمه بدقة ذات دلالة تجمع بين الاسم وما أمن به من حقيقة حالة الدكتور نادر ( أمير في الرواية ) انه ليس مريض نفسيا" بداء  الهلاوس .. كما أن اختيار الكاتب ( لاسم نادر ) لها دلالة بتفرده وندرته ! ..


 آمن دكتور ( ايمن ) بصدق الدكتور ( نادر ) وما يدعيه برؤية حبيبته ( مريم ) في شكل نور يكشف له مكمن الداء والمرض عند المريض الذي يعالجه .. وكان الذي يظهر له هو روح مريم التي لا يراها غيره بخلاف والدة مريم ..                         

       

 اقتناع دكتور ( ايمن ) بما يقوله الدكتور ( نادر ) وهو طبيب نفسي مشهود له وقد استعان به دكتور ( شريف ) عندما استنجدت به والدة دكتور ( نادر ) واسمها ( عفاف ) ، قاده ليكتب مقالا" في الصحف فند فيه الحالة من ناحية نفسية علمية تحت عنوان ( أجابي )  وهو الاسم الذي اختاره الأستاذ ( روماني لطفي )  عنوانا" ليس عنوانا" لروايته التي نحن بصددها..     

أقول كتب الدكتور ( ايمن ) مقالا" علميا" في صحيفة وأرسلها بالبريد لدكتور ( نادر ) ..                           


 فقد خلص دكتور  ( أيمن ) في دراسته في مقال صحافي( أن هناك حالات يعجز الطب عن تفسيرها ) .. في الوقت الذي كان يعتقد فيه ( بأن العلم هو كل شيء ) .. كان رافضا" للمعجزات وحدوثها في هذا الزمن الذي هو بحق زمن العلم والعقل .. كانت الحالات التي تخالف الطب  والعلم في نظره مجرد ( هلاوس او أمراض نفسية ) .. وخلص دكتور ( ايمن ) في مقاله أن الدكتور ( نادر )  هو الذي غير بمحاضرته الرائعة  ما كان يعتبره علما" يقينيا" لا يرقى اليه الشك ! ..  

                                   

  خلص الدكتور ( أيمن ) إلى حقيقة مفادها أن تجربة الحب الصادق العميق كما هو الحال في الرواية التي عرضت في الندوة وصلت إلى مرحلة من السمو السلوكي الرفيع يسمى ( أجابي ) .. وهو نوع من ( حب الروح )   .. وهذه التجربة يصل إليها الإنسان عندما يصل الحب اعلا درجاته !! ..ولا يصلها الإنسان إلا بعد معاناة وعمر طويل وسلام داخلي !! .. 


هذه رواية مدهشة تستحق الاهتمام والاحتفاء بها والاشادة بكاتبها،  وبجرأته بارتياد الصعب في مغامرة فنية تقول : أن الحقيقة ليست للعلم وحده والمنطق الصارم، ولكن هناك مفاتيح ومداخل أخرى سببها الإيمان واليقين بما هو فوق المألوف، وهي ( المعجزة ) التي لا تزال موجودة في عالم البشر

 

Post a Comment

أحدث أقدم