اسمعى يا إسرائيل.. ديوان إريش فريد، بقلم: سيد الوكيل

 

 

من يهودي إلى الصهاينة


 

اسمعى يا إسرائيل.. ديوان إريش فريد، بقلم: سيد الوكيل
اسمعى يا إسرائيل.. ديوان إريش فريد، بقلم: سيد الوكيل

 

اسمعي يا إسرائيل: هو عنوان ديوان شعري مترجم عن الألمانية، وعندما نعرف أنه لشاعر يهودي، فللوهلة الأولى، نظن أنها توسلاً واستغاثة بإسرائيل، لكنها في الواقع عكس ذلك تماماً. هي زجر وهجاء ووعيد، وهذا  ما يؤكده كاتبها ( إريش فريد) فيقول: اعتبر هذه القصائد بمثابة تحذير ضد الأساليب الخاطئة وضد الكثير من المعلومات المضللة، فهي موجهة ضد الظلم الذي يمارس تجاه الفلسطينيين، كما أنها موجهة ضد الصهيونية.

القصيدة بعنوان: (لاجئون فلسطينيون).. تقول:

 

في المخيم الكبير قريباً من غزة

هناك رجال مسنون

لم يعودوا يقوون على رفع أرجلهم للسير .

نساء منشغلات دوماً، بتدبير شؤون الحياة في مثل هده المخيمات .

والأطفال، ذو الأبدان الهزيلة والملامح القديمة .

إن ضحكوا لم يطمئنوا .

وهم متأهبون دائماً للفرار.

الصورة الشعرية، تكاد تستنطق ما يحدث هذه الأيام في قطاع غزة، وما نراه كل يوم على شاشات المواقع الإخبارية من جرائم في حق الشعب الفلسطيني، وعندما نعرف أن القصيدة كتبت ونشرت في أعقاب عدوان 1967م، ندرك أصالة الوحشية الصهيونية عبر التاريخ، عندئذ قد نفكر في الدوافع التي اضطرت (هتلر) للتفكير في إبادة اليهود بوحشية غير مسبوقة، والتي عاني منها مؤلف هذا الديوان (إريش فريد) اليهودي النمساوي الأصل، حتى أنه يسجل في مذكراته، مشهد قتل أبيه على يد الجستابو الألماني، فاضطر للهروب إلى بريطانيا عام 1921م، وفيها بدأ يكتب الشعر، بعدما أدرك الفارق بين اليهودية بوصفها عقيدة دينية، والصهيونية بوصفها عقدة سياسية مقابلة للنازية، عاشت بها إسرائيل منذ 1948م وحتى الآن، ليبدو أن كل مظاهر الوحشية التي تمارسها على الشعب الفلسطيني، تعكس رغبة عمياء للتطهير العرقي العربي، مماثلة للتطهير العرقي الذي مارسته النازية على اليهود. لهذا يؤكد (إريش فريد) أن القصيدة تقارب بين ما يحدث الآن للفلسطينيين في مخيمات غزة، وبين ما حدث لليهود في معتقلات وارسو.

يقول (إريش فريد) في مذكراته "لم أكن صهيونياً قط، كنت متديناً لفترة قصيرة أثناء طفولتي، كما أن انتمائي للغة الألمانية يحد من مجال تأثري بالصهيونية، لكن قَدر اليهود يهمني ولا شك آمل أن أكون يهودياً، وأبقى خارج الفهم المتعصب للصهيونية، وخارج الشوفينية الإسرائيلية".      

الديوان يضم أكثر من أربعين قصيدة كلها تتخذ من القضية الفلسطينية موضوعاً لها، حتى أنه يتحول إلى وثيقة شعرية في إدانة الممارسات الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني، والسياسة الدولية الجائرة التي يدار بها الصراع العربي الإسرائيلي .الديوان، من ترجمة الشاعر المصري ( يسري خميس) أحد مؤسسي جماعة جاليري الأدبية، والتي تشكلت عام 1968م كرد فعل ثقافي لعدوان الخامس من يونيو 1967م

ليس عنوان الديوان فقط ، ولكن العناوين الداخلية أيضاً ، أى عناوين القصائد نفسها ، تدل على الدافع التى كتبت من أجله ” بيجن يتكلم ـ بين السادات والصهاينة ، قتل المصريين ، ناقد أيلول الأسود ـ البلدوزرات ـ دير ياسين ـ بعد مجزرة صابرا وشاتيلا ” وهكذا فالديوان يكرس نفسه لفضح ـ ليس فقط  ـ الدور الإسرائيلي ، بل والدورين الدولى والعربى المتخاذلين  .

فى قصيدة ( دير ياسين ) نقرأ :

قرأت عن القرية الفلسطينية دير ياسين .

مائتان وأربعة وخمسون .

قتلتهم وحدات لخى واتزل .

بقيادة يشوع زتلر وموردخاى رعنان .

لم يكن يسيراً أن أكون عن ذلك  صورة .

وأنا أريد أن أكون صورة .. حتى لا ننسى

فعندما يستعير الشاعر لغة الأرقام ، ويستعين بالتواريخ الدقيقة ويحدد أسماء مجرمى الحرب ، يبدو الأمر وكأنما يقدم بلاغاً ضذ ضمير البشرية المستسلم لطغيان الصهيونية ، ويسجل بكل دقة ، تفاصيل لحظة غفا فيها الضمير الإنسانى ، وسكت عن جريمة بشعة .. ليست هذه الأبيات وحدها ، لكن كثيراً من قصائد الديوان ، تحاول أن تكون سجلاً للآلام الفلسطينية ، حتى لاتنسى البشرية ما ارتكبته فى حق هذا الشعب المعذب، الذي منحته إسرائيل شتاتها، لهذا فالكلمات واضحة ، دقيقة ، والمعانى لاتلتبس بالخيال ، فنحن إزاء شاعر يسقط كثيراً من أقنعة الشعر ومجازاته حتى ليقترب كثيراً من المباشرة فى بعض الأحيان .من أجل أن تتحول القصيدة إلى صرخة إدانة قوية وعنيفة  بعنف الواقع الذى يكتب عنه .

هذا أمر متوقع من شاعر فلسطينى  يعيش المأساة بكل جوارحه ، أو أى شاعر عربى ضج بالألم المزمن وغضب للمهانة التى لاتكف عن إيلامه ، ولكن ، أن تصدر هذه الكلمات عن شاعر يهودي ، فهو أمر يثير الاهتمام ، ويدعونا لنتوقف قليلاً أمام الديوان وصاحبه .    

الديوان اسمه هكذا .. ( من يهودى إلى الصهاينة … اسمعى يا اسرائيل ) من العنوان سنعرف أن صاحب الديوان لا يخجل من كونه يهودياً ، بل هو يفخر بذلك ، ولكن يخجل من ارتباط الصيهونية بعقيدته، فالصهيونية مصطلح سياسي لحركة يهودية، لهذا فأول شروط قراءة الديوان أن نتفهم الفارق بين اليهودية بوصفها عقيدة دينية والصهيونية بوصفها حركة سياسية ، صحيح أن يصب جام غضبه  ويوجه نقد حاداً أو قاسياً للصهيوينة وممارستها الفاشية فى حق الشعب الفلسطينى ، ولكن هذا لا يعنى أنه يبرء اليهود من دم الفلسطينين، فالطريف أن أول قصيدة فى الديوان بعنوان ( كلمتان ) تسجل انطباعاً أولياً أن الشاعر يبحث فى العقيدة نفسها عن جذور العنصرية الصهيونية، فياله من موقف أمين وشجاع ، أن يراجع المثقف بعض المقولات المؤسسة فى ثقافة دينه، فمثل هذه المقولات هى التى تشكل الوعى وتوجه الوجدان الإنسانى تحت ثقلها المقدس، يقول الشاعر :

( مازالت أذكر. كم  كنت فخوراً لما قرأت وأنا طفل فى التوراة

لاتضطهدوا غريباً، ولا تحزنوا غريباً

 وكم كانت صدمتى فيما بعد ، لما تعلمت أن كلمة غريب بالعبرية، تعنى فقط: أجنبياً اعتنق اليهودية.

شيكسه… كلمة تدل على نساء وفتيات غير يهوديات

تبدو مهينة ، وكنت دائماً أكرهها

ولكنى ذهلت لما عرفت أن شيكسه تعنى: حشرة 


أما الشاعر فهو ( إريش فريد )  يهودي من أصل نمساوي، ولد في فيينا عام 1921 ، وتوفى فى ألمانيا عام 1988 ، وكان إريش اضطر ـ كغيره من اليهود ـ للفرار تحت ملاحقات الاحتلال النازى لبلاده، واستقربه المقام فى بريطانيا عام 1938، حيث عمل بهيئة الإذاعة البريطانية، وفى عام 1968 تفرغ لكتابة والشعر وكرس كتاباته لفضح العنصرية وأساليبها فى كل مكان، ولم تمنعه عقيدته ( اليهودية) من توجيه الكثير من شعره لمناهضة الممارسات الجائرة لإسرائيل فى حق الشعب الفلسطيني، وله في ذلك عدة دواوين منها : ” التحرر من الفرار، قصائد وقصائد مضادة ، إمبراطورية الأحجار، جندي وفتاة، وغيرها .. “


يقول إريش فريد فى قصيدة بعنوان: ” زمن المغرضين

يسممونني خائنا لشعبي

يسمونني يهودياً معادياً للسامية

لأنني أتكلم عما يفعلونه  باسم إسرائيل ضد الفلسطينين

وضد عرب بلاد أخرى، وأيضاً ضد يهودا سكتوا إلى الأبد .

وذات يوم فيما بعد انتهاء هذا الجنون

سيشرع اليهود الباقون فى البحث عن أثر ليهود لم يشاركوا

وإنما حذروا

هكذا كان يشير الألمان بعد اندحار هتلر

إلى ألمان

كانوا فى الماضى القريب مطاردين أو قتلوا

لأنهم يعوزون الآن شهوداً

بأن هناك ألمان كانوا مختلفين

فهل تبقى كلمة من تحذيراتى حية؟


الديوان ( اسمعى ياإسرائيل )  صادر عن دار حابى بالقاهرة ، وقد ترجمه عن الألمانية محمد رحمة، وهو باحث في المصريات، له عدد من الدراسات المهمة حول الفترة التى قضاها اليهود في مصر، وقصة خروجهم منها بقيادة النبي موسى، يطرح خلالها أفكاراً جديدة وموثقة تغير كثيراً من المفاهيم الشائعة عن هذه الفترة ، لعل أهمها: أن دخول جماعات اليهود إلى مصر كان باعتبارهم خدماً وعمالاً فى جيوش الهكسوس التي احتلت مصر في ذلك العصر، وأنهم لما قويت شوكتهم تمردوا على سادتهم الهكسوس الذين طردوهم من مصر. أي أن الفرعون الذي طردهم لم يكن مصرياً، بل كان من آخر سلالات الهكسوس حيث نصب نفسه فرعونا ( أي ملكا على مصر)  وبخروج اليهود وغرق الفرعون تخلصت مصر من اليهود والهكسوس معاً كما جاءوا معاً، لهذا جاءت مقدمة المترجم غاية فى الأهمية لتوضيح بعض المقولات التى وردت فى الديوان مثل قول إريش فريد : ” ضربات إسرائيل الانتقامية ، مثلها الأول فى العهد القديم ” .  


أنا اشك في وصف رحلة الخروج، فقد وردت بعدة روايات مختلفة، فلماذا كان على موسى أن يعبر البحر( خليج السويس) وكان يمكنه أن يتجه إلى الشمال، ليخرج من نفس الطريق البري الذي دخل منه الهكسوس.


 


Post a Comment

أحدث أقدم